مطعم بالعاصمة المغربية الرباط، يُشرف عليه أشخاص من ذوي التثلث الصبغي، يُقدمون فيه أطباق مُتنوعة، ويحظى بإقبال كبير.
كُل شيء في هذا المكان مُميز، ديكوره، رواده، أطباقه وحتى المُشرفين والعاملين به، إنه مطعم الجمعية المغربية لمساندة الأشخاص ذوي التثلث الصبغي "أمسات"، أما المشتغلون فهم أشخاص شاءت الأقدار أن يكونوا من المصابين بهذا المرض.
"شامة".. روبوت مغربي بدرجة مُدافعة عن حقوق المرأة
تختلف أعمارهم ويوحدهم إصابة بمرض لم يكن من اختيارهم، وهواية حولوها بالحب والمثابرة إلى مهنة يستمتعون بها، كل من يزورون هذا المكان يجمعهم شيء واحد حب الطبخ والعمل، ومشاركة الآخرين فضاء للانسجام داخل فريق كأنهم أسرة واحدة.
مهنية والتزام
زائر هذا المطعم يلمس من أول خطوة به مهنية عالية من الأطقم المُشرفة عليه، تُغلفها ابتسامات عريضة للنوادل وحتى الشيفات في المطابخ، الجميع يتعاون لإخراج أطباق تتذوق فيها طعم الحُب والتضامن، قبل طعم اللحم والخُضر.
"هؤلاء الملائكة ذوو القلوب الكبيرة الذين يقدمون وجباتهم على أطباق مزينة بشكل فني على طاولات مرتبة بشكل جيد، مع ترحيب حار، يظهرون احترافًا لا غبار عليه، مما يقوض جميع الصور النمطية والكليشيهات حول اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي وقدرتهم للابتكار والمساهمة في تنمية المجتمع"، تقول مليكة رشيد إحدى الزبائن لـ"العين الإخبارية".
هذا القدر العالي من المهنية، ما كان ليتحقق لولا جُندية والتزام كبيرين من لدن الشباب المُشتغلين في هذا المطعم، تقول "خديجة"، وهي المُشرفة عن ورشة الطبخ لصالح الأشخاص ذوي التثلث الصبغي، واصفة المكان ومستوى الالتزام فيه بـ"الثكنة العسكرية".
سمفونية
قالت المُتحدثة لـ"العين الإخبارية"، إن جميع العاملين هُنا "مُتميزون" و"مُتفانون لأقصى الدرجات في عملهم"، مسترسلة بالقول :"ينطلق الاشتغال على الساعة الثامنة والنصف صباحا، يغير الملتحقون ثيابهم ويرتدون ملابسهم الخاصة بالعمل ليكونوا عليها على موعد للتعرف على لائحة الطعام لذلك اليوم وتوزيع المهام بينهم".
العمل هُنا يمضي في تناسق وتعاون تام، كسمفونية مضبوطة، تتوزع المهام بدقم بين العاملين هُنا، منهم من يتكلف بإعداد السلطات وآخرون الاطباق الرئيسية، فيما البعض يتكلف والحلويات والمقبلات، وآخرون تولى لهم مهمة التقديم، أما البعض الآخر فيكون من نصيبه غسل الأواني.
أعمال ومهام مختلفة، لكنها تنظم مثل سلسلة مترابطة تحيل إحداها على الأخرى، وفي حال اختلال عنصر منها قد يتبعها الباقي، توضح المُشرفة.
عشر سنوات
المطعم ليس إلا ورشة طبخ ضمن الجمعية المغربية لمساندة الأشخاص ذوي التثلث الصبغي، والتي انطلقت منذ عشر سنوات، ولاقت تجاوبا مع المنخرطين بالجمعية، بل أحدث المشاركون فيها تميزا واضحا.
وبحسب الشيف خديجة، كشفت ورشة الطهي عن المهارات والقدرات الخفية لدى المصابين بمتلازمة داون، الذين اهتموا بشكل خاص بفن الطبخ.
من بين المشاركين في الورشة، رشيد السياحي، الذي بدأ الطبخ منذ حوالي تسع سنوات، وساعده تميزه في السفر لفرنسا عام 2015 ودخول القصر الرئاسي "الإليزيه"، بل ولقاء الرئيس الفرنسي حينها فرنسوا هولاند.
يقول "رشيد": "أحب ما أقوم به، بل وصرت أعرف طريقة طبخ كل شيء"، متابعا: "أسعد جدا حينما يشكر شخص ما أعده بيدي"، مُعلقاً "فالمطبخ هو كل شيء"، مفيدا بأنه وبناء على خبرته بات يستطيع تكوين آخرين وخاصة الملتحقون الجدد.
وكما يعشق رشيد بالطبخ، آخرون يستهويهم فن تقديم الطعام، فيسهرون على استقبال الزبائن والاهتمام بكل ما يحتاجونه، طيلة فترة وجودهم بالمطعم، من بين هؤلاء نجد "صفاء" التي تستقبلهم بابتسامة عريضة، تأخذ طلبهم، وتحرص على تقديمه كاملا دون نقصان، بل وفي احترام تام لأدبيات التقديم.
أطباق متنوعة
وأنت تتصفح قائمة الأطباق التي يُقدمها هؤلاء الطباخون المُتميزون، تجد نفسك في طائرة تجوب بك مطابخ العالم، تُقلع من فرنسا، نحو المكسيك، مرورا بإيطاليا، ثُم تعود بك إلى طاجين المغرب وكُسكسه، وما لذ وطاب من أطباقه التقليدية اللذيذة.
وفي كُل يوم يُقدم الطباخون إبداعات مُختلفة عن ما تم تقديمه في طبق اليوم السابق، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الأطباق التي يُمكن للعملاء اختيارها، والاستمتاع بمذاقاتها المُميزة.
يهدف هذا المركز إلى تعزيز فرص العمل للشباب المصابين بالتثلت الصبغي، ومكافحة وصم الأشخاص ذوي الإعاقة وتعزيز النظرة الإيجابية لهذه الفئة، تُشرف عليه جمعية "أمسات"، وهي جمعية غير ربحية، معترف بها باعتبارها ذات منفعة عامة منذ عام 1996، ومنذ يناير / كانون الثاني من عام 2003، تم وضعها تحت الرئاسة الفخرية للأمير مولاي رشيد، شقيق العاهل المغربي الملك محمد السادس.
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك