أحبط الجيش اللبناني أمس السبت، محاولة السيطرة على مناطق في طرابلس من مسلحين يدورون في فلك المجموعة التابعة للمطلوب أحمد سليم ميقاتي، الذي اعتقلته مخابرات الجيش، فجر الخميس الماضي في بلدة عاصون قضاء الضنية، حين دهمت شقة كان يختبئ فيها مع 5 مسلحين آخرين قُتِل منهم ثلاثة.
وتمكَّن من السيطرة على نيران اشتباكات اندلعت، ليل الجمعة، حين انتشر مسلحون تردَّد أنَّ بين من يتزعمهم عمر ميقاتي "أبو هريرة" نجل أحمد ميقاتي ردًا على توقيف الأخير، في الأسواق القديمة للمدينة وامتدت حتى أمس السبت، مع هؤلاء، كما حاول مناصرون ملثمون لهم، بقصد إشغال الجيش، نقل الصدامات إلى خارج المدينة، عند مفترق طرق يقود إلى المنية وعكار، حيث أفشل الجيش محاولة لخطف 5 عسكريين.
كما سيطر الجيش على نيران الاشتباكات في أحياء محددة، وحاصر المسلحين، وسط دعم كامل من قيادات المدينة السياسية والروحية وزعيم تيار "المستقبل" سعد الحريري، وسقط منه 3 شهداء بينهم ضابط، و13 جريحًا، كما سقط من المدنيين حتى مساء أمس شهيدان، أب وولده، و6 جرحى.
فيما واصل ملاحقة المسلحين الذين حاولوا قطع طريق أوتوستراد المنية - المحمرة - عكار، متوعدًا بالقضاء عليهم ومنع المظاهر المسلحة في طرابلس حتى عودة الهدوء والحياة الطبيعية إليها.
وفي السياق نفسه، لم تُعرف خسائر المسلحين، الذين قال الجيش إنَّه داهم أماكنهم وأوقف عددًا منهم وضبط أسلحة وذخائر وأوقع إصابات في صفوفهم، أدَّت محاصرة قواته للأسواق القديمة حيث تمترسوا، وكذلك منطقة الزاهرية منذ ليل أمس، إلى انسحابهم منها بعدما تحصنوا في شارع الكنائس ونصبوا متاريس تعرضت لنيران رشاشات الجيش وقذائفه الصاروخية، ما اضطرهم للموافقة على طلب مشايخ في المنطقة الانسحاب منها بناء لتدخل من "هيئة العلماء المسلمين"، التي تواصلت مع وزير العدل أشرف ريفي وقيادات أخرى في طرابلس، وتخوَّفت من سقوط مدنيين في المواجهات وتدمير الأبنية الأثرية في أزقة الأسواق.
وجاء انتشار المسلحين ليل الجمعة مع مداهمة الجيش أحد المنازل في منطقة المنكوبين لتوقيف مشتبه بهم عثر بحوزتهم على أسلحة، وتبع ذلك بث إشاعة بأنَّ الموقوف أحمد ميقاتي والذي اعتبر "صيدًا ثمينًا"، توفي تحت التعذيب لدى مخابرات الجيش، تبيَّن أنها غير صحيحة، في الوقت الذي يُتهم فيه الجيش المسلحين بـ"إثارة الفتن والتحريض المذهبي"،
وأكد مصدر عسكري لبناني في تصريحات إلى "الحياة"، أنَّ المسلحين كانوا يريدون التحصن في الزاهرية وصولًا إلى التبانة للتجمع فيها، ردًا على مداهمة الجيش مجموعة ميقاتي في عاصون قضاء الضنية، لحماية أنفسهم وسائر المطلوبين، موضحًا أنَّ الجيش أحبط العملية بالكامل ودخل بعد ظهر أمس إلى الزاهرية، ويواصل ملاحقة المخلين بالأمن والمشتبه بهم.
وأفاد أحد بيانات قيادات الجيش التي صدرت عن العملية بمداهمة منزل أحمد ميقاتي الملقب بـ "أبو بكر" و "أبو الهدى" وضبطت داخله كمية من المتفجرات، فضلاً عن مداهمة منزل "المتطرف ربيع الشامي وضبط أسلحة ومواد طبية كان يستخدمها المسلحون لمعالجة جرحاهم".
واعتبرت مصادر أمنية أنَّ الجيش "غير معني بأي مساومات من أي نوع، ردًا على ما تردَّد بأنَّ انسحاب المسلحين جاء نتيجة وساطة "هيئة العلماء"، وأنَّه لا خيار أمام المسلحين سوى تسليم أنفسهم وأسلحتهم وخيار المؤسسة العسكرية هو القضاء عليهم مهما بلغت التضحيات وممنوع تحويل طرابلس إلى مرتع لمناصري "داعش" و "جبهة النصرة". واستخدم الجيش في المواجهة طائرة استطلاع وطائرة مروحيَّة فوق رقعة انتشار المسلحين.
وكانت المدينة شهدت قبل الظهر اجتماعات عدة، أهمها في منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار بحضور رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزيرين أشرف ريفي ورشيد درباس ونواب المدينة، تبعه اجتماع آخر في منزل ريفي. وأكدت هذه الاجتماعات على دعم الجيش وتأييد إجراءاته وصيانة أمن المدينة. وصدرت بيانات بهذا المعنى من قيادات أخرى، أبرزها الحريري ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة.
وبعد الظهر حاول قرابة 20 مسلحًا عند مفترق أوتوستراد المنية - المحمرة مشاغلة الجيش عن معارك الأسواق بقطع الطريق من طرابلس إلى عكار، وتعرضوا لآلية للجيش ما أدَّى إلى استشهاد عسكريين اثنين وسقوط عدد من الجرحى. واستقدم الجيش تعزيزات واشتبك مع المسلحين الذين فروا في البساتين فلاحقتهم وحداته نحو منطقة بحنين.
وأعلنت القيادة في بيان لاحق عن إحباط محاولة مسلحين خطف خمسة جنود وعن إصابة عدد من المسلحين، وحيّا البيان فعاليات طرابلس لوقوفها إلى جانب الجيش ودعمه، فيما أعلنت أنَّ مسلحين آخرين استهدفوا آلية له بقذيفة صاروخية في المنية ما أدى إلى استشهاد ضابط وإصابة اثنين من العسكريين بجروح.
وفيما عاد الهدوء مساءً إلى المدينة، حصلت مداهمات شملت منزل الشيخ خالد حبلص الذي حرّض في خطبة الجمعة أول من أمس في أحد الجوامع على الانشقاق عن الجيش، وتردَّد أنَّه عثر فيه على أسلحة وذخائر. وأشارت معلومات إلى أنَّ المذكور معروف بالتشجيع على القتال في سورية إلى جانب التنظيمات المتشددة.
كما صادرت دورية من غرفة حرس منزل النائب خالد الضاهر في طرابلس 4 بنادق، واستخدم الجيش زورقين عسكريين في ملاحقة المسلحين الفارين في البساتين على الشاطئ والذين اعتدوا على الجيش في المحمرة وبحنين.
وتخوَّف أهالي العسكريين المخطوفين لدى "داعش" و "النصرة" منذ 2 آب/ أغسطس الماضي، من تأثير التطورات في عاصمة الشمال على
المفاوضات لإطلاقهم، بعد تغريدة لـ "النصرة" على "تويتر"، بأنَّ الحكومة "تزج بالشارع اللبناني إلى الهاوية وقضية المحتجزين أصبحت لعبة سياسية".
كما صدر عن رئيس الحكومة تمام سلام بيان جاء فيه "بعد العملية الأمنية النوعية الناجحة التي قام بها الجيش في الضنية والتي جنبت طرابلس والشمال عمليات متطرفة خطيرة، فوجئ اللبنانيون بسلسلة من أعمال الإخلال بالأمن والاعتداءات على الجيش والقوى الأمنية في عاصمة الشمال، بهدف نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار وإعادة طرابلس وجوارها إلى حال التسيب التي كانت سائدة في الماضي".
وأكد أنَّ الحكومة "لن تتعاون مع أي محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في طرابلس، ولن تسمح لحفنة من الإرهابيين وشذاذ الآفاق بأخذ الطرابلسيين أسرى والمغامرة بأمنهم ولقمة عيشهم خدمة لأهداف ليست في صالح لبنان ووحدته واستقراره. كما أنها لن تتغاضى عن التطاول على هيبة الدولة وعلى مؤسساتها العسكرية والأمنية تحت أي عنوان كان".
وثمّن سلام "المستوى العالي من المسؤولية الوطنية الذي أظهرته جميع القيادات والفاعليات الطرابلسية والذي يعكس الجوهر الحقيقي لمدينة السلام والتآلف والعلم"، مؤكدًا أنَّ "الجيش والقوى الأمنية تقدّم واجباتها بدعم كامل من السلطة السياسية، لإعادة الأمن إلى طرابلس ونشره في بقية المناطق بموجب الخطة الأمنية المقرة".
وأضاف "طرابلس ليست متروكة، والطرابلسيون، كما جميع اللبنانيين، مدعوون في هذه الأوقات الصعبة إلى الإيمان بدولتهم وبمؤسساتها الشرعية التي هي السبيل الوحيد لخلاص الجميع".
وكان سلام على اتصال مع جميع قادة المدينة والحريري، وأصدرت قيادة الجيش بيانًا إضافيًا أكدت فيه أنَّ قواته أنهت انتشارها في محلة الزاهرية وفي الأسواق القديمة وتمكنت من توقيف عدد من المسلحين وإيقاع عدد من الإصابات في صفوفهم، بالإضافة إلى ضبط كميات من الأسلحة والذخائر والمتفجرات بحوزتهم، فيما لاذ المسلحون الباقون بالفرار إلى خارج هذه المناطق، وتقوم وحدات الجيش بتعقبهم".
من جهتها، هدّدت "جبهة النصرة" بإعدام جنود لبنانيين تحتجزهم رهائن لديها في "الساعات المقبلة" ما لم يتوقف الجيش اللبناني عن "القتال في مدينة طرابلس" شمال لبنان ضد إسلاميين مسلحين يعتقد أنَّهم مرتبطون بها.
وحذرّت "جبهة النصرة" في بيان لها "الجيش اللبناني من التصعيد العسكري بحق أهل السنة في طرابلس ونطالبه بفك الحصار عنهم والبدء بالحل السلمي"، مضيفة أنّه إذا لم يلبّ الجيش طلبها "فستضطر في الساعات المقبلة للبدء بإنهاء ملف الأسرى العسكريين المحتجزين لديها تدريجيًا كونهم أسرى حرب".
وأعلن الجيش اللبناني أمس السبت أنَّه تمكَّن من إخراج "الإسلاميين المسلحين" الذين تمركزوا في وسط طرابلس شمال لبنان بعد أقل من 24 ساعة من معارك دمّرت قسمًا من السوق التاريخية للمدينة.
أرسل تعليقك