حفلت مسيرة الشورى في السلطنة بالعديد من مراحل العمل الدؤوب حيث بدأت مطلع العقد الثاني من مسيرة النهضة المباركة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، مع تأسيس المجلس الاستشاري للدولة في عام 1981م وإنشاء مجلس الشورى في عام 1991، وشهدت مسيرة الشورى العمانية تطورات متلاحقة ومستمرة على امتداد السنوات الماضية، وأصبح نظامها المؤسسي يعمل بنظام المجلسين: مجلس الدولة المعين، ومجلس الشورى المنتخب يجتمعان معًا تحت مظلة مجلس عمان، مع تمتع كل واحد منهما بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري.
وقد حددت المادة (9) من النظام الأساسي للدولة القيم الجامعة والمقومات الأساسية لنظام الحكم في السلطنة، فنصت على أن الحكم يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وحق المواطنين بالمشاركة في الشؤون العامة، كما نصت المادة (59) على مبدأ سيادة القانون ثم وضعت المادة (10) المبادئ الأساسية الموجهة لسياسة السلطنة، من بينها: إرساء أسس صالحة لترسيخ دعائم شورى صحيحة نابعة من تراث الوطن وقيمه وشريعته الإسلامية، معتزة بتاريخه آخذة بالمفيد من أساليب العصر وأدواته في إقامة نظام إداري سليم يكفل العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين، ويضمن الاحترام للنظام العام ورعاية المصالح العليا للوطن.
وجاء المرسوم السلطاني رقم 94 /91 بإنشاء مجلس الشورى في 12 نوفمبر 1991م، بداية دخول العقد الثالث من عمر النهضة المباركة، ليبقى ويتطور كما جاء في النطق السامي للسلطان الراحل قابوس بن سعيد المعظم- طيب الله ثراه- في إطار المبادئ الثابتة التي توجه سياسة السلطنة ومن أبرزها في هذا المجال (إرساء أسس صالحة لترسيخ دعائم شورى صحيحة نابعة من تراث الوطن وقيمه وشريعته الإسلامية، معتز بتاريخه، آخذ بالمفيد من أساليب العصر وأدواته).
وفيما يختص بالأدوات البرلمانية التي يعمل بها المجلس فقد كان لأصحاب السعادة الأعضاء إسهامهم الكبير باستخدامهم لها مما أوجد تطورًا ملموسًا في ممارسة الشورى، ومما لا شك فيه فإن تجاوب السلطة التنفيذية مع المجلس أمر مشهود ومثمّن وتكمن أهميته في أنه ينعكس إيجابًا على بلورة دور المجلس الرقابي، وتعاونه مع تلك الجهات التنفيذية، هذا التجاوب يطبق المنهجية التي تسير عليها السلطنة، وهو الدور التكاملي بين كافة أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية لما فيه صالح الوطن والمواطن، خصوصًا وأن السلطنة حققت إنجاز العديد من المشاريع التنموية من المهم العمل على المحافظة عليها وفق الإجراءات المتبعة بما يكفل تحقيق مصلحة الوطن والمواطن.
وقد أكد جلالته- رحمه الله وجعل الجنة مثواه- في افتتاح الدورة الثالثة لمجلس عمان عزمه (على ترسيخ منهج الشورى وتطويره بما يلبي مصلحة الوطن ويستجيب لتطلعات المواطنين). وقال (لقد أردنا منذ البداية أن تكون لعمان تجربتها الخاصة في ميدان العمل الديمقراطي ومشاركة المواطنين في صنع القرارات الوطنية وهي تجربة يتم بناؤها لبنة لبنة على أسس ثابتة من واقع الحياة العمانية ومعطيات العصر الذي نعيشه يشهد على ذلك ما سبق اتخاذه من خطوات متدرجة في هذا المضمار آخرها منح حق الانتخاب لجميع المواطنين رجالا ونساء ممن تتوافر فيهم الشروط القانونية).
وخلال مسيرة المجلس في فتراته السابقة قام بالعديد من الدراسات والبحوث وكذلك بدراسة ومناقشة العديد من الموضوعات ومشروعات القوانين والاتفاقيات التي أحيلت إلى المجلس، أو تلك التي قدمها المجلس بعد إقرارها.
وبينما يتم انتخاب أعضاء مجلس الشورى عن طريق الانتخاب الحر من جانب المواطنين لممثلي ولاياتهم، فإنه يتم انتخاب رئيس المجلس من بين الأعضاء المنتخبين، وهو ما تم منذ الفترة السابعة لمجلس الشورى حيث انتخب أول رئيس للمجلس من الأعضاء وهي الخطوة التي ذهبت إليها الرؤية الثاقبة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- بمنح العملية الشوروية في السلطنة بعدها الحقيقي عبر ممارسة المجلس لصلاحياته.
في حين شهدت الفترات التسع للمجلس ممارسة عملية لمنهج الشورى وعبر الأدوات الديمقراطية للمجلس، من خلال الحوارات والمناقشات ودراسة مشروعات القوانين، وتقديم المقترحات، كما كان للمقترحات والأسئلة البرلمانية الموجهة للجهات الحكومية من قبل أصحاب السعادة أعضاء المجلس الأثر الإيجابي في حل العديد من الموضوعات وتفادي جملة من الصعوبات والمعوقات التي تعرقل سير بعض الإجراءات الخاصة بالمواطنين سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وذلك عبر التواصل بين المجلس والجهات المعنية من القطاعين والخروج برؤى توافقية وكان للمجلس في ذلك الأثر الطيب والملموس بالنسبة لكل الأطراف.
وتحظى انتخابات أعضاء مجلس الشورى في السلطنة باهتمام ومتابعة من العديد من المحللين والمراقبين الإقليميين والدوليين على أنه منعطف مهم في تاريخ الديمقراطية العمانية والعربية والإقليمية نظرا للنقلات النوعية التي شهدتها الممارسة البرلمانية في السلطنة منذ بدايات عصر النهضة المباركة التي سارت وفق رؤية ثابتة وثاقبة من قبل العاهل الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد- عليه رحمة الله- راعت حالة التدرج بالمجتمع من الاستشارة إلى الشورى إلى الأدوار الرقابية والتشريعية كما حدث في الدورات الثلاث الماضية والحالية من عمر المجلس.
قد يهمك أيضا:
الأمم المتحدة في نيويورك تُقيم جلسة تأبينية للراحل السلطان قابوس بن سعيد
بن علوي يلتقي مساعد وزير الخارجية الأميركي لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين
أرسل تعليقك