مضى عام كامل على تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد وأثبت رغم التحديات الكبيرة أنه قادر على حمل الأمانة التاريخية لهذا البلد العظيم في مرحلة استثنائية تحتاج إلى صفات وقدرات استثنائية للعبور الآمن إلى الضفة الأخرى.
وعُمان بلد قادر على صناعة القادة العظماء؛ فالبلدان العظيمة تصنع رجالا عظماء وقادة استثنائيين وفي تأمل التاريخ الكثير من الشواهد. وهذا فعل الجغرافيا وسطوة التاريخ التي لا تنكرها الدراسات الحديثة، دون أن نغفل دور الجانب المكتسب في صناعة الزعماء والقادة بفعل الدراسة والعلم والاستعداد الذاتي لتحمل المسؤولية وتقبل أن يكون الإنسان على محك الأحداث.
وكان السلطان هيثم- أعزه الله- قد عايش المتغيرات التي مرت بها بلده عُمان منذ ما قبل سبعينيات القرن الماضي عندما كان يخطو أولى خطواته نحو المستقبل. فكان ينظر ويتأمل ويرى كيف تتغير عُمان يوما بعد آخر على يد القائد المؤسس السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وكان حين ذاك في كنف والده السيد طارق بن تيمور الشخصية الوطنية العمانية التي أحبها العمانيون؛ نظرا لأدواره البطولية المعروفة وكان السيد طارق وفق ما تذكر الوثائق الغربية «مهتما جدا بالبحث لأبنائه عن تعليم راق وعصري».
وكانت مرحلة السبعينيات مرحلة تأسيسية مهمة في حياة السلطان هيثم بن طارق بدأت بالدراسة في المدرسة السعيدية ثم في لبنان الذي كان محطة مهمة في حياته العليمة، في وقت كان هذا البلد قبلة للطلاب العرب ومحطة من محطات الحضارة العربية المتقدمة؛ نتيجة تماسها مع الغرب المتقدم قبل أن تنتقل محطات السلطان هيثم إلى المملكة المتحدة وبالتحديد في جامعة أكسفور أحد أعرق الجامعات في العالم. ورغم هذا الإعداد وما صاحبه من استعداد شخصي من جلالة السلطان إلا أن الحياة العملية التي عاشها في أهم مدرستين من مدارس عمان كان لهما الأثر الكبير في تشكيل شخصيته، وبلورة تفكيره ورؤيته للمستقبل. فقد التحق السلطان هيثم بالمدرسة الدبلوماسية العمانية عندما انخرط- حفظه الله- بالعمل في وزارة الخارجية العمانية وتدرج فيها ليصل إلى منصب أمين عام الوزارة. أما المدرسة الثانية فكانت مدرسة التراث والثقافة التي شغل فيها منصب وزير التراث والثقافة قرابة 18 عاما، اقترب خلالها من عظمة التاريخ العماني تراثا وثقافة، وعرف عن قرب تاريخ البلد الذي سيحكمه ومعطياته الثقافية ومواطن قوته. ومن حسن طالع عمان أن يكون السلطان هيثم بن طارق- أعزه الله- هو مهندس «رؤية عمان 2040» الذي وضع مرتكزاتها وناقش تفاصيلها ليبدأ بتطبيقها وهو سلطان على عمان.
وبالعودة إلى التاريخ فإن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ولد في مسقط في 11 أكتوبر من عام 1955، وهي فترة شهدت أحداثا مهمة ومفصلية في تاريخ عمان، وكان لوالده السيد طارق بن تيمور دور مفصلي فيها، والتحق جلالته في ستينيات القرن الماضي بالمدرسة السعيدية بمسقط.
وفي مطلع سبعينيات القرن الماضي التحق جلالة السلطان المعظم بقسم داخلي بمدرسة مرموقة في لبنان لدراسة المرحلة الإعدادية.
كان السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- في الخامسة عشرة من عمره عندما وصل إلى لبنان للدراسة، والتحق بالقسم الداخلي لمدرسة «برمانا العليا» وهي مدرسة نخبوية في لبنان تقع في جبل لبنان شرقي العاصمة بيروت وتأسست عام 1873 وفق البيانات المتوفرة عن المدرسة. وأشارت تقارير صحفية منشورة إلى أن ملف «هيثم بن طارق» في المدرسة يشير إلى أنه كان «شاطرٌ، متعاونٌ، وصدوق، وعلاماته جيد جدا في السلوك والدراسة، رياضي، شاطر بالفيزياء، والبيولوجيا والجغرافيا وعلاماته على الدوام جيد جدا».
وكرر السلطان هيثم بن طارق زيارة مدرسته عندما زار بيروت عام 2009 بوصفه وزيرا للتراث والثقافة ووقف على ذكريات تلك المرحلة من حياته التي شكلت الكثير من جوانبه المعرفية والحياتية.
لم يدم بقاء جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- في بيروت كثيرا إذ سرعان ما غادرها في عام 1972 متوجها إلى بريطانيا لمواصلة دراسته الثانوية ومن ثم الجامعية حيث التحق بواحدة من أعرق جامعات العالم، جامعة أكسفورد ودرس فيها العلوم السياسية، ثم تابع دراسته العليا في كلية بيمبروك في أكسفورد.
وفي أغسطس من عام 1979 عُين جلالة السلطان هيثم موظفا في وزارة الخارجية، وفي 25 من مارس 1982 أصبح مديرا للدائرة السياسية الثالثة بالوزارة، وفي 20 من إبريل من العام نفسه أصبح رئيسا للدائرة الأوروبية والأمريكيتين. وفي عام 1985 ترقى إلى درجة سفير، إلا أنه لم يلتحق بالعمل في أي سفارة في الخارج. وفي الثاني من يناير من عام 1986 صدر رمسوم سلطاني بتعيينه وكيلا لوزارة الخارجية للشؤون السياسية، الأمر الذي أتاح له الاقتراب كثيرا من صناعة السياسة الخارجية للسلطنة، إضافة إلى التماس المباشر مع الكثير من الملفات السياسية الخارجية في مرحلة شهدت الكثير من الأحداث المهمة التي عصفت بالمنطقة والإقليم.
وفي 14 من فبراير من عام 2002 أصدر جلالة السلطان الراحل- طيب الله ثراه- مرسوما بتعيينه وزيرا للتراث والثقافة لتبدأ بعد ذلك مرحلة مهمة في صناعة شخصيته حيث الجانب الثاني من جوانب إعداد سلطان عمان ليكون على عرش السلطنة العظيم.وخلال عمله في وزارة الخارجية شارك جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- في اجتماعات ومؤتمرات دولية مهمة كما مثل السلطنة في اجتماعات الأمم المتحدة.
وكان جلالته يرأس جمعية الصداقة العمانية البريطانية، وجمعية الصداقة العمانية اليابانية.
وبعيدا عن السياسة والدبلوماسية والثقافة؛ فإن لجلالة السلطان هيثم بن طارق اهتمامات رياضية واسعة. وكان قد ترأس أول اتحاد عماني لكرة القدم خلال الفترة من عام 1983 إلى عام 1986، وهي المرحلة التي شهدت تأسيس الكثير من الجوانب التنظيمية في عمل كرة القدم والأندية في السلطنة. وخلال هذه المرحلة الزمنية استضافت السلطنة بطولة كأس الخليج السابعة، كما ترأس جلالته اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثانية التي استضافتها السلطنة في عام 2010.
وخلال مسيرته العملية حصل جلالة السلطان هيثم بن طارق على أوسمة سلطانية عدة في مقدمتها وسام الرسوخ الذي تسلمه من السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – في نوفمبر 2010، إضافة إلى وسام آل سعيد، ووسام عمان ووسام النهضة العمانية.
كما حصل في مارس من عام 2001 على وسام الشرف الكبير للخدمات المقدمة إلى جمهورية النمسا، وفي ديسمبر من عام 2006 حصل من المملكة العربية السعودية على وشاح الملك عبدالعزيز من الطبقة الأولى؛ وفي نوفمبر من عام 2010 حصل من المملكة المتحدة على وسام الفارس الفخري الكبير للصليب الملكي الفيكتوري.
وانعكست كل هذه الخبرات العلمية والعملية على مسيرة السلطان، أعزه الله ، خلال عام من قيادته لعمان وهو عام رغم التباساته إلا أنه كشف عن دور القيادة الحقيقية في تجاوز التحديات وفي رسم ملامح المستقبل.
قد يهمك أيضَا :
السُّلطان يعزّي الرئيس الإندونيسي في ضحايا تحطم طائرة الرّكاب
السُّلطان هيثم بن طارق يصدر عفوا ساميا عن 285 نزيلا
أرسل تعليقك