عمان ـ العرب اليوم
تقدم لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة الأردنية "عمان" الثلاثاء المقبل الفيلم الأرجنتيني "اللاقط الهوائي" للمخرج "استيبان سابير"، ويفتتح بحركة سريعة على لقطات لحروف اّلة كاتبة وأصابع يدين تطبعان، إلى زمن السينما الصامتة، زمن سينما الصورة الخالصة، ليقدم حكاية عن مدينة فقد الناس أصواتهم فيها، والصوت الوحيد الذي يسمع فيها هو الصوت الذي تبثه محطة التلفزيون الوحيدة، وهو صوت امرأة يعمل على تخدير الناس وتنويمهم. وهو اختيار ذكي ليعبر به عن فكرة الفيلم الرئيسية، المتمثلة بالهيمنة على عقل الناس واستلاب الوعي، وتغييبهم عن واقعهم، والتي يعبّر عنها من خلال شخصية صاحب المحطة التلفزيونية "مستر تي في" "السيد تلفزيون"، وهو تاجر جشع، يريد تمرير وتسويق البضاعة التي ينتجها بأقصى ما يستطيع، ولن يقدر على ذلك الا في التحالف ما بين رأس المال، وسلطة الإعلام.
ويعمل والد الطفلة "اّنا" فنيًا لتصليح البث التلفزيوني، ومطلقته الممرضة، وابنتهما الطفلة" اّنا" يقررون الدخول بمغامرة إعادة الأصوات للمدينة، بمساعدة الجد، بخاصة بعد أن فوجئت" اّنا" بوصول طرد بريدي لها عن طريق الخطأ، مرسل إلى الطفل الأعمى "توماس" والذي هو ابن السيدة "فويس" التي تعمل في المحطة لتخدير الجمهور، بعد أن عقدت صفقة مع "مستر تي في" بحيث يعيد البصر إلى ابنها" توماس"، والذي هو جار " اّنا"، فتقرر أن يعيد له الطرد البريدي، وحينها تكتشف أنه ما يزال يحتفظ بصوته.
وتبدأ مغامرة الوصول إلى "اللاقط الهوائي" المهجور والقديم، الموجود في الجبال، حيث ينظمّ " توماس" إليهم، وذلك حتى ينطلق صوته من محطة البث ويوقظ المدينة، في الوقت الذي تبث فيه محطة" مستر تي في" مباراة للملاكمة، وعندما يعرف أن هناك من يحاول استخدام اللاقط الهوائي، يقوم بإرسال سائقه، ومنفذ العمليات القذرة لديه الملقب " الرجل الجرذ"، وأثناء العراك مع والد "اّنا"، تخرج رصاصة تصيب الفتاة التي تشرف على إنتاج الأغذية المخدرة، وأثناء موتها تتحول إلى امرأة عجوز، ويتوقف خط إنتاج الأغذية.
وينطلق صوت "توماس" من المحطة، وتتعالى الأصوات، فقد عادت إلى المدينة أصواتها، فيلم" اللاقط الهوائي" مغامرة فنية مدهشة، باستخدام أسلوب يعود إلى بدايات السينما الصامتة، حيث الصورة تحكي، مع الاعتماد على الترجمة بالحد الأدنى، مع توظيف للموسيقى التي تضع المتلقّى في أجواء السينما الصامتة، وببراعة يستطيع المخرج "ستيبان" أن يقدم فيلمًا فيه مرجعيات الفيلم الكلاسيكي الصامت، مع التقنيات المعاصرة، ويقدم حكايته التي تبدو بسيطة من حيث مضمون الصراع بين الخير والشر، لكنها في العمق رثاء للإنسان المعاصر، الذي لم يعد ممتلكًا لأدوات خصوصيته، وأصبح جزءً من اللعبة، حيث وسائل الاتصال الحديثة التي أخضعتهم لإرادتها، وأصبحوا مجرد دمي بأيدي من يسيطر على هذه التقنيات.
ويقدم الفيلم ذلك التواطؤ ما بين رأس المال الجشع، وما بين وسائل الإعلام، حيث كل منهما يغذي الأخر للهيمنة بالقوة على الإنسان، وتغييب الصوت، وسرقة الكلمة، فإن "اللاقط الهوائي" هو رمز للفاشية وتحالفها مع الاحتكارات الرأسمالية، وهناك الكثير من الرموز في الفيلم، لكنها ليست لغايات خارج إطار فكرة الفيلم، إنما ضمن الدلالات التي تعبّر عن توحش هيمنة الإعلام ورأس المال، في فيلم يمثل إبداعًا بصريًا مدهشًا، يبدو كأنه نوع من التحدي للسائد من السينما التي تطورت واستفادت من كل التقنيات والفنون المعاصرة، فيعيدنا المخرج بفيلم " اللاقط الهوائي"، إلى السينما الخالصة.
أرسل تعليقك