القاهرة ـ العرب اليوم
ينفرد الصحافي الروسي أليكسندر إليستراتوف، بتجربتين صحافيتين خصبتين في القاهرة، في فترتين زمنيتين مختلفتين، كانت الأولى في نهاية التسعينات من القرن الماضي، عندما عمل مراسلا لوكالة أنباء «إيتار - تاس» على مدار أكثر من 5 سنوات، والتجربة الثانية عندما حضر مجددا إلى القاهرة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، وذلك للعمل مراسلا لوكالة أنباء «نوفوستي» الروسية في مصر.
إليستراتوف الذي يجيد العامية المصرية ويعتبرها تعبر عن نبض الشارع، التقته «الشرق الأوسط» في مقر جمعية المراسلين الأجانب بالقاهرة، وتحدثت معه عن التجربتين والاختلاف بينهما، وما تخللهما من تنقله بين دول المنطقة العراق وفلسطين والأردن وليبيا وتونس وسوريا، كما حدثته عن أبرز القصص الصحافية التي يعمل عليها في الوقت الحالي، كما تطرق أيضا إلى مواصفات المراسل الصحافي الجيد، وكيف له أن يتم عمله بنجاح. وفيما يلي أهم ما جاء في الحوار:
* هل يمكن أن تخبرنا قليلا عن نفسك؟
- أعمل حاليا مراسلا لوكالة «نوفوستي» الروسية للأنباء في القاهرة، عمري 51 عاما، حضرت إلى القاهرة للمرة الأولى في عام 1993، حيث عملت مراسلا لوكالة أنباء «إيتار - تاس» لتغطية الشأن المصري وكل الأخبار في دول المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ثم غادرت القاهرة بعد نحو 5 سنوات، وعملت في أوروبا، وتحديد إنجلترا مراسلا للوكالة نفسها، ثم عدت إلى موسكو، وقبل 4 سنوات، التحقت بوكالة «نوفوستي» للأنباء، التي رشحتني للعودة إلى القاهرة مجددا في أعقاب الثورة المصرية، الأمر الذي رحبت به للغاية، فمن الجيد جدا أن أعود لمصر وللمنطقة بعد أكثر من 10 سنوات، لكي أرى التغيرات التي حدثت، خاصة بعد ثورات الربيع العربي.
* كيف بدأت عملك الصحافي؟
- المفارقة التي أحب أن أشير إليها أن والدي كان يعمل صحافيا، ولم أكن أريد أن أمتهن عمله أو أشابهه، فلم يكن عندي أي نية للعمل في مجال الصحافة، ولكن بعد تخرجي في جامعة موسكو بعدما درست اللغات الشرقية والعلوم الاجتماعية، أتيحت لي فرصة للعمل في وكالة «إيتار - تاس»، وهنا كانت الخطوة الأولى لي في عالم الصحافة الذي استهواني.
* ما نمط القضايا التي تتركز عليها تغطيتك الصحافية؟
- يتوجب علي أن أقدم الصورة كاملة عن مصر للقراء الروس، فهناك 100 مليون قارئ للوكالة، لذا علي أن أقدم تفاصيل الأحداث السياسية وأوضاع الاقتصاد وملامح الحياة اليومية وغيرها، لكن بشكل عام تأتي السياسة في المقدمة، خاصة أخبار المناوشات بين السلطة والمعارضة، والاختلافات في المعارضة، والعلاقات بين الأحزاب الإسلامية والحزب الحاكم، إلى جانب السياسة الداخلية والخارجية لمصر تجاه الدول العربية والأوروبية.
* لكن ما القصص التي تجعلك راغبا في العمل عليها؟
- أفضل التجول دائما في المحافظات المصرية والمدن والقرى، شمالا وجنوبا، لكي أنقل تقارير من الحياة اليومية للمواطنين المصريين وانطباعات الشارع عن أحوالهم المعاشة وظروف هذه الأماكن، فأنا أفضّل دائما أن أقول للقراء في روسيا إن مصر بها أماكن كثيرة وليست قاصرة فقط على شرم الشيخ أو الغردقة. ففي رأيي، على المراسل أن لا يفوّت فرصة لكي يعرف أفكار الناس، والتقرب من الشارع والالتصاق به، فلا يمكن الجلوس في المكتب وأمام التلفزيون ونقل الانطباعات، لذا أنا أتجول كثيرا لهذا السبب، فتصريحات المسؤولين فيها دائما صفة الرسمية وحياتهم أيضا قد تكون معروفة، لكنني عندما أقترب من الناس، فأهم ما أستفيده أن أعرف روح المجتمع كله، ومدى رضاهم، كما أن ذلك يمكّنني من أن أنقل للمسؤول كلام الرجل البسيط وهمومه، وأحيانا أنقل أسئلة له من أسئلة الناس، وهذا أصعب ما قد يواجهه.
* ما أهمية أخبار دول الشرق الأوسط بالنسبة للقارئ الروسي؟
- أهمية كبيرة للغاية، فالقارئ يدرك أن مصر، على سبيل المثال، دولة مهمة جدا للسياسة في المنطقة، وأن لها دورا كبيرا في تسوية القضية الفلسطينية، التي بدورها تهم كثيرين، كما أن مصر أول مقصد للسائح الروسي، ولكم أن تعلموا أن هناك مليونين ونصف المليون زاروا مصر في العام السابق، فبالتالي كل ما يتعلق بالسياسة والأوضاع الداخلية والاقتصاد مهم للغاية، فمفاوضات مصر الحالية مع صندوق النقد الدولي تهم القارئ، لأنه يترتب عليها كثير من الأمور.
* هل عملت في دول أخرى بالشرق الأوسط؟
- القاهرة هي المقر الدائم لعملي، ولكنني زرت العراق وفلسطين والأردن وليبيا وتونس وسوريا.
* هل تعتقد أنه من المهم بالنسبة للمراسل أن يتخصص في تغطية منطقة ما أو موضوع معين؟
- أعتقد أن ذلك متعلق بظروف جهة العمل التي يعمل لديها، ومدى انتشار مراسليها جغرافيا، ولكن في العموم لا مانع من أن يقوم المراسل بتغطية أماكن مجاورة لمكان عمله الرئيس، إذا وقع حدث ما مهم فيها.
* ما أكثر القصص التي كتبتها من مصر وأحدثت ردود فعل في روسيا؟
- هناك قصص كثيرة، لكني أتذكر أنني في العام الماضي زرت «الدير المحرق» وهو دير أثري في محافظة أسيوط (صعيد مصر)، قابلت فيه الرهبان ونقلت طريقة معيشتهم، وكيف أن الدير هو أساس تعاليم اللاهوت، وتحدثوا معي عن التاريخ القبطي لمصر، وتاريخ المسيحية والرهبنة.. وكان من الغريب للقراء الروس أن توجد مثل هذه الأديرة المسيحية في مصر التي لم يسمعوا عنها من قبل.
* وماذا عن أفضل التغطيات الخبرية التي نشرتها من هنا وتفتخر بها؟
- كان ذلك في أيام الانتخابات الرئاسية في مصر، العام الماضي، فجميع المراسلين والصحافيين الأجانب كانوا يتهافتون على نقل أجواء الانتخابات أولا بأول، والحديث عن الأصوات وفرص فوز المرشحين، لكني حاولت النظر إلى جانب آخر، فكثير من النساء المصريات كن يقفن في الطوابير الطويلة أمام لجان التصويت ومعهن مظلات شخصية تحميهن من حرارة الشمس، وبأيديهن زجاجات الماء التي تروي عطشهن، هنا لفت نظري تلك الأدوات المساعدة وكيف أنها تشارك هي الأخرى في الانتخابات، لذا كان للقصة الإنسانية السبق في تغطيتي والابتعاد عن النمط التقليدي، فهذا هو الجانب الآخر الذي أفضله، وقد كتبت هذه القصة بعنوان «المصريون يفتحون المظلات ويذهبون للانتخابات».
* من خلال تنقلك بين المدن المصرية، هل توجد قصة طريفة حدثت لك؟
- نعم، كانت خلال زيارتي لواحة سيوة في الصحراء الغربية المصرية، عندما دعاني أحد البدو للذهاب معه إلى إحدى القرى لحضور حفل في قرية ريفية ومشاهدة ملامح الحياة بها، بالفعل ذهبت معه ولكننا ضللنا الطريق في الصحراء، كان معي في السيارة اثنان من البدو، ومع طول الوقت وعدم الاستدلال على القرية، كنت أسمعهما يتحدثان بأنني خائف، وهو الأمر الذي نفيته لهم، كوني أفهم حديثهما بالعربية، وفي اليوم التالي ذهبت معهما ووجدنا المكان، وكانت حفلة ممتازة ورحلة ممتعة لا أنساها.
* تتحدث العربية بطلاقة، كيف تمكنت من ذلك؟
- تعلمت اللغة العربية في جامعة موسكو وقت دراستي الجامعية، ثم درستها قليلا في جامعة القاهرة، ثم كان تعاملي مع المصريين على كل المستويات عاملا في زيادة إتقاني لها.
* ما أصعب موقف يواجهه المراسل الصحافي؟
- أعتقد المفاضلة بين العلاقة الشخصية والمهنية؛ فعلى مستوى تجربتي الشخصية عندما أتكلم مع مسؤول تكونت بيننا علاقة ود، فإنني أشعر أنه لا يريدني أن أساله سؤالا ما، وهذا أصعب موقف، فهو رجل أحترمه ولا أريد أن أخسره، ولكنني أيضا صحافي عليّ أن أسأل وآخذ الجواب منه، وبالتالي فهو موقف صعب، لذا يجب أن يسأل المراسل نفسه؛ هل سيقدم الجانب الصحافي أولا أم الجانب الشخصي؟ ولكني لا أنفي أنني أحيانا أختار الطريق الإنساني، فهناك دائما ازدواجية بين العلاقة الشخصية والمهنية.
* ما أهم الصفات التي يجب توافرها في المراسل الناجح؟
- التعمق في الموضوعات، وعدم تناولها سطحيا، فلو أن أحدا قال لي معلومة، علي أن لا أكتفي بالبيانات أو المعلومات المجردة، بل علي أن أجيب عن كل الأسئلة في الموضوع، وكذلك الأمانة والموضوعية في نقل وجهات النظر المختلفة، ووضعها أمام القارئ، وهو من يختار الحقيقة، ولو هناك صعوبة في ذلك، وهو ما يحدث أحيانا، على المراسل أن يعرض لبعض الخلفيات والظروف والموقف الحالي حتى تتكون الصورة كاملة.
* بحكم عملك؛ كيف ترى الأوضاع حاليا في مصر؟
- الوضع صعب، والاقتصاد الذي هو أساس السياسة سيئ، أهم شيء في رأيي تحتاجه مصر حاليا إعادة الاستقرار، والرئيس والإخوان المسلمون حتى الآن ليس أمامهم فرصة حقيقية للإصلاح؛ هناك مظاهرات يومية في كل مكان، لذا يجب إعطاؤهم الفرصة، لنرى ماذا سيفعلون.
* هذه فترة عملك الثانية في مصر، ما انطباعك عن المصريين الآن؟
- هناك تغيير في سلوكهم بعض الثورة؛ فقبل الثورة كانوا بسطاء في التعامل مع بعضهم بعضا، وفي الشارع أو في المؤسسات الرسمية، الآن هناك تغير في ذلك. بعض المصريين لا يقبلون الرأي الآخر، ويصفون أنفسهم بـ«الثوار»، ويتصرفون باسم الثورة، وبالتالي فأعمالهم وتصرفاتهم صحيحة من وجهة نظرهم. نعم، روح الثورة جيدة، لكني أسأل هؤلاء: لماذا أنت ثوري؟ وما علاقتك بالثورة؟ الإجابة: لا يوجد. وأقول لهم: الحرية تعني المسؤولية لأعلى درجة؛ تريد أن تكون حرا، هناك مسؤولية عليك، فالحرية دون مسؤولية تأتي بالبلطجية، وهناك من لا يعرفون الفرق بين الحرية المطلقة والحرية الحقيقية.
أرسل تعليقك