2050 وكوارثها
آخر تحديث GMT10:57:09
 عمان اليوم -

2050 وكوارثها

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - 2050 وكوارثها

بكر عويضة

في الحسابات الآنية، قد تبدو سنة 2050 موغلة في البعد، لكنها واقعيًا تقف على أبواب الغد الأقرب مما يتصور كثيرون. ويا له من غدٍ. شاءت الأقدار أن يتصادف الأسبوع الأول لعرض فيلم «نوح» مع إعلان تقرير عرض مخاطر جمة تنتظر البشرية بفعل تصاعد الاحتباس الحراري خلال العقود الثلاثــــــة المقبلة. طوفان نوح، عليه السلام، يشكل واحدة من قصص عدة للأنبياء أوردتها الكتب السماوية للتدليل على غضب الخالق، عزّ وجل، إزاء عصيان المخلوق لما أتى به الرسل من خير للناس أجمعين. يؤدي الممثل النيوزيلندي راسِل كرو إلى جانب البريطانية إيما واتسون، الدور الرئيس في فيلم ملحمي للمخرج الأميركي دارِن آرونوفسكي، عن قصة قوم ضمن أقوام كثر بين البشر سبقونا قبل مئات القرون، فعاثوا في الأرض فسادًا، بدل أن يعمروها، غير مدركين خطر عبث الإنسان بقوانين يدرك العقل المبصر بالفِطرة أنها تحكم موازين الطبيعة، فتفصل في كل سلوك، فردي أو جمعي، بين خير يبني وشر يهدم. على الرغم مما حقق بنو آدم وحواء من تقدم علمي مذهل أولجهم مجالات تفوّق وريادة تفوق توقعاتهم، إنْ فوق اليابسة، أو في آفاق الفضاء، وبأعماق البحار والمحيطات والأنهار، ها هو العلم، وفق تقرير أعده علماء ينتمون لعدد من الدول، يقول الآن كلمته فيما ينتظر سكان الكوكب من حروب وكوارث نتيجة ارتفاع متصاعد لدرجة حرارة الأرض، الذي هو واحدة من نتائج عدم الاكتراث لتأثير الإسراف في التنعّم بكثير مما وفرت وسائل الحياة العصرية، عبر الاستفادة من تقنيات العلم أيضا. واحد من أجراس الخطر، التي يصدع بها التقرير، يلفت النظر إلى ارتفاع عدد سكان مدن العالم الذين يعانون نقصًا في مياه الشرب من خمسين مليونًا الآن إلى مليار مع حلول سنة 2050، ما يعني خطر اندلاع حروب مياه، ليس بين الدول فقط، إنما أيضا احتمال وقوع حروب مياه أهلية بين مدن داخل الدولة الواحدة. وبسبب تراجع محاصيل زراعية بينها الذرة الصفراء والقمح والأرز بنسبة خمسة وعشرين في المائة، ينبه التقرير إلى خطر إضافة خمسة وعشرين مليون طفل تحت الخمس سنوات إلى أعداد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية. وهناك أمراض قاتلة، يُفترض أن العلم نجح على الأقل في محاصرتها، مثل الكوليرا والملاريا، يتوقع التقرير أن يتسع انتشارها في الدول الفقيرة. ثم إن اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، دولًا وأفرادًا داخل المجتمع الواحد، محصلة متوقعة لمجمل تلك التغيرات، والنتيجة المحتملة – لم ينص عليها التقرير، إنما يمكن تصوّرها - تزايد حالات الاحتقان الاجتماعي وما يتولد عنها من صدامات عنفية، حتى في الدول الغنية. هل من عجب، إذنْ، إذا رفع علماء بمكانة واضعي التقرير الصوت عاليًا، استنادًا إلى أكثر من 12 ألف دراسة علمية، منبهين الناس أجمعين إلى أن خطر الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة «يهدد صحتنا ومنازلنا وغذاءنا وأمننا»؟ كلا، بل إن راجندرا باشوري (Rajendra Pachuri)، رئيس لجنة الخبراء الحكوميين المختصة بالتغير المناخي (Intergovernmental Panel on Climate Change)، أكد في مؤتمره الصحافي (الاثنين الماضي) أنْ لا أحد بمأمن إزاء الخطر المقبل. بالتأكيد، تتحمل الدول الصناعية النصيب الأكبر من مسؤولية الاحتباس الحراري الناشئ عن ارتفاع نسبة غازات الكربون المحتبسة (heat - trapping gases, such as carbon dioxide)، وتأتي الصين في المرتبة الأولى، تليها الولايات المتحدة والهند، ومن ثم فهي أولى بالمبادرة لاتخاذ خطوات فاعلة لمواجهة خطر يهدد مستقبل البشرية بأكملها، مع ذلك فإن ما تفعله أقل بكثير مما يجب. يبقى أن صيحة التحذير من حروب 2050 وكوارثها المتوقعة تنطلق بينما تتسع رقعه الحروب الأهلية في مناطق عدة، خصوصًا منطقة قلب العالم القديم، حيث منطلق الحضارات الأولى في التاريخ، ومهد الديانات السماوية، التي باسمها تراق دماء وتُزهق أرواح، على نحو يرفضه كل منطق سوي. ترى، بعد ثلاثة عقود وست سنوات، أين ستكون كل هذه القوى المتصارعة الآن لتحقيق مكاسبها، التي ليست تعني أحدًا غيرها، على حساب مستقبل الأبرياء؟ هل تكون اندثرت بعد ما سادت همجيتها بعض الوقت، أم أن ما يشبهها سيحل بعدها ليتحكم بمصائر أناس يعانون الفاقة والجوع والتشرد، سواء نتيجة أفعال من يحكمونهم، أو بفعل ما ستحمله كوارث مجاعات وفيضانات، قد تكون أفظع في تأثيرها من طوفان زمن قوم نوح وما حل بهم؟

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

2050 وكوارثها 2050 وكوارثها



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 20:12 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 عمان اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
 عمان اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 عمان اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab