يصادف الثلاثاء الذكرى السنوية العاشرة لاستشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات "أبو عمار، في حين لا تزال أسباب وفاته غامضة مدفونة في تقريرين سويسري وفرنسي.
ويحتفي الفلسطينيون بهذه الذكرى، عرفانًا منهم بدور الرئيس عرفات وكونه رمزًا لفلسطين شعبًا وقضية، وقائد لثورة وشعب ناضل ويناضل من أجل الحرية والكرامة، امتاز بحنكته الواسعة وإرادته وصموده أمام كل التحديات، حوّل الكثير من الانتكاسات إلى انتصارات سجَّلها التاريخ.
وُلد "أبو عمار" في القاهرة في 24 آب/ أغسطس عام 1929، واسمه بالكامل محمد ياسر عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، نشأ وتلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
كما درس عرفات في كلية الهندسة في جامعة فؤاد الأول في القاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية عبر نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقا.
وشارك مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في الخمسينات، وأصبح ناطقا رسميًا باسمها في 1968، وانتخب رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط/ فبراير 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري ويحيى حموده.
كما ألقى الراحل عام 1974 كلمة باسم الشعب الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحينها قال جملته الشهيرة "جئتكم حاملًا بندقية الثائر في يدي وغصن زيتون في اليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".
وبصفته قائدًا عامًا للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قاد "أبو عمار" خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما قاد معارك الصمود أثناء الحصار الذي ضربته القوات الإسرائيلية الغازية حول بيروت طيلة 88 يومًا، وانتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة، وحين سأل الصحفيون ياسر عرفات لحظة خروجه عبر البحر إلى تونس على متن سفينة يونانية عن محطته التالية، أجاب "أنا ذاهب إلى فلسطين".
وحلَّ ياسر عرفات وقيادة وكادر منظمة التحرير ضيوفا على تونس، ومن هناك بدأ استكمال خطواته الحثيثة نحو فلسطين.
وفي الأول من تشرين الأول 1985 نجا ياسر عرفات بأعجوبة من غارة إسرائيلية استهدفت منطقة "حمام الشط" في تونس، أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين والتونسيين، ومع حلول 1987 أخذت الأمور تنفرج وتنشط على أكثر من صعيد؛ فبعد أن تحققت المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتخاصمة في جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، أخذ عرفات يقود حروبا على عدة جبهات؛ فكان يدعم الصمود الأسطوري لمخيمات الفلسطينيين في لبنان، ويوجه انتفاضة الحجارة التي اندلعت في فلسطين ضد الاحتلال عام 1987، ويخوض المعارك السياسية على المستوى الدولي من أجل تعزيز الاعتراف بقضية الفلسطينيين وعدالة تطلعاتهم.
وبعد إعلان استقلال فلسطين في الجزائر في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1988، أطلق في الثالث عشر والرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، حيث انتقلت الجمعية العامة وقتها إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأميركية برئاسة رونالد ريغان في الـ16 من الشهر ذاته، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمه التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من 30 آذار/ مارس 1989.
وقّع ياسر عرفات ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق اسحق رابين عام 1993، اتفاق إعلان المبادئ "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال في البيت الأبيض، في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر، حيث عاد ياسر عرفات بموجبه على رأس كادر منظمة التحرير إلى فلسطين، واضعًا بذلك الخطوة الأولى في مسيرة تحقيق الحلم الفلسطيني في العودة والاستقلال.
وفي العشرين من كانون الثاني/ يناير 1996، انتخب ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية في أول انتخابات فلسطينية عامة، وبدأت منذ ذلك الوقت مسيرة بناء أسس الدولة الفلسطينية.
وبعد فشل مفاوضات "كامب ديفيد" في 2000 نتيجة لتعنت الاحتلال وحرص ياسر عرفات على عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والمساس بثوابتها، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمتبر 2000، وحاصرت قوات الاحتلال عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت مدنًا عدة في عملية سميت بـ 'السور الواقي'، وأبقت الحصار مطبقا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية.
ورحل عرفات قبل عشرة أعوام بجسده، لكنه ترك إرثا نضاليًا ومنجزات وطنية لا زالت قائمة تنهل منها الأجيال لمواصلة الكفاح من أجل التحرر وبناء أسس الدولة الفلسطينية، فأبو عمار لم يكن مجرد مقاتل يحمل بندقية، وإنما كان زعيمًا ملهمًا، أسَّس الدولة الفلسطينية العتيدة؛ بدءًا بدوائر منظمة التحرير التي عنيت بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والثقافية للشعب الفلسطيني، وانتهاءً بتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من أيار/ مايو 1994على أرض الوطن بعد رحلة طويلة من النضال والكفاح المرير.
ظروف استشهاد عرفات لا تزال حتى يومنا هذا غامضة، والتحقيق الذي تجريه لجنة تحقيق وطنية مكلفة بهذا الشأن لا زال جاريًا، رغم الإعلان في أكثر من مناسبة أنَّ وفاة الرئيس ياسر عرفات لم تكن طبيعية بل نتيجة مادة مشعة.
من جهته، أكد رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله استمرار القيادة والحكومة في تكريس الهوية الوطنية التي بناها وجسدها الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وأبقاها واحدة موحدة في كل خطوة من مسيرته الكفاحية، والمضي في المقاومة الشعبية السلمية، وفي حشد الرأي العام العالميّ المناصر لقضية فلسطين العادلة وحقوق الشعب المشروعة التي كسبها الزعيم الراحل بنضاله وحكمته، بكوفيته وغصن الزيتون الذي حمله.
جاء ذلك ضمن كلمته في إحياء الذكرى العاشرة لاستشهاد عرفات "فعالية يوم الإنجاز"، أمس الاثنين في قصر "رام الله" الثقافي، وبحضور عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة المركزية لحركة "فتح"، وعدد من الشخصيات الاعتبارية والمسؤولين.
وعبَّر الحمد الله عن عظيم اعتزازه لوجوده بين هذا الحشد الذي يجتمع، كما في كل عام، لإحياء الذكرى السنوية لاستشهاد القائد المؤسس والرمز ياسر عرفات، ناقلا تأكيد الرئيس محمود عباس على مواصلة البناء والإنجاز والمراكمة على خطى كفاح ونضال الزعيم ياسر عرفات، والوفاء لإرثه التاريخي الغني.
وأضاف الحمد الله "نلتقي اليوم مجددًا في ظل الغياب الذي أمتد لعشرة أعوام طويلة، نتذكره اليوم وكل يوم، فهو لفلسطين قلبها وعزتها وكرامتها، وهي روحه وكيانه وهويته الأبدية. وهما معًا لشعبهما هوية ووطنًا وتاريخًا لا ينفصل".
واستطرد "لا يمكن فصل فلسطين عن حياة ياسر عرفات، كما لا يمكن نزعه من تاريخ فلسطين، ولا تكتمل فصول الحكاية إلا بمسيرته وكفاحه وتاريخه، فأبو عمار هو قلب الحكاية وشريانها الرئيسيّ، بل إنه أحد أسماء فلسطين الجديدة".
وشدَّد الحمد الله، على أنَّ "مدينة القدس التي لطالما ارتبطت بوجدان ياسر عرفات، حيث عاش فيها أعوام طفولته الأولى، وتفتحت عيناه على عبق قداستها وتاريخها، تواجه انتهاكات من الاحتلال غير مسبوقة، وتصعيد خطير يهدف إلى اقتلاع القدس من جغرافيا المكان، ونزعها من محيطها الفلسطيني ومن حضنها العربيّ والإسلاميّ، وتهويدها وتغيير معالمها وواقعها، ويتعرض فيه المسجد الأقصى المبارك إلى محاولات فرض التقسيم المكانيّ والزمانيّ".
وطالب، المجتمع الدوليّ بترجمة مواقفه المعلنة إلى خطوات فاعلة وجدية قادرة على إلزام الاحتلال بوقف انتهاكاته ضد القدس وأهلها ومقدساتِها، وحماية المدينة من التهويد والاستيطان والمصادرة، مؤكدًا "القدس خطٌ أحمر، ولن نسمح بالمساس بمكانتها وحضارتها، ولن نخضع لمحاولات مصادرة عروبتها وتاريخها".
ودعا الحمد الله إلى أوسع التفاف شعبي وجماهيري حول الوفاق الوطني، وإرث الرئيس الراحل أبو عمار "الذي سيبقى دائمًا البوصلة الوطنية، ونهجًا لا يحاد عنه، ومحركًا، ومحفزًا، لحماية العمل الوطنيّ التحرري نحو إقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة على حدود عام 1967، والقدس عاصمتها الأبدية".
أرسل تعليقك