توفي المفكر العربي اللبناني الكبير منح الصلح، ظهر السبت، في العاصمة اللبنانية بيروت، بعد سبعة وتسعين عامًا، نذرها في الدعوة إلى حلم قيام عصر عربي مختلف، غيرَ أنَّ الموت نال منه مثلما نالت من حلمه العصبيات والنظرات الضيقة والإقليميات والمذهبيات،على حد قوله.
اشتهر الصلح، برجل الميثاق المراهن على الأمل، على مدى تلك السنوات الـ97 استطاع أن يؤكد قدرته الكبيرة التي جمع فيها بين عمق الفكرة وقوة التحليل والقدرة على نحت مفرداته، بينما كانت أفكاره امتدادًا لإرث أسرة الصلح الفكري والعروبي والقومي.
وُلدَ منح الصلح عام 1927 في محلة "البسطة الفوقا" في بيروت، ويناديه أصحابه ومعارفه بلقب "البيك"، فهو ابن عادل الصلح شقيق الرئيس الراحل تقي الدين الصلح، وقريب رئيس الوزراء اللبناني الراحل رياض الصلح؛ كما أنَّ الصلح حفيد الباشا التركي رشدي فهيم بك.
وتنقل الصلح الشهير بـ"البيك" في دراسته بين مدرسة حوض الولاية ومدرسة أمين الخوري المقدسي الابتدائية في رأس بيروت، ثم دخل القسم الثانوي الفرنسي في الجامعة الأميركية وكذلك في مدارس المقاصد.
وانتمى الصلح إلى الجمعيات الطلابية في الجامعة الأميركية وأبرزها: العروة الوثقى والنادي الأدبي في الثانوية الفرنسية في الجامعة الأميركية، وسافر إلى فرنسا لدراسة الدكتوراة في الآداب العربية في جامعة السوربون، وفي ذلك الوقت مثّلت الجامعة الأميركية للصلح ما يعتبر الحي الجامعي والثقافي في رأس بيروت وفي لبنان. وهي بمنزلة الحي اللاتيني في باريس، من حيث التعدد والانفتاح.
وبدأ الكتابة في السادسة عشرة من عمره، وكتب في كبريات الصحف والمجلات التي صدرت في بيروت طوال أكثر من خمسة عقود؛ لكن أغلب مقالاته لم يوقعها.
أما المقالات التي وقعها نشرت في صحيفتي "النهار" و"السفير"، كما كتب في الحوادث أيام سليم اللوزي، وله إصدارات عدة أبرزها: "الانعزالية الجديدة في لبنان" و"المارونية السياسية" و"الاسلام وحركة التحرر العربي"، و"مصر والعروبة" و"الثورة والكيان في العمل الفلسطيني". كما قدَّم محاضرات في عدد من الجامعات والندوات الدولية والعربية.
ويعلل الصلح سبب بقائه عازبًا بالقول "كل عازب فيلسوف، ولو أنَّ كل فيلسوف ليس بالضرورة عازبًا"
يرى الصلح أنَّ أزمة لبنان الراهنة سببها عدم الاستفادة من دروس التاريخ، وخصوصًا ميثاق العام 1943 الذي جسّد مقاربة فكرية سياسية نجحت في المواءمة بين استقلالية الوطن وبين العروبة كفكرة جامعة.
ومن أبرز صفاته أنَّه كان منفتحًا على الآخر متحررًا من قيود الجمود والانعزال، ما ساعده في كسب ألقاب كثيرة منها: المفكر والعروبي ورجل النهضة وصاحب الميثاق والمثقف الموسوعي.
كما وصفه عدد من أصدقائه، بأنَّه صوت الضمير، وهو للإنسان كل الإنسان، هو للإنسانية جمعاء، وقالوا عنه أنَّه المعلم في فن الحديث والحوار الذي سار طيلة الوقت، ولا يزال، عكس مجرى النهر وصولًا إلى المنابع.
وتقديرًا لعطائه وعمله الدؤوب في مجال الفكر والسياسة، مُنح الصلح العديد من دروع التقدير وأقيمت له سلسلة تكريم في لبنان وعلى مستوى العالم العربي كما منحه رئيس الجمهورية اللبناني السابق ميشال سليمان وسام الأرز الوطني من رتبة "كومندور".
يشار إلى أنَّ مؤسسات وشخصيات عربية ولبنانية نعت الصلح منها: دار الندوة التي أسسها وترأس مجلس إدارتها منذ العام 1987، واللقاء اللبناني الوحدوي الذي أسسه وترأسه منذ العام 1992، والمنتدى القومي العربي الذي شارك في تأسيسه منذ العام 1992، ونقابة الصحافة اللبنانية ونقابة المحررين، والمؤتمر القومي العربي الذي كان أحد مؤسسيه عام 1990، وكذلك المؤتمر القومي الإسلامي الذي كان أحد مؤسسيه عام 1994.
أرسل تعليقك