قصة قصيرة صلاة مع الجماعة
آخر تحديث GMT15:23:17
 عمان اليوم -

قصة قصيرة/ صلاة مع الجماعة

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - قصة قصيرة/ صلاة مع الجماعة

عبد المجيد طعام
بقلم عبد المجيد طعام

أصبح لا يستجيب إلا لمن يناديه "نانسي" ،كان يحس بشيء ما يسكن دواخله،يدفعه بقوة نحو الأنوثة .لم يهتم والداه بالطفل الأنثى،أرجآ إحساساته و تحولاته الأنثوية إلى أجل غير مسمى ، لكن الشعور بالحرج بدأ يتعاظم عندما أدرك أفراد الأسرة أنه تخلى عن اسمه " أنور " و تشبث ب " نانسي".

قضى نانسي طفولة صعبة..تداول على اغتصابه إخوته و أبناء أعمامه و عماته و أبناء أخواله و خالاته..كلهم وجدوا في جسده الغض المؤنث الفرصة لممارسة أقسى ما يمكن أن ينتجه الخيال الشبقي..كان ينفرد به أولاد الحارة كذلك يمارسون عليه عنفهم الجنسي ..لم يكن يفهم ما يقع له كان يظن أنه مخلوق من أجل خدمة غرائز الآخرين أو هو هبة الله لعباده من أجل الإشباع الجنسي ...لم يمد أحد يد العون لنانسي ..اشترك الجميع في أن يحولوا جسده الأنثوي إلى وعاء يتدفق فيه شلال رغباتهم الشقية.

 صيغ " نانسي" كما أراد الآخرون أن يكون ... كل واحد كان يرى فيه مثال الزوجة غير الممكنة الوجود ، الزوجة المستعدة كي تسافر معك بعيدا في اقتناص اللذة .كلما اشتد عوده وفاضت فيه الأنوثة أزداد الطلب عليه إلى أن تحول إلى علامة تجارية نادرة تحتاج إلى حماية مقربة لهذا نصب مفتول العضلات نفسه وصيا عليه...تغيرت حياته نحو الأصعب ،أصبح يباع كل ليلة للذي يدفع أكثر .لازال "نانسي" يتذكر تلك الليلة التي أجلسه مفتول العضلات وسط حشد من الذكور ، ألبسه زيا نسائيا و أجبره على وضع الزينة على وجهه،و قدمه إلى الحشد الذكوري كعروس عذراء ،ارتفع صوت مفتول العضلات إيذانا بافتتاح موسم الزواج :" أمامكم أيها الحضور أجمل مخلوق وهبه الله لنا ...من يريد أن  يتزوجه لليلة واحدة ،زواجا شرعيا ..يكون له حق التمتع به ... لليلة واحدة فقط ... عندما يصيح الديك في الصباح لا بد من إعلان الطلاق .. نانسي المخلوق الفاتن  يكون من حق من يدفع أغلى مهر... أعلن الآن عن افتتاح المزاد العلني..."

ليال طوال قضاها نانسي في حضن أزواج ، لا زال يلتقي بهم بعد مرور ما يناهز أربعين سنة ،لازال يذكر أسماءهم و أعمارهم لا زال يحمل في ذاكرته الجريحة صور ساديتهم القاتلة.أولائك الذين تزوجوه لليلة واحدة كبروا و تغيروا،منهم من تزوج و أنجب أطفالا و منهم من هاجر إلى الخارج و منهم من حصل على وظيفة عمومية و منهم من اشتغل في الأمن و منهم من اشتغل بمساجد المدينة يؤم الناس و يكلمهم عن الفضيلة... أحس نانسي أن الحياة تغيرت في الحي ..طبعا لم يعد يباع في سوق النخاسة ربما لأن العمر تقدم به فاختفت نضارة الجسد التي كانت تثير الغريزة أو ربما لأن شباب الحي تغيروا فعلا حيث أصبحوا أكثر إيمانا و أكثر انشغالا بأمور الدين..لكنهم لم يعودوا يطيقون النظر في وجه نانسي لا يبادلونه التحية، عيونهم تتقاطر شرا كلما صادفوه في طريقهم، كل واحد منهم أصبح يتحين فرصة الظفر بحسنات النهي عن المنكر .

"نانسي " هو الآخر و في غفلة من الآخرين تغير كثيرا ، أطلق لحيته و ألزم بيته يؤدي صلاته في خشوع، أحيانا كانت تنتصر الأنثى الموجودة في دواخله و تدفعه لارتداء النقاب الشرعي قبل كل صلاة ..رغم صدق إيمانه لم يكن يشعر بالسكينة الروحية ، كانت تنقصه صلاة مع الجماعة لكنه ظل يسائل نفسه:" مع من سأصلي صلاة الجماعة ...أمع النساء أصليها ..أم مع الرجال..."  عاش حيرة وجودية قاسية بين الأنثى التي حرص الجميع على أن تبقى حية تتحرك أمامهم و بين الرجل الذي حرصوا على ألا يظهر بل أرادوه متواريا مختفيا في أعماق ذاته،حيرة شاقة بين ماضيه القاسي بجرح لا يندمل و حاضره الإيماني ، كان في رحلته الوجودية المتعبة يشعر ببريق سعادة لأنه آمن بأنه أصبح أمام الله مثل كل أولائك الذين تزوجوه زواجا شرعيا لليلة واحدة، أولائك الذين كان يسمع منهم في الصباح :" نانسي أنت طالق.. طالق.. طالق.." الآن أعلنوا تقواهم و إيمانهم و رسموا على محياهم نعمة السكينة فالتزموا بالمساجد يؤدون الصلاة في أوقاتها ، هو أيضا عاش الرذيلة مرغما و تاب لله عليه توبة نصوح ، يجتهد في الفروض و النوافل  له خلوات إيمانية كثيرة يصوم كل يوم اثنين و خميس...يتصدق و يسارع لفعل الخير..

قبل آذان ظهر يوم الجمعة اغتسل ، لبس أجمل عباءة يملكها تطيب بالمسك ، شذب لحيته ، حمل بين أصابعه مسواكا ، نظر في المرآة و أحس بالرضا و الطمأنينة حيث رأى صورة المؤمن المخلص .. في طريقه إلى المسجد كانت حركاته و مشيته المؤنثة تثير الانتباه وكانت تصل إلى أذنيه تعويذات و حوقلات المارة ، لم يعبأ بما كان يسمع و إنما قرّ قراره أن يحصل على الأجر كاملا في هذا اليوم الفضيل ، خير أيام الله ، يسمع فيه خطبتي الجمعة و يصلي مع الجماعة.

نزع بلغته و بحركة أنثوية وضعها تحت إبطه و دخل برجله اليمنى محاولا أن يجد طريقا إلى مكان فارغ لمحه في الصفوف الأولى، جلس بين رجلين نظرا إليه نظرات فيها الكثير من الريبة و علامات التعجب والغضب و صاح أحدهما في المصلين :"الله أكبر..الله أكبر.. إذا رأى أحدكم منكرا فليغيره......يا عباد الله شاذ جنسيا دنس مسجدنا ...هبوا للدفاع عن حرمة بيت الله.."
ضج المسجد بالتكبير و التهليل و دعوات قتل هذا الشاذ..وجد نانسي نفسه محاصرا من كل الجوانب ، اسلم جسده لضربات انهالت عليه من كل جانب فسقط مغشيا عليه و تقدم نحوه عشرة من شداد الرجال و أقواهم و قبل أن يجهزوا عليه أفتى فيهم أحدهم فتوى قرشية جاهلية حيث قال لهم:" علينا أن نضربه ضربة رجل واحد ليتفرق دمه بين الجميع ..فيفشل القانون في معرفة القاتل .." برق القتل في عيونهم و تحت أصوات التكبير أجهزوا على نانسي ،هشموا رأسه بضربات قاسية ..مات "أنور" المؤمن الصادق..رافعا شاهده نحو السماء..تاركا لهم جسدا أرادوه بصيغة المؤنث

 

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة قصيرة صلاة مع الجماعة قصة قصيرة صلاة مع الجماعة



GMT 12:49 2023 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

القلب الممتلىء بالوجع

GMT 11:11 2023 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لم يعد مهمّاً بعد اليوم أن يحبّنا أحد

GMT 11:49 2023 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

فلسطين والقدس الأبية

GMT 13:45 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لماذا أكتب لك؟؟ وأنت بعيد!!

GMT 13:43 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أنا النزيل الأعمى على حروف الهجاء ( في رثاء أمي الراحلة)

GMT 11:34 2023 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

السقيفة الملعونة

GMT 10:08 2023 السبت ,26 آب / أغسطس

أنت الوحيد

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 18:42 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
 عمان اليوم - أفكار لملابس تناسب شتاء 2025

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 عمان اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 13:39 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 عمان اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab