بدأت القوات الأمنية تنفيذ سريان قرارها الذي يقضي حظر ارتداء النساء للنقاب في الأماكن العامة في المناطق التي تم تحريرها في مدينة الموصل، فيما حاولت جهات عشائرية ودينية التدخل لمنع القرار٬ لأنه يمس المجتمع الموصلي٬ لكن القيادة أبلغتهم أن القرار صادر عن الجهات العليا ولا يمكن التسامح فيه".
ويعتبر هذا القرار الأول من نوعه في العراق٬ وتم تطبيقه بحجة السعي لضمان الأمن ومواجهة الهجمات الانتحارية. وأوضحت الشرطة في محافظة نينوى أنه بفضل هذا الحظر لن يتمكن انتحاريو داعش المتنكرون في زي منقبات من الوصول إلى الأماكن العامة للمدينة.
وفي هذا الشأن، قال ضابط في شرطة الموصل إن "القوات الأمنية بدأت فعلًا بتطبيق القرار٬ ومنعت خروج النساء المنقبات من منازلهن". ولفت إلى أن "جهات عشائرية ودينية حاولت التدخل لمنع القرار٬ لأنه يمس المجتمع الموصلي٬ لكن القيادة أبلغتهم أن القرار صادر عن الجهات العليا ولا يمكن التسامح فيه". هذا وأصدر قائد شرطة نينوى العميد الركن واثق الحمداني، توجيهات لأهالي مدينة الموصل، بمنع ارتداء النساء للنقاب لدواع أمنية.
وأوضح الحمداني في توجيهاته "أنه يمنع ارتداء النقاب في الأسواق والدوائر، لوجود مؤشرات لخلايا داعش باستهداف المدنيين وهم يرتدون النقاب وزي النساء. وحذر قائد شرطة نينوى من إنارة المنازل من الخارج والأزقة والأفرع، وأمر بمنع التجول للدراجات النارية بعد الساعة 6 مساء مع الأمر بمحاسبة المخالف.
وطالب الحمداني مواطني مدينة الموصل بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، من خلال الاتصال بالأرقام المخصصة، وأمر أصحاب محلات الجوالات وتوابعها بعدم بيع شريحة الهواتف النقالة إلا بعد أخذ المعلومات الضرورية عن المشتري، وتنظيم سجلات بيع الشريحة، وبخلاف ذلك يحاسب المقصر ويحال إلى المحاكم.
وكانت القوات العراقية شنت هجومًا واسعًا على آخر معاقل داعش غربي الموصل، فيما حذرت الأمم المتحدة من أن نحو 200 ألف عراقي قد يحاولون النزوح في الأيام المقبلة من المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة داعش في الموصل.
سمية الطائي واحدة من آلاف الموصليات الحائرات، بشأن قرار الخروج من منازلهن لقضاء حوائجهن اليومية، بعد حظّر السلطات الأمنية ارتداء النقاب في مدينة الموصل شمالي العراق، إثر تكرار ضبط عناصر من تنظيم "داعش"، متنكرين بأزياء نسائية. واعتادت سمية، وهي طالبة جامعية (23 عاماً) ارتداء النقاب، حتى قبل سيطرة تنظيم "الدولة" على المدينة في صيف عام 2014، وفرضه على الفتيات ابتداء من عمر 12 عاماً، ولكنها باتت تخشى التعرّض للتوقيف من قبل القوات العراقية إذا ما خرجت به.
وقالت إنها ترتدي النقاب منذ أن كانت في مرحلة الدراسة المتوسطة (التعليم الإعدادي)، عندما كان عمرها لا يتجاوز 13 عاماً، وهي ترتديه الآن باعتباره التزامًا دينيًا. بنبرة صوت مشحونة بحسرة، عبرت عنها دموعها على ما آل إليه حال المدينة والمرأة بشكل خاص، وأضافت: "النقاب والتزام الإنسان بالتعاليم الدينية لا يمثل تنظيم الدولة".
وأوضحت أن "المنقبات، لسن ضد الحفاظ على الأمن في الموصل، بل مع أي قرار يضمن الحفاظ على الأرواح والممتلكات، بشرط أن لا يُسيء لأية جهة، أو يعرضها إلى حرج اجتماعي". والمجتمع الموصلي معروف بالتزامه بالعادات والتقاليد الدينية والاجتماعية التي نشأ، وتربى عليها أفراده رغم التحديات التي يواجهونها على مر الأزمنة، ومن بينها تمسك الرجال المعروف باسم "الدشداشة العربية"، وهي عبارة عن قماش غالبًا أبيض اللون مكون من قطعة واحدة كاملة تغطي جميع الجسم والذراعين. أما الزي المتوارث لدى النساء، فهو (الجلباب الفضفاض، والخمار والنقاب) الذي يغطي الرأس والوجه، ولا يظهر سوى العينين أو حتى لا يظهرهما.
على مدى السنوات، طرأت تغييرات على تلك العادات والتقاليد لكنها لا تزال متواجدة بكثرة، ويمكن مشاهدتها في أي مكان بالشطر الشرقي لمدينة الموصل، الذي استعادته القوات العراقية في يناير/كانون الثاني الماضي.
والسبت الماضي، أصدر قائد شرطة نينوى العميد الركن واثق الحمداني قرارات جديدة من بينها "حظّر ارتداء النقاب" في المدينة لدواع أمنية متمثلة بوجود مؤشرات على أن خلايا لتنظيم "الدولة" قد تشن هجمات عبر التنكر بزي النساء، وارتداء النقاب. وبينما لم يوضح قائد الشرطة عقوبة المخالفين، فقد طالب السكان بالتعاون مع الأجهزة الأمنية.
ولهذا القرار مؤيدون في الأوساط الدينية، أحدهم الشيخ محمد الشماع إمام وخطيب جامع "النبي يونس" إذ قال إن "النقاب عندما يكون سبيلًا لتخفي المجرمين وطريقًا لسفك دماء الناس، فدمهم وحياتهم مقدم على الوجه، وتنظّيم داعش يتحمل وزر كشف الوجه باتخاذه الأحكام الشرعية وسيلة لجرائمه". ولفت إلى "ضرورة أن يُطبق القرار لفترة محدودة، ومن ثم يرفع للحفاظ على حرية المرأة، وعدم مخالفة الدين والشريعة الإسلامية". لكن الداعية الإسلامي، عبد الخليل النجار، إمام وخطيب جامع "بهاء الدين" بدا منزعجًا من القرار.
وطالب من اتخذه بـ"الإسراع بإلغائه أو تعديله بما يتناسب مع طبيعة هذه المدينة وعراقتها، والتكوينة الاجتماعية والدينية لسكانها". وحذر من أن مثل هذا النوع من القرارات من شأنه أن "يزيد التوتر، ويجعل الوضع الأمني على صفيح ساخن أو أشبه بقنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة". وأشار إلى أن "النقاب ليس داعشيًا، بل استغله المسلحون لتنفيذ أجنداتهم، التي جاءوا بها عند دخولهم الموصل، كما استغلوا القرآن والسنة في تنفيذ جميع جرائمهم". واعتبر النجار أن "الانتقاص من النقاب دليل ضعف في فهم الأدلة، وإن كان من باب درء المفسدة على جلب المصلحة، فلا يجب إجبار أي انسان (رجل أو امرأة) على فعل شيء بالإكراه بحجة الحفاظ على مجتمعه".
وتابع أن "القرار في النهاية دليل قاطع على ضعف الجانب الاستخباراتي للقوات الأمنية المتواجدة في المناطق المحررة في الموصل، واعتمادها على طرق بدائية جدًا، وغير متحضرة لمنع خروقات قد تحدث في المستقبل". واعتبرت الناشطة المدنية الموصلية مريم سعيد الخزرجي رئيسة "فريق الخير" الإنساني التطوعي (منظّمة مستقلة)، أن حظر النقاب فيه "اعتداء على حقوق الإنسان، وتطاول سافر على حرية المرأة بالذات". وقالت: "يجب احترام خصوصية كل فرد، وتوجهه لأن العدالة لا تتحقق إلا بالمساواة، والمساواة هي مفتاح الأمن والأمان والتقدم".
لكن النقيب مزهر المشهداني، مسؤول الدوريات الأمنية المتنقلة التابعة لشرطة نينوى (شمال)، في منطقة الزهور التجارية شرقي الموصل، قال إن "القيادة عندما اتخذت هذا القرار، ليس هدفها الإساءة إلى المجتمع الموصلي، وتقاليده، وإنما للحفاظ قدر المستطاع على أمن هذا المجتمع". وحذر من أن "تحرير المنطقة، لا يعني القضاء على داعش بشكل نهائي، فالكثير من عناصره لا يزالون طلقاء، وهم قادرون على تنفيذ عمليات إرهابية بعد أن يتخفوا بأزياء النساء". وأوضح أن "وجود مئات النسوة اللواتي يرتدين النقاب، ويتجولن في الأسواق التجارية والمناطق الشعبية يُتيح لعناصر التنظّيم التنقل والتجول بحرية تامة دون القلق أو الخوف من التعرّض لهم من قبل رجال الأمن المنتشرين في كل مكان".
وأشار المشهداني إلى أن "المعلومات التي وردت إلى غرفة الاستخبارات الخاصة (التابعة لوزارة الداخلية)، أفادت بأن الخلايا النائمة لتنظيم داعش من الرجال كانوا يخططون لاستغلال ارتداء النساء للنقاب، وتنفيذ هجمات مسلحة ضد الأهداف الحيوية؛ لا سيما خلال شهر رمضان المبارك". ونوّه إلى أن "القرار هو للمصلحة العامة، وأن القيادة سوف تصدر قرارًا آخر يقضي بتجميد قرارها السابق، حال التأكد من أن خطر التنظيم الإرهابي قد زال". وشدد المسؤول الأمني على أن "حرية المواطن من أساسيات عمل الأجهزة الأمنية".
أرسل تعليقك