كان هذا الخطاب أكبر خطاب في حياة ميلانيا ترامب وأراد زوجها المرشح الجمهوري للئاسة الأميركية دونالد ترامب أن يكون مثاليا، ومن أجل ذلك عينت حملة ترامب أثنين من أرفع كاتبي الخطابات في البلاد ساعداها في كتابة خطاب جورج دبليو بوش للأمة في يوم 11 أيلول/سبتمبر عام 2001، كي تعرضه عارضة الازياء السابقة للأمة في ليلة افتتاح المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري.
ولم تسِر الامور كما خطط له، وقد حجب الخطاب الكثير من اعمال الحزب المجتمع في كليفلاند حيث تم ترشيح ترامب رسميا لرئاسة البلاد، فيما ارسل كاتبا الخطابات ماثيو سكولي وجون ماكونيل للسيدة ترامب النسخة الاولية من خطابها الشهر الماضي وكانا حريصين على موافقتها عليه، ولكنهما لم يسمعا أي شيء عنه منها بعد ذلك.
واتضح فيما بعد أن السيدة ترامب لم تكن مرتاحة للنص ومزقته اربًا وتركت جزءًا صغيرًا من النص الأصلي له.
ولكنَّ خطتها في أن تحضِّر خطابها بنفسها سببت أكثر اللحظات المحرجة للحملة. فقد كررت نفس العبارات التي استخدمتها ميشيل أوباما في خطابها أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي قبل ثماني سنوات.
ولاقى هذا التكرار الكثير من السخرية بين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء بدون أي هوادة، وقد اتفق الجميع انه على كل المقاييس كان هذا خطأ كبيرا ارتكبته السيدة ترامب أمام 23 مليون مشاهد على التلفزيون والذي كشف نقاط الضعف في التنظيم.
وصرح كاتب خطابات البيت الابيض في عهد جورج بوش مات لاتمير " كان ينبغي الا يحدث هذا الأمر، كان يجب أن يكون الخطاب سهلا وناجحًا وجذابًا لمهاجرة تتحدث عن زوجها."
ولا يبدو ان أحدًا كان مندهشا أكثر من السيد والسيدة ترامب اللذين وصلا الى نيويورك صباح يوم الثلاثاء بعد رحلة من كليفلاند ليجدا نفسيهما وسط ضجة اعلامية غريبة حول االقضية والسؤال المعقد " لماذا اقتبست زوجة المرشح الجمهوري مقاطع من زوجة الرئيس الديمقراطي الحالي؟"
وأمضت السيدة ترامب معظم يوم الثلاثاء بعيدة عن الانظار، ويبدو أن زوجها كان لديه شعوره بالغضب والاحباط على مدار اليوم، وجاءت قضية تحوّل الخطابات المكتوبة على يد متخصصين الى اشكالية ليلة الاثنين على التلفزيون بعد مقابلات مع عشرة أشخاص شاركوا في حملة ترامب أو كانوا قريبين منها، وتحدث العديد منهم عن القضية شرط عدم الكشف عن هويتهم كاشفين عن تفاصيل من المفترض أن تكون سرية.
ويعزز هذا الخطأ المشاكل المعروفة سابقا في حملة ترامب والتي تتمثل في بدائية هيكل الحملة والتسرع والاعتماد على الغرائز في اصدار الأحكام السياسية بدلا من الاستعانة بذوي الخبرة مثل سكالي وماكونيل.
ولم يكن الاثنان يعرفان شيئا عن التغيير الكبير الذي حصل في الخطاب حتى شاهدا السيدة ترامب تلقيه على شاشة التلفزيون ليلة الاثنين، والذي شابه في كلماته الكثير من كلمات أوباما في عام 2008 مثل " الكلام هو السند الخاص " و" قوة الاحلام تكمن في الاستعداد للعمل" و "النزاهة والعاطفة والذكاء"، والأخطر من هذا أن تسلسل الكلام جاء كما في الخطاب الأصلي لأوباما.
وأوضحت السيدة ترامب تماما مثل السيدة أوباما انها ارادت أن تمرر تلك الدروس الى أطفالها وأطفال العالم، وتماما مثل السيدة أوباما قالت ان "تحقيق الأحلام يتطلب العمل والقوة"، وتنوعت تفسيرات مساعدي ترامب وحلفائه بين من يعتبر التعليق على التشابه الهاء تافه، وبين من أنكر صراحة أن خطاب السيدة ترامب سرق من خطاب السيدة أوباما وألقى باللوم على وسائل الاعلام.
وأعلن حاكم ولاية "نيو جيرسي" كريس كريستي ، أن 93% من الخطاب كانت مختلفة." وقال رئيس حملة ترامب بول مانفورت " ما رأيكم أن تحسبوا علامات الترقيم وحروف العطف أيضا."
وأعرب نشطاء سياسيون جمهوريون في جميع أنحاء البلاد عن استيائهم من التنظيم الذي سمح لهذه الهفوة أن تحدث، وأوضح كاتب الخطابات لميت رومني وزوجته طوال فترة الحملة الانتخابية عام 2012 ستيورات ستيفنز بأن "الحدث كان مثل الشخص الذي حاول أن يستخدم مجدافيه للعبور حول النهر فوجد نفسه يحفر في قاربه حفرة بسبب سوء استخدامه للمجدافين."
وأوضح كاتبو الخطابات انهم يراجعون الخطابات كلمة بكلمة حتى لا تتشابه مع كلمات لسياسيين أخرين، وأضاف ستيورات " هذا شيء نفعله دائما حتى لا نقع في الخطأ."وأضاف السيد لاتيمر " أول قاعدة أساسية في أي عملية لكتابة الخطابات تقضي الا تكون مسروقة، والا سيكون صاحبها قد فقد وظيفته."
ويعرف عن حلمة ترامب والمرشح نفسه انه لا يعترف بأخطائه أو يتراجع عنها بسهولة، وكان زوج ابنته جاريد كوشنر وكبير مستشاريه كلف السيد سكالي وماكونيل بكتابة الخطاب وأشاد بمسودته، ولكن السيدة ترامب قررت تنقيحها، وعند نقطة ما حولته الى يد أخرى موثوق بها وهي راقصة الباليه السابقة ميريديث ماكيفر المتخصصة باللغة الأنكليزية والتي عملت على بعض كتب السيد ترامب بما في ذلك كتاب " فكر مثل مليونير" ولم يتضح اذا كانت السيدة ماكيفر صاحبة المنتج النهائي للخطاب ولم ترد على أي رسائل بريد الكتروني.
وأصدرت الاخيرة بيانا يوم الاربعاء تتحمل فيه المسؤولية عن الخطأ، وأوضحت انها قدمت استقالتها ولكن السيد ترامب وعائلته رفضاها، ورفضت ايضا الحملة ان تعلق على عدد أو الأشخاص الذين راجعوا الخطاب قبل أن تلقيه السيدة ترامب، ولكن يبدو ان كل من راجع الخطاب لم ينتبه الى التشابه الكبير بينه وبين خطاب أوباما.
وانطلق الجدل الكبير حوله من الطبقة السياسية الى الاميركان العاديين فالكثير منهم من أصل أفريقي عبروا عن غضبهم من أن السيدة ترامب اختارت أن تسرق كلمات أول سيدة أولى من أصل أفريقي في البلاد، ولا سيما في ضوء العداء بين دونالد ترامب والرئيس أوباما، ونشر مستخدمي "تويتر" العديد من العبارات التي تنتقدها وكتبوا عددا من الكلمات المشهورة للسيدة ترامب دليل السخرية مثل " لدي حلم" التي قالها الدكتور مارتن لوثر كينغ.
وكتبت مستخدمة تقول " انا غير متفاجئة من أن تسرق ميلانيا ترامب من ميشيل، فالنساء البيض أمضين عقود في سرقة النساء السوداوات فسرقن عبقريتهن وعملهن وأطفالهن وأجسامهن."
ويبدو أن العديد من الجمهوريين محبطين من تصرفات مرشحهم الرئاسي وخصوصا من عناوين حملته " أميركا أولا" و" لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" والتي تشبه حملات بات بوكانان ودونالد ريغان والذي حشد عليها وسائل الاعلام الاجتماعية، وخصوصا على "تويتر" والكثير من الهفوات الاخرى، ففي الصيف الماضي نشر ترامب لنفسه صورة على "تويتر" مركبة على صورة للبيت الابيض والذي اتضح انها كانت صورة لقوات "وافين أس أس" في الحرب العالمية الثانية.
وكان أثر الخطاب أكبر نظرا لانه كان ينقل مباشرة على التلفزيون، وكان كاتب خطابات الرئيس أوباما السابق جون فافرو في منزله يجلس على أريكته يتابع خطاب السيدة ترامب على شاشة التلفزيون، ويوضح " يقول الجميع لي انني أعمل بجهد، ومعروف عن الخطب السياسية انها مليئة بالكليشيهات التي لا يمكن تجنبها، ولكن عندما وصلت السيدة ترامب الى فقرة " كلامك سندك الخاص" توقفت وعرفت أنني سمعته في مكان ما وتذكرت أن ميشيل قالت نفس الكلام، وتذكرت أنني فكرت أني لم أسمع أحدا في السياسة يقول هذه الكلمات، وعندها أدركت ان الخطاب ربما جرى نسخه."
أرسل تعليقك