تخشى معظم الدول الغربية من التهديد الذي يشكله المسلمون العائدون من الحرب في سورية والعراق، حيث تحاول تضييق الخناق عليهم بشتى الطرق، حيث تتحفظ السلطات الفرنسية على جوازات السفر وبطاقات الهوية؛ خشية أن يشكلوا تهديدًا محتملًا للأمن بعد عودتهم، كما اعتقلت بريطانيا 60 شخصًا على الأقل من العائدين.
ويواجه ما لا يقل عن 30 شخصًا عقوبات في محاكم ألمانيا، والتي تدرس فرض ضوابط صرامة حال خرجوا بشكل آمن، بينما ألقت بلجيكا القبض على 46 شخصًا يزعم أنهم تدربوا للسفر إلى سورية، زعيم المجموعة قد يواجه عقوبة السجن 15 عامًا، ولكن الدنمارك تتبع نهجًا مختلفًا مع مواطنيها المسلمين حتى العائدين من الحرب السورية.
وفي السياق نفسه، أكد أستاذ علم النفس في جامعة "آرهوس" الدنماركية، أنَّ "الشباب العائدين يعانون من مشاكل نفسية مثل الآخرين ويحاولون إلى حد كبير السيطرة على حياتهم، لإيجاد مكان حقيقي في المجتمع"
لا تتبع الدنمارك ذلك النهج في التعامل مع المسلمين، والتي يتواجد فيها أكثر من 100 جهادي، منذ عام 2010، حيث أنَّها من أكثر الدول الأوروبية التي خرج منها عدد كبير من المقاتلين، ولكن الأحزاب المحافظة بما فيها حزب "الشعب" الدنماركي لمكافحة الهجرة، انتقدوا بصوت عال برامج مكافحة التطرف، ووصفوا تعامل الحكومة مع المتطرفين بالناعم والساذج وقصير النظر، وفي نهاية المطاف خطير للغاية، ودعا حزب فنستر لتجريدهم من الجنسية والسجن لمدة ستة أعوام.
ولكن في مقر الشرطة شرق مدينة جوتلاند في آرهوس، موجود بها أرسليف، مسؤول شرطي عن البرنامج، يرفض مقترحات الأحزاب المحافظة، قائلًا "لو تم تمرير قوانين صارمة، سيكون من الصعب الدخول في عملية حقيقية مع الأفراد، يجب تشكيل برنامج يتضمن خبراء لتقديم المشورة والرعاية الصحية، والمساعدة للعودة إلى التعليم والتوظيف وربما الإقامة، عودة هؤلاء الأشخاص إلى الحياة اليومية والمجتمع، لا نفعل ذلك بسبب قناعة سياسية، نحن نفعله لأن تلك الطريقة هي التي تعمل".
أرسليف، يذهب أحيانًا لفتح بعض المناقشات الصعبة مع قادة مسجد "جريمهوجفيغ" خارج نطاق العمل، منذ نهاية عام 2012 حتى نهاية العام الماضي، غادر 31 رجلًا تتراوح أعمارهم بين 18 و25، متجهين إلى سورية، ولكن هذا العام ذهب شخص واحد فقط.
عملت الشرطة والمدارس ومؤسسات الخدمات الاجتماعية بشكل وثيق لتبادل المعلومات منذ الثمانينات، وفي عام 2007 في أعقاب تفجيرات مدريد ولندن عامي 2004 و2005، بذلت الحكومة جهود لمكافحة التطرف في "آرهوس"، وحتى ذلك الحين ركزت على عصابات الدرجات والجماعات اليسارية واليمنية المتطرفة، وبعدها تحولت إلى التطرف الديني الداخلي.
وأكد زميل أرسليف، المشارك في برنامج المكافحة، "نشرك المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين وأندية الشباب، نريدهم أن يكتشفوا العلامات المبكرة"، مضيفًا "هنا لدينا اتصالات جيدة مع الأقليات وأولياء الأمور، وحين سافر أولادهم إلى سورية 2012، كانوا أول من أخبرونا بذلك".
وأوضح أحد المفوضين، بأنَّ "القتال في سورية، طالما أنَّ الجماعة ليست محظورة يعتبر قانونيًا، والقانون الدنماركي لا يمنع السلطات من منع الناس من السفر، لا يمكننا أخذ جوازات السفر"، موضحًا "لدينا قوانين ضد المشاركة في الجماعات المتطرفة المحظورة، جمع الأموال، ولكن أداتنا الحقيقية الوحيدة هي محاولة إقناعهم بعد الذهاب".
وتابع "في كثير من الحالات، كان هذا النهج كافيًا، وأحيانا لا، الجهاديون الشباب الذين سافروا إلى سورية من هذه المدينة الساحلية في عامي 2012 و2013، تتطرفوا دينيًا بشكل سريع جدًا في غضون أسابيع أو أشهر على الأكثر، داخل وخارج مسجد المدينة".
وأشار إلى أنَّهم يتشاركون مع قول بيرتلسن، حيث يوضح "من على السطح يبدو أنَّ كل شيء مكتمل، فهم من الطبقة الوسطى ومتعلمين جيدًا من أسرة مستقرة، ولكن في العمق، غالبًا ما يكون هناك تاريخ من الإقصاء اليومي والعنصري، شعور مختلف عكس الدنماركيين الآخرين، إنهم محاصرون بين ثقافتين، واحدة من الداخل والثانية من الخارج، واحدة متكاملة والأخرى لا يرحبون بها، هؤلاء الشباب يبحثون عن إجابة وجودية، وهذا لا ينطبق بالضرورة على المتطرفين المتشددين".
وأضاف أرسيلف "إنَّ 29 شابًا غادروا آرهوس، من الجيل الثاني من المهاجرين، غالبيتهم من العائلات الأفريقية الصومالية في المقام الأول والبعض الآخر من أصل تركي، فلسطيني أو عراقي، ذهب 31 منهم إلى سورية، خمسة لقوا حتفهم هناك، عشرة لا يزالون في الخارج، وعاد 16 شخص"، مضيفًا أنَّ "عمال برنامج الخروج نبهوا باستخدام خط ساخن يعمل بشكل دائم، للتحدث مع جميع العائدين، وليس بضبطهم وإحضارهم إلى مراكز الشرطة.
أهم عنصر من عناصر البرنامج في "آرهوس" هو توافق جميع المشتركين، فهناك بعض الأفراد المرشدين عن الأشخاص الراغبين في السفر، وكان مايكل الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أبلغ عن عدد من الأشخاص المتطرفين في عام 2010، وهو الآن يعمل مع أحد الطلاب في المدرسة الثانوية مهووس بفكرة الذهاب إلى سورية، لدرجة أنه لا يستطيع التركيز في أي شيء، جسديًا هو في المدرسة، وليس عقليًا.
يعمل مايكل مع هذا الشاب، ويتناقش معه بحكمة، حيث إنه لديه خلفية جامعية في الدراسات الدينية والدين المقارن، ويؤكد أنَّ الهدف من الاجتماعات ليس لإقناعهم بالتخلي عن القناعة الدينية، ولكن لمساعدتهم على تحقيق التوازن بين المنظور الديني والمدرسة والعمل والأسرة ومع الحياة.
أرسل تعليقك