توافد عدد من النازحين إلى أربيل، لغرض الهجرة إلى خارج العراق، ينتمون إلى فئات مختلفة من الأديان والطوائف، تتراوح أعمارهم بين 25 و45 عامًا، وينحدرون من المناطق الساخنة، هربًا من خطر مقاتلي تنظيم "داعش"، وهم يحملون حقائبهم بانتظار السفر إلى باريس، مرددين عبارات "لم يعد بوسع المسيحيين والمسلمين العيش معًا في العراق".
وأعلنت المديرية العامة لجوازات السفر في أربيل، الأحد، أنّ "آلاف النازحين يقبلون على استصدار جوازات السفر من المديرية لغرض الهجرة إلى خارج العراق"، مشيرة إلى أنها "تسلّمت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية نحو 9 آلاف طلب من النازحين الموجودين في إقليم كردستان".
وأوضح مدير جوازات محافظة أربيل العميد الحقوقي ديدار عمر قادر، في تصريح صحافي، أنّه "بموجب أمر إداري من المديرية العامة للجنسية في بغداد، حدد السبت من كل أسبوع موعدًا لاستقبال المراجعين من النازحين الموجودين في إقليم كردستان، وبعد استحصال الموافقة من وزير الداخلية في إقليم كردستان، بدأنا بتسيير معاملات النازحين في مديرية جوازات أربيل منذ 31 آب/ أغسطس الماضي، وخلال الأسابيع الثلاث الماضية تسلمنا نحو 9 آلاف طلب من النازحين".
وأضاف "على النازح أن يجلب معه وثيقة الجنسية العراقية وهوية الأحوال المدنية وصكًا بمبلغ 25 ألف دينار، إلى جانب بطاقة السكن، وهذا تسهيلاً للنازح، إذ لا نطلب منهم أي كتاب تأييد من وزارة الهجرة والمهجرين، فقط المستمسكات الرئيسة الأربعة التي ذكرتها، أما بالنسبة للذين فقدوا هذه المستمسكات فلا توجد أي تسهيلات لهم، لأنه وبحسب قانون الجوازات يجب على المواطن جلب الجنسية العراقية والوثائق الرئيسة الأخرى وإلا لا يمكن منحه هذه الوثيقة".
وأبرز المدير العام لجوازات أربيل أنّ "80 في المائة من الذين يتسلمون جوازات السفر، يسافرون إلى خارج العراق ولا يعودون إليه، وغالبيتهم من المسيحيين والإيزيديين، إضافة إلى بعض المسلمين أيضًا".
وأشار المواطن المسيحي هنري كوركيس، الذي كان يحمل بيده معاملة عائلته المكونة من 5 أفراد، إضافة إلى والدته المسنة، في تصريح إلى "العرب اليوم"، عن سبب الهجرة من العراق، إلى أنّه "لم يبقَ لنا شيء في العراق، كنائسنا حرقت وتعرضنا إلى إبادة من طرف (داعش)، ونهبت أموالنا وأملاكنا، وفقدنا وظائفنا، لم يبقَ شيء آخر لنا في هذا البلد، نحن نهاجر لنضمن مستقبل أولادنا في أوروبا".
وبيّن كوركيس أنه "يواجه مشكلة مع معاملة والدته"، مشيرًا إلى أنَّ "والدتي تبلغ من العمر نحو 75 عامًا، وقد فقدت بعض وثائقها بسبب ظروف النزوح، هنا لا يزودونها بجواز السفر، ويجب أن أراجع الجنسية في بغداد لإصدار جنسية جديدة لها، وهذا أمر صعب، نظرًا للظروف الأمنية السيئة، وثانيًا لا أستطيع البقاء أكثر من هذا الوقت، لأن البقاء في المخيم صعب جدًا، وأتمنى أن يراعوا أوضاعنا ويزودونا بجوازات السفر بسرعة".
بدوره، أكّد الخبير في شؤون الأقليات الدينية في العراق وإقليم كردستان خضر دوملي، أنَّ "الأقليات بشكل عام في العراق، لاسيّما الأقليات الدينية، ترغب في إيجاد مكان آمن"، موضحًا أنَّ "الأسباب التي أدت إلى ازدياد طلب الهجرة من طرف هذه الأقليات هي واقعية، تتمثل بسيطرة (داعش) على 90 في المائة من أراضي الأقليات في محافظة نينوى، وأدى هذا إلى انهيار الثقة بمؤسسات الحكومية التي كانت من المفروض أن تحمي هذه الأقليات ومناطقها وأملاكها، ولما انهارت الثقة اضطر المواطن إلى البحث عن مكان يشعر فيه بأن حياته مضمونة، وحقوقه مصونة".
ويصطحب إدور أحمد (40عامًا)، وهو موظف في إحدى المؤسسات الحكومية في الموصل، زوجته وأمه وابنته وابن أخيه إلى مدينة غرب فرنسا، وكل ما تبقى لديهم من متعلقات هي الملابس التي يحملونها .
ولفت أدور إلى أنَّ "الوضع في العراق لا يبشر بخير، ولا يوجد أي مستقبل للعيش بين المسلمين والمسيحيين هنا، تركت حياتي، أنا في منطقة وسطى بين الحزن والسعادة، لكن مع داعش لا يمكننا العودة".
وغادرت العديد من العوائل الموصل بعد أن وجه لها متطرفين إنذارًا، "إما اعتناق الإسلام وإما القتل"، فيما يسيطر مقاتلو "داعش" على مساحات كبيرة من العراق وسورية.
وقادت فرنسا الجهود الأوروبية لتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين، ونقلت الطائرة التي أرسلتها الحكومة الفرنسية، وهي من طراز "آيرباص إيه 310"، عشرة أطنان أخرى من الأغطية والخيام والآنية ومستلزمات النظافة، قبل أن تنقل اللاجئين في رحلة إلى باريس.
ولفت دبلوماسي فرنسي إلى أنّ "هناك أناسًا ينامون في الشوارع في هذه اللحظة لكن الهدف الرئيسي لهذه الشحنة هو إمداد الآلاف الذين سيبقون هنا (في العراق) استعدادًا لفصل الشتاء."
وشنّت المقاتلات الحربية الفرنسية ضربات داخل العراق، الجمعة، للمرة الأولى في إطار تحالف دولي سيركز في البداية على طرد تنظيم الدولة الإسلامية من العراق وإعادتهم إلى قواعدهم في سورية، كما قدمت فرنسا أيضًا أسلحة معظمها مدافع رشاشة وذخيرة لمقاتلي القوات الكردية " البيشمركة".
وتتعرض فرنسا لضغوط من الرأي العام لقبول مزيد من المسيحيين من الشرق الأوسط، بعدما استقبلت حوالي 100 شخص، منذ أن بدأ تنظيم "داعش" هجومه في العراق، حزيران/ يونيو الماضي.
ووصل نحو 40 مسيحيًا من شمال العراق، في نهاية آب/ أغسطس، وفقًا لمعايير صارمة بأنَّ لديهم روابط عائلية في فرنسا، وموارد تكفي للعيش هناك، فيما وصل 60 آخرون بوسائلهم الخاصة.
ويصف غالبية اللاجئين العراقيين ذهابهم إلى الدول الغربية بـ"المجهول"، فقليل منهم يتحدثون الإنجليزية، ولم يسافر معظمهم قط إلى بلد أجنبي.
وليس لدى باهر (60 عامًا)، وهو صيدلي من بلدة "بعشيقة" في محافظة الموصل، أمل في الحصول على وظيفة في فرنسا، وهو كبير في العمر، ولا يجيد اللغة الفرنسية، لكنه يتوجه هو وابنتاه وابنه وزوجته إلى مدينة ليون، حيث يعيش شقيق زوجته.
وأبرز "الوضع هناك (في بعشيقة) بات مستحيلاً عندما جاء داعش"، مضيفًا "يريدون تطبيق الشريعة، يريدون فرض إسلامهم ولا يريدون أي مسيحيين، هربنا من بعشيقة إلى أربيل في أول آب/أغسطس، كان هناك قصف واشتباكات بين داعش والبيشمركة".
وأردف "داعش استولت على كل شيء، الطعام أجهزة التلفزيون الثلاجات كل شيء، من الصعب أن تظل هناك كمسيحي".
وانخفض عدد السكان المسيحيين في العراق إلى أكثر من النصف خلال العقد المنصرم من نحو مليون شخص، قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003، إلى 400 ألف شخص تقريبًا مع حلول تموز/ يوليو من العام الجاري.
واضطر أحمد (28 عامًا)، الفني في مجال صحافة المعلومات، وهو من السُنة، إلى الرحيل، لأنّه لم يجد أيّة فرصة عمل في بغداد، وحتى في أربيل، بسبب كثافة النازحين إلى إقليم كردستان، حيث سافر إلى فرنسا .
واعتبر وجوده في فرنسا "فرصة لبدء حياة جديدة، نحن في بلد مثل العراق هنا لا يمكن أن نعيش بأمان بعد ذلك، عائلتي لا تقبل الاستمرار في ضوء الخوف والرعب هذا."
وتابع أحمد "كنت محظوظًا أن اصعد على متن هذه الطائرة"، مشيرا إلى أنّه "ليس له أي روابط في فرنسا خلافًا للكثير من الأشخاص الذين كانوا ينتظرون الصعود على متن الطائرة الحكومية"، مؤكّدًا "لا اعتقد أنني سأعود".
وكشفت الأمم المتحدة أنَّ "هناك نحو 1.2 مليون نازح عراقي، بينهم 850 ألفًا في إقليم كردستان، الذي يتمتع بالحكم الذاتي شمال العراق، حيث يعيش كثيرون في ظروف قاسية".
وفرّ ما يقدر بنحو 200 ألف مسيحي من منازلهم في منطقة نينوى، شمال العراق، منذ أن اجتاح تنظيم "داعش" قراهم هذا الصيف، وطالبهم باعتناق الإسلام ودفع الجزية لكونهم مسيحيين وإلا فإنهم سيواجهون الموت.
وكان من بين الأشخاص الذين سافروا جوًا إلى باريس، السبت، عدد من اليزيديين الذين فروا من منازلهم في جبل سنجار، بعد أن استولى متشددو "داعش" على بلداتهم، ونفذوا عمليات إعدام جماعي في آب/ أغسطس الماضي.
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي استقبل اللاجئين شخصيًا في مطار "شارل ديغول"، السبت، أنّ "استقبال الكثير من اللاجئين يمثل انتصارًا رمزيًا لتنظيم (داعش)، الذي يهدف في نهاية المطاف إلى تخليص البلاد من كل الذين يعارضون النهج الإسلامي الذي يطبقه".
ولا يتصور الكثير من اللاجئين الذين يعانون من آثار التجربة التي مروا بها خلال الشهور الثلاثة الماضية أنّ بإمكانهم العودة أبدًا إلى بلد مقسم بشدة على أساس عرقي وطائفي.
أرسل تعليقك