أبوظبي ـ وكالات
تزخر صحراء الإمارات بالعديد من النباتات، وخاصة الموسمية التي تنمو بعد هطول الأمطار في فصلي الشتاء والربيع . ويتنوع توزعها وكثافتها بتنوع تضاريس الصحراء الرملية التي تشكل الأغلبية أو الحصوية أو الجبلية أو السبخات .
وعرف ابن الإمارات العديد من هذه النباتات وموطنها وموسمها وفوائدها كغذاء للحيوانات، إضافة إلى فوائد بعضها في العلاجات الطبية قديماً، ومن أبرزها “ليعدة” والحرمل والحنظل .
كما أن بعضها تعد من الأغذية التي يستطاب تناولها، حالها حال الخضروات، مثل الحماض والدغابيس والفقع والزبيدي، التي يستبشر بها سكان المناطق البرية بعد سقوط الأمطار بأيام وأسابيع قليلة، إضافة إلى النباتات المعمرة التي تقاوم ظروف الجفاف وشدة الحرارة .
أشار علي بن رشيد، رئيس المجلس البلدي لمنطقة البطائح بالشارقة، إلى ميزة بذور النباتات البرية، بأنها تحافظ على نفسها وتكون صالحة للنمو حتى بعد خمس أو ست سنوات من عدم سقوط الأمطار، وأن موسم ظهور النباتات البرية بعد سقوط الأمطار يطلق عليه موسم “الحيا” أو “العشب”، أي أن الأرض تحيا وتزدان بالاخضرار، تبعاً لكثافة الأمطار، مؤكداً أن أصحاب البادية كانوا قديماً، يعتمدون اعتماداً كبيراً على الرعي، التي اعتمدت على كثافة الغطاء النباتي، حيث لم تكن هناك مزارع أعلاف مثل ما هو موجود حالياً، إضافة إلى أن هناك بعض النباتات التي يُستطاب الناس بتناولها، ويتم تناول الخضروات، مثل الحماض والخبيز والبقرو ولسان الكلب والأرطأ، إضافة إلى أن بعضها يستفاد من بذورها، مثل نبتة الحبي، التي كان يتم تحميصها وإعداد القهوة منها، لا سيما في حال عدم توفر البن في الزمن القديم .
وأوضح أن هناك نباتات تستخدم في العلاجات الطبية التقليدية، مثل “ليعدة” لأوجاع البطن والحرمل، وهي من النباتات التي تكثر في المناطق الجبلية والسهول الحصوية . وقال: إن أبناء البادية عرفوا أنواع النباتات في بيئتهم، وفوائدها، وما هو صالح منها ومفيد للإنسان، وما هو صالح لرعي الحيوان، مثل نبات الغريرا والقطب والسعدان والخضرم والفريفرو والينم ولمرار والحرشة واليحوان والجرنوة والحلم والكري والحبي، التي تنمو وتبقى مثمرة خلال الشتاء، وهناك أنواع أخرى تعمر ما يقارب الستة أشهر وأكثر، مثل النصي والثمام والسبط والرمث .
واختتم حديثه قائلاً: عندما تتغذى المواشي على النباتات البرية، فإن لبنها ولحمها يكون أطيب، لأنها ترعى من الطبيعة، حتى إن الإبل عندما تتغذى على النباتات البرية، فإنها تعطي لبناً مميزاً وله رائحة زكية، خاصة عند تناولها لنبات العرفج، حيث يفوح من لبنها رائحة قريبة إلى رائحة الزعفران، إلا أن تناولها لنبات “لمرار” يجعل لبنها مراً نوعا ما . وبدوره أشار الوالد مبارك بن دلموك، من سكان منطقة الذيد بالشارقة، إلى أن المناطق الجبلية كانت تنعم بالكثير من النباتات التي كانت مصدر غذاء بالنسبة إلى الإنسان والحيوان، ولكنها تأثرت بسنوات المحل (الجفاف) التي مرت عليها، ومن أهم النباتات التي حافظت على نفسها وما زال بعض الأهالي يستخدمونها، نبتة “الطرثوث” التي يتم طبخها مع الحليب والقليل من السكر، و”الدغابيس” التي تؤكل نيئة، إضافة إلى النباتات الأخرى التي ترعاها الحيوانات، وهناك نباتات تفوح من زهورها رائحة ذكية، مثل “خزيما الغزال” . وقال: يوجد في المناطق الرملية العديد من النباتات، مثل الغريرا والخضرم والينم، وغيرها من النباتات التي ترعى عليها الحيوانات، إضافة إلى بعض النباتات التي تظهر بعد سقوط الأمطار في الشتاء وسطوع أشعة الشمس، مثل العريون والفقع والزبيدي . وبالنسبة إلى النباتات التي اشتهرت كأدوية، أشار إلى نبتة “الخنصر” كعلاج لمرض السكر، و”ليعدة” والمفيدة للصحة بشكل عام، و”المهتدي” كفاتح للشهية، و”الشِجاع” لتبريد الصدر، وهذه النباتات في الغالب تنمو في المناطق الجبلية .
ومن جهته أوضح الوالد محمد خلفان المطيوعي، من سكان منطقة حتا، أنهم كانوا يستخدمون النبات لأكثر من غاية، ومنها “ليعدة” التي كانوا يتخذونها للعلاج لأكثر من مرض من خلال غليها وشرب مائها، و”السريو” لعلاج الكسور من خلال خلطها بالحليب أو الدهن ولفها على العظم المكسور لالتحامه .
وفي رأي د . جمعة فيروز، طبيب صحة عامة متقاعد في وزارة الصحة، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية المستهلك، أن النبات هو أصل الدواء، وإضافة إلى استخدامها في الأكل، فقد استفاد منها الأهالي في الطب سابقاً والآن . وقال: نرى الآن أن ألمانيا وإسبانيا وأمريكا يستخدم فيها النبات الطبيعي في العلاج بدلاً من العقاقير الطبية، واستخدم الأهالي في الإمارات هذه الأعشاب للغرض نفسه، ومنها ما كانت تردهم من دول أخرى، مثل إيران والهند وشرق إفريقيا .
ومن الأعشاب المحلية التي استفاد منها الأهالي في الإمارات في العلاج، أضاف: يوصف “الزعتر” و”الفوطن” من أجل الكحة والرشح وآلام المعدة، أما “ليعدة”، وهي نبته صحراوية تشبه التبن، فإنها تطبخ ويشرب ماؤها للشفاء من آلام المعدة، وما زالت موجودة في الأسواق، إضافة إلى “الحرمل” التي تعطي المفعول نفسه بالنسبة لآلام المعدة، أما “الحنظل” فإنه يستخدم لآلام المفاصل والإمساك، وأخيراً “الحلول” لمعالجة الإمساك، عبر تناول مقدار معين منها كل شهر .
أكد خليفه بن دلموك، من سكان منطقة الذيد، أن دولة الإمارات تزخر بالعديد من النباتات، وخاصة الموسمية، لا سيما في المناطق الجبلية والسهول الحصوية والمناطق الرملية القريبة منها . موضحاً أن الغطاء النباتي في الإمارات يستحق مزيداً من الدراسات، لما له من فوائد جمة، وخاصة دوره في مكافحة التصحر، من حيث تثبيت التربة، وتنوع الحياة البيولوجية . وقال: لم تحظ النباتات البرية بالدراسات المستفيضة، لا سيما من جانب دراسة فوائدها الغذائية للحيوان، ومدى إمكانية الإكثار من بعض أصناف هذه النباتات، من خلال المحميات الطبيعية .
وفي الختام دعا إلى تدوين وتوثيق هذا التراث البيئي، والاستفادة من خبرات جيل الآباء والأجداد، الذين لديهم دراية بأنواع هذه النباتات وفوائدها، وأماكن انتشارها .
أرسل تعليقك