عناصر من الجيش اللبناني في مدينة طرابلس
بيروت ـ جورج شاهين
أعلن الجيش اللبناني حالة الاستنفار في مدينة طرابلس، تحسّباً لأي ردود فعل مسلحة أو مواجهات "سنية ـ شيعية"، على خلفية مقتل نحو 20 من شباب المدينة أثناء توجههم إلى سورية لمساندة الثوار، وفيما كشفت مصادر أمنية أنهم سلفيون متشددون، واعتبر الشيخ بلال دقماق أن ما وصفها بـ "المجزرة" لن تمرّ مرور الكرام، قائلاً" إن
هؤلاء الشباب توجّهوا إلى سورية للقيام بواجبهم الشرعي والوطني والأخلاقي في الدفاع عن حرية الشعب السوري".
وكشفت مصادر أمنية مطلعة أنّ نحو 20 لبنانياً من مجموعة تصف نفسها بأنها "سلفية وإسلامية متشددة"، من منطقة فنيدق في عكار ومنطقتي التبانة والمنكوبين في طرابلس، قُتِلوا في كمين مسلح نصَبَته القوات السورية النظامية قرب أحد المعابر غير الشرعية على الحدود اللبنانية ـ السورية الشمالية، المؤدية إلى منطقة تل كلخ السورية في شمال البلاد.
وقالت المصادر:" إنّ القتلى هم: محمد المير، وعبد الرحمن الأيوبي، وحسين وحسان سرور، واثنان آخران من آل نبهان، أحدهما يدعى محمد، واثنان من آل الحاج ديب، أحدهما يدعى علي زياد الحاج ديب، وهم جميعا من بلدة فنيدق العكارية، أما القتلى الباقون فهم من أبناء التبانة والمنكوبين في طرابلس وعرف منهم: مالك زياد الحجلي، وسمير مهنا، ويوسف نديم أبو عريضة، ومحمد احمد الرفاعي، وعبد الحميد على الآغا، وعبد الحكيم إبراهيم، وبلال خضر الغول وخضر مصطفى علم الدين".
وأضافت المصادر، أن "الضحايا تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً"، لافتة إلى أنهم أقاموا لفترة في منطقة عكار، يُرجح أن تكون للتدريب في معسكر للسلفيين"، وفيما تقاطعت المعلومات على أنّ "المسلحين كانوا ينوون القتال إلى جانب الثورة السورية"، عكست الأنباء التي وردت عن الكمين أجواءً من التوتر في مناطق فنيدق وباب التبانة والمنكوبين، مسقط رأس ومقر سكن القتلى، فنفّذ الجيش اللبناني انتشاراً واسعاً في شوارع المدينة، ولوحظ انتشار مسلحين على مداخل المباني في المنطقة. ومساء سمعت أصوات رشقات نارية، ودوّى انفجار قذيفة صاروخية في محور باب التبانة ـ بعل محسن لجهة المنكوبين.
وقال أحد أقرباء الشبان الذين قتلوا من آل سرور:"إننا نعتبر الشبان شهداء في سبيل الله، ولن يكون هناك أي ردّ فعل غاضب، لا بل فالأهالي حريصون على تبريد الجو"، مشيرًا إلى أن "حسان سرور أحد الشبان الذين دخلوا سورية اتصل به وطمأنه إلى أنه بخير وعائد إلى لبنان"، فيما ذكرت مصادر من الأهالي أن "الشبان دخلوا بسلاحهم إلى الأراضي السورية، وقد اشتبكوا مع الجيش السوري النظامي على بعد نحو 3 كيلومترات من الحدود اللبنانيةـ السورية بعدما وصلت إخبارية إلى الجيش السوري كشفت عملهم، فنصبوا لهم الكمين".
وفي هذا السياق، أوضح عضو كتلة "المستقبل" اللبنانية النائب خالد الضاهر أنّ "تسلّل هؤلاء الشبان إلى داخل الأراضي السورية كان لمناصرة الشعب السوري الذي يقتل على يد نظام جلاّد يهدم المساجد والكنائس ويقتل الأطفال والنساء حتى أصبحنا نحصي عدد المجازر وليس عدد القتلى".
ورأى الضاهر في اتصال مع صحيفة "الجمهورية"، أن "المشاركة الفاضحة" لـ"حزب الله" في القتال إلى جانب النظام السوري، وهذا أمر أعلنه السيد حسن نصر الله أكثر من مرّة، ترك نوعاً من الحساسية لدى بعض المتحمّسين الذين اندفع بعضهم إلى دخول الأراضي السورية قبل أن يقعوا في كمين نصبه النظام السوري".
وأضاف الضاهر: "كنا نتمنى عدم مشاركة أحد من لبنان في المأزق السوري بشكل مباشر، إلا من خلال الدعم المعنوي والسياسي. فـ"الجيش السوري الحر" والشعب السوري لا يحتاجان إلى عناصر تقاتل إلى جانبهم، بل هم يحتاجون إلى دعم عسكري، وهذا مطلوب من الدول الكبرى والعربية"، داعياً الشبان في طرابلس إلى "عدم الذهاب إلى سوريا بهدف القتال، مع إدراكنا بأنّ من ذهب وقُتل هناك عمله نبيل".
وإذ أكد أنه "لا تواصل مع أهالي القتلى إنما مع القاعدة الشعبية، لأنّ ما حدث انعكس حذراً وتوتراً في المدينة إضافة إلى بعض الاستنفارات"، شدّد على أنّ "هؤلاء المتحمسين لطالما شعروا بالقهر وتكبّر حزب الله، ولذلك قرّروا الاعتراض على طريقتهم كون الحزب هو أول المشاركين اللبنانيين في هذه الحرب"، لافتاً إلى أنّ "حزب الله"، يريد أن يغتال، وأن يعتدي على الدولة ومؤسساتها كما قال رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، من دون أيّ محاسبة".
ووصف الضاهر، ما يُحكى عن تسجيلات للنائب عقاب صقر بأنه "كذب وافتراء لأنّ أحدًا لا يُصدّق أنّ صقر يمكن أن يموّل ويسلّح ثوار سورية أو غيرهم"، وفيما دعا إلى "إخضاع التسجيل الذي إلى تدقيق وتبيان"، لفت إلى أنّ "حزب الله" يتبنى قتاله في العلن داخل سورية.
من جهته، كشف عضو هيئة العلماء المسلمين الشيخ نبيل رحيم، أنّ "17 شاباً، غالبيّتهم من طرابلس، قُتلوا على الحدود أثناء محاولتهم التسلل أمس إلى الأراضي السورية، وذلك في كمينٍ مسلّح نُصب لهم في قرية تل سيرين السورية المجاوِرة لبلدة تل كلخ، في حين فرّ 3 آخرون، وهم لا يزالون داخل الأراضي السورية في حماية الثوار، ولا توجد معلومات إضافية عنهم حتى هذه اللحظة"، فيما أضاف رحيم:" كردّة فعل على ما حصل، توتّرت الأجواء في التبّانة والقبة والبداوي، بعدما نزل الأهالي إلى الشوارع إثر ورود المعلومات عن عدد الضحايا، وحصل تبادل إطلاق نار بسيط بين التبانة والجبل، كما سقطت قذيفة إينيرغا في الجبل، إلا أنّ الوضع هدأ الآن وقد تم احتواء التوتر على ما يبدو".
واستبعد رحيم، حصول تطوّر يُذكر في هذا الإطار، لافتا إلى أنّ "عدداً من الشخصيات والمشايخ نزلوا إلى التبانة للتهدئة وضبط الأوضاع، ونأمل أن تنتهي المسألة الليلة وأن لا تتطوّر إلى اندلاع اشتباكات".
بدوره، نفى عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي العربي علي فضّة، علم الحزب بأية تفاصيل، قائلاً: "لقد علمنا بالموضوع عبر الإعلام، ومعظم الشباب الضحايا من السلفيين، ومعلوماتنا تؤكد أنّ أحد الشباب الناجين من الكمين، وهو من آل الأيوبي، عاد إلى طرابلس وهو يختبئ في مكان مجهول"، محذّراً من أن "التوتر قد ازداد في طرابلس نتيجة إطلاق النار والقذائف على الجبل"، لافتًا أن "الوضع يسوده الحذر ونحرص على أن لا يتطور إلى الأسوأ"، مؤكدًا:"من جهتنا نولي أمرنا وأمننا إلى الجيش اللبناني، ونحن على تنسيق كامل معه، فلا نيّة لدينا بالردّ على مصادر النيران حتى ولو تطوّرت الأمور أكثر، وندعو أهالي الجبل إلى أعلى درجات ضبط النفس، لعدم الانجرار إلى الفتنة".
من ناحيته، اعتبر النائب معين المرعبي أن "الذي حصل مع الشبان الأبطال في سورية لن يُثني المناصرين في كل لبنان عن التوجه إلى ساحة الاعتصام لإحياء أربعين البطل وسام الحسن"، قائلاً:" هذه المجزرة سوف تزيد حماسة المناصرين للنزول إلى الساحة وللمشاركة الكثيفة"، فيما توجَّه المرعبي إلى "حزب الله" قائلاً: "مثلما اعتبرتم ذهابكم إلى سورية للدفاع عن نظام الأسد، جهاداً، نحن نعتبر أيضاً أنّ شبابنا الذين أُهدر دمهم وغدروا في سورية كانوا تجندوا وتوجهوا إلى الجهاد والدفاع عن حرية وطنهم ودينهم ومبادئهم".
في السياق ذاته، اعتبر الشيخ بلال دقماق أن "المجزرة التي أودت بحياة 17 مجاهداً سنيّاً من أبناء الشمال الأبطال لن تمرّ مرور الكرام، خصوصاً أنّ الشباب توجّهوا إلى سورية للقيام بواجبهم الشرعي والوطني والأخلاقي في الدفاع عن حرية الشعب السوري في وجه نظام الأحمق بشار الأسد"، قائلاً، إن الأسد "جنّد مخابراته في طرابلس وفي الشمال لكشف مهمة هؤلاء، فتمّ الانقضاض عليهم وغُدر بهم في قرية تل سرين، وقد تمّت تصفيتهم بأبشع الطرق البربرية من ذبح وطعن بالسكاكين وتشويه جثثهم".
وطالب دقماق الحكومة اللبنانية بإعلان يوم الاثنين حدادًا وطنيًا، لافتًا إلى أن "هؤلاء الشباب كانوا يدافعون عن شرفهم ودينهم وواجبهم"، محذّراً أنصار سورية من "إظهار الشماتة أو أي نوع من أنواع البهجة في مدينة طرابلس بعد الذي حصل، ولاسيما أنصار بشار الأسد في جبل محسن وجواره"، فيما كشف دقماق، أن "الثوار يتوعّدون جيش بشار بانتقام شديد سيشهدونه قريباً".
وحذّر دقماق الشيخ عباس زغيب المكلف من المجلس الشيعي الأعلى، بمتابعة قضية المخطوفين اللبنانيين في سورية، من أنه "يلعب بالنار وتصريحاته ستؤدي إلى فتنة سنية ـ شيعية مهولة"، راجيًا إياه "عدم التعرض إلى الشيخ أحمد الأسير لا بالقول ولا بالفعل"، مؤكداً أنّ "عمامة الأسير السنيّة تشكل خطاً أحمر ممنوع المساس بها، وأي مساس بالأسير في لبنان سيقلب الدنيا رأساً على عقب وسيؤدي إلى حرب سنية - شيعية لن يحمد ما ستخلفه".
وعلى خلفية مقتل الإسلاميين في سورية عزّزت قوى الجيش اللبناني دورياتها وترتيباتها الأمنية لمنع أي توتر يمكن أن ينعكس على المنطقة الواقعة على تماس باب التبانة والمنكوبين من جهة، وبعل محسن من جهة أخرى، حيث ظهرت بوادر الاستنفار لدى الطرفين، وسُمعت مع بداية الليل رشقات نارية مصحوبة ببعض القذائف الصاروخية والقنابل اليدوية، فيما سارعت قوات الجيش إلى لملمة التوتر ومنع توسّع رقعته، ووجّهت إنذارات واضحة بأنّها سوف "تتصدّى إلى المسلحين ولن تتهاون معهم".
وأفادت معلومات أن "المجموعة تضمّ 3 فصائل قوام كلّ واحدة منها ما بين 6 إلى 8 عناصر، وهي كانت قبل وقوعها في الكمين ضمن الأراضي السورية منذ 3 أيام، وقد عبرت إليها من معبر هاشم بك، في بلدة حكر جنين الحدودية الملاصقة لمجرى النهر الكبير الجنوبي".
وترددت أنباء، أن "27 شاباً من طرابلس توجّهوا إلى سورية للمشاركة في القتال إلى جانب الثوّار السوريّين، واتّفقوا مع سائق حافلة ليقلّهم من الحدود اللبنانية إلى داخل سورية، حيث إنّ وجهتهم على الأرجح كانت مدينة حمص، وبعد أن اقلّهم مسافة لا تتجاوز خمسة كيلومترات داخل الحدود السورية، عمد إلى إيقاف الحافلة إلى جانب الطريق، وأطفأ محرّكها، ثمّ ترجّل منها، وفرّ هارباً إلى جهة مجهولة، وفجأة انهمر الرصاص على الشباب الطرابلسيين، من اتّجاهات عدة، ما أدّى إلى مقتل 20 من بينهم على الأقل، في حين ما زال 7 من بينهم في عداد المفقودين".
وأكّدت مصادر عسكريّة بارزة أنّ "الجيش اللبناني يتابع المشهد الأمنيّ الحسّاس في طرابلس بكل تفاصيله الدقيقة، تحسّباً لأيّ ردّة فعل في الأيّام القليلة المقبلة، وقد رفع الجاهزية التامة من أجل إحكام السيطرة على الوضع الأمني في المنطقة، إذ إنّ الجيش في حال استنفار دائم وهو حازم في مواجهة المظاهر المسلحة وفقاً للخطة العسكريّة الأمنيّة التي تخضع لها المنطقة".
وأكد مصدر أمني أنه "لا يوجد إحصاء نهائي عن عدد الشبان"، مرجحا أنه "يتفاوت ما بين 18 و20 شاباً ولا أحد يعرف متى غادروا، لكن المؤكد أنهم اختفوا في ريف حمص"، مشيرًا إلى أنه "بين المجموعة 3 شبان ينتمون إلى تنظيم (فتح الإسلام)، وآخرين من مجموعات سلفية غير منظمة، وهم غادروا إلى سورية بهدف نصرة أهل السنة".
وأوضح مصدر شمالي آخر أن "أفراد المجموعة قاربوا الـ25 شابًا، وأنهم تحمسوا للقتال في سورية"، بعد المواقف التي أطلقها "حزب الله" عن "وجود عناصر من الحزب يقاتلون في سورية"، مشيرا إلى أن "المجموعة انطلقت على دفعتين"، مرجحًا أن تكون المجموعة "وضعت تحت المراقبة"، و أن ثمة من "وشى بهم، ونصب لهم كميناً أدى إلى مقتل معظمهم".
أرسل تعليقك