صورة لأطفال غزة
غزة ـ محمد حبيب
يُعد الدخول إلى غزة أمرًا غاية في الصعوبة، نتيجة لتحكم الكيان الإسرائيلي في المعابر، حيث يختار من يشاء لدخول القطاع، والأهم من يغادره.
وتقول صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، في تقرير لصحافييها هناك، أنه يستثنى من هذا الصحافيين أو نشطاء المنظمات غير الحكومية، حيث يوجد احتمال أن يتم توقيفك في مطار إسرائيل،
لأنه بمثابة الحدود عند معبر "إيريز"، ولكن بمجرد الحصول على إذن للذهاب إلى غزة، يمكنك أن تدرك أنها ليست مثل أي مكان آخر، حيث تجد نفسك مضطرًا، بعد الحصول على الطوابع اللازمة في جواز سفرك، لمشي مسافة 800 مترًا، من خلال قفص طويل، يراقبه الجيش الإسرائيلي من خلال نقط مسلحة، وبالونات ثابتة مزودة بالكاميرات، لمراقبة ما يجري، والذي يطلق عليه السكان المحليون "أكبر سجن مفتوح في العالم"، لتصل في نهاية هذا السجن إلى أول نقطتي تفتيش للسلطة الفلسطينية، وحركة "فتح" المعتدلة،
"فتح" لا تدير غزة، منذ وصول "حماس" إلى الحكم في القطاع، التي لا تعترف بإسرائيل، والتي لن تبلغ الإسرائيليين على جانبهم من الحدود بأنك عائد مرة أخرى.
وتبعد مدينة غزة (الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على كل من المدينة والأراضي التي تبلغ مساحتها 400 كيلومترًا مربع) بضعة كيلومترات من إسرائيل الحديثة، وهي، مثل الكثير من المدن العربية الأخرى، فقيرة فقط، لاسيما بعد حرب الأيام الثمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر بين "حماس" وإسرائيل، حيث أصبح العديد من المباني في وسط المدينة في حالة خراب تام، مثل كعكة الزفاف المنهارة، نتيجة للصواريخ التي هاجم بها الكيان الإسرائيلي المدينة.
ويبلغ عمر مدينة غزة حوالي 5 ألاف عام، وهي واحدة من أقدم المدن في العالم، حيث كانت في ذلك الوقت ميناءًا مزدهرًا، على عكس حالتها اليوم، التي تتسم بالفوضى، لسبب مخيمات اللاجئين والفقر.
ووفقا للأمم المتحدة، ينتمي 1.5 مليون شخص إلى هذه المنطقة، ما يجعل غزة واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، على الرغم من وجود 1.1 مليون لاجئ، وهم الذين عاشوا في البلاد التي يطلق عليها الآن إسرائيل، قبل العام 1948، ويرفضون التخلي عن الاعتقاد بأنهم سيعودون إلى ديارهم السابقة في يوم من الأيام.
وتتوقع الأمم المتحدة أنه مع حلول العام 2020، فإن عدد السكان سوف يكون أكثر من 2 مليون نسمة، وأن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد من حوالي 2700 دولار في حلول العام 2015، سيكون أقل مما كان الناس يكسبون في العام 1990، وتحتاج المستشفيات إلى 800 سرير إضافي الآن، ومع حلول العام 2020، ستحتاج إلى ألف طبيب وألفين ممرضة.
ويتسبب حصار الكيان الإسرائيلي لغزة في جعل الحياة صعبة للغاية، والذي يبرر العقوبات لأسباب أمنية، حيث سقط، قبل حرب العام الماضي، أكثر من ألفي صاروخ من غزة على جنوب إسرائيل، في الماضي، وشن نشطاء من غزة هجمات من داخل القطاع.
وفي العام 2006، تعهدت "حماس"، وهي منظمة ذات أيديولوجية إسلامية متشددة، منذ نشأتها بالقضاء على إسرائيل، ومن المستغرب أنها فازت بالانتخابات في غزة، التي أظهر استطلاع أنها كانت الأكثر ديمقراطية في تاريخ العالم العربي.
وتدهورت الحالة في 2007، عندما انهارت حكومة الوحدة بين "فتح" و"حماس"، التي تسيطر على الأراضي الفلسطينية الأخرى، وهي الضفة الغربية، وسط أعمال عنف مروعة، أسفرت عن مقتل 120 شخصًا على الأقل، البعض أعدم علنًا، والبعض الآخر تم الدفع بهم من أعلى البنايات الشاهقة، وبعد المعركة، حاصرت كل من إسرائيل ومصر غزة، على أساس أن حركة "فتح" لم تتمكن من توفير الأمن، والآن تتفقد إسرائيل معظم ما يدخل ويخرج من غزة، وتحدد الإمدادات، بل تحدد المواد التي تصل إلى الناس هناك.
وبعد حرب استمرت ثمانية أيام، بين إسرائيل و"حماس"، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أفاد تقرير من سكان غزة أن هناك زيادة في المعروض من السلع، ولكن شعور إسرائيل بالقلق إزاء احتمال إطلاق الصواريخ في إتجاه جنوب البلاد وتل أبيب، جعلها تستمر في حصارها.
الشهادات التي تأتي على مدى الصفحات التالية هي لقطة صغيرة عن الحياة في غزة، من قبل الناس، الذين نادرًا ما يمكن الوصول إلى أصواتهم، واللافت للنظر هو أن جميع الصور في هذا الموضوع لرجال، حيث لم نجد العديد من النساء الذين كانوا على استعداد للتحدث وأن يتم تصويرهن، على مدار يومين ونصف من العمل في غزة، ولكن كانت هناك زوجة لمزارع، وهو سعيد جنيد، وتحدثت معنا فقط لأن زوجها كان معنا أيضًا. ولكن لم نجد امرأة كانت على استعداد للتحدث إلينا بصورة مستقلة، والشيء الآخر الذي كان لافتًا للنظر هو أن عددًا قليلاً من الناس كانوا متحمسين لـ"حماس"، التي نجت مرتين من الصراع مع الإسرائيليين المسلحين بأفضل الأسلحة في السنوات الأخيرة، وعرضت نجاتها بوصفها نجاحًا، ولكن الناس العاديين في غزة غير مبالين إلى حد كبير بالأعلام التي يتم التلويح بها والمعارك العسكرية، ومثل أي مكان آخر، يريدون حياة أفضل، وقلقون بشأن مستقبل أطفالهم.
وجميع من تحدثنا إليهم في غزة أعربوا عن تعبهم من الوضع الحالي، فقد وصلت "حماس" إلى السلطة ليس لكونها جماعة مسلحة وعازمة على تدمير إسرائيل، ولكن من خلال توفير الرعاية الاجتماعية والمستشفيات والتعليم للأطفال، وعلى الرغم من استمرارها في توفير هذه الخدمات، التي تشتد الحاجة إليها، لم تتحسن ظروف الناس العاديين، حيث أن ما يقرب من 50% من سكان غزة لا يجدون وظائف، والمهم هو أن العمل، حتى ذلك الذي توفره الأمم المتحدة، والتي لها وجود كبير وضروري في غزة، يذهب إلى الأشخاص الذين لديهم روابط مع "حماس"، وارتفع في مخيمات اللاجئين الضخمة، التي تجدها في جميع أنحاء قطاع غزة، معدل البطالة بصورة كبيرة.
هذه ليست دراسة علمية للحياة في غزة، أكثر منها صورة مثيرة للإهتمام للأفراد الذين التقينا معهم هناك، وعلى الرغم من أنهم لا يعانون من مجاعات أو انتشار الأمراض الفتاكة، إلا أن حياة اليومية للناس في غزة لا تزال بائسة، الإحباط واضح في هذه الأرض، التي لديها تاريخ عنيف، ولكن اختلاط الإحباط مع وجود الأسلحة، وعدو واضح، أصبح مزيجًا خطيرًا جدًا في الواقع.
التجربة الأولى جاءت بعنوان "لسبب القيود، لا نستطيع اصطياد الأسماك بشكل جيد"، حيث يقول رشاد الحيسي (67 عامًا)، وهو صياد كان يعمل مع زملاءه من الشباب، وقضى الصباح في إجراء الإصلاحات على شبكة اصطياد السردين على الشاطئ، والذي يشكل واحدًا من حدود مدينة غزة، وهو يصطاد من هذه المياه منذ العام 1962، يقول "غزة في موقف سيء جغرافيًا لصيد الأسماك، نحن في زاوية من البحر الأبيض المتوسط، والسمك الكبير المكلف لا يسافر كل هذه المسافة حتى نحصل عليه، لذلك يجب علينا الخروج إلى البحر"، ويضيف أنه "لم يكن هناك مشكلة في أول 20 عام من حياتي، كنت قادرًا على اصطياد الأسماك أينما أردت، وغزة، وهي واحدة من أقدم المدن في العالم، كانت تنبض بالحياة، مع الكثير من السياح القادمين للاستمتاع بالشواطئ الجميلة، والحفاظ على أعلى معدل للصيد".
لكن ذلك كان وقتها، الأن لديه 14 طفلاً يرعاهم في المنزل في مدينة غزة، في حي الشاطئ، أو مخيم الشاطئ للاجئين، حيث يسكن في كل ثلث ميل مربع من الشوارع حوالي 90 ألف شخص، لذلك أصبحت الحياة أكثر صعوبة على رشاد والصيادين في غزة.
ويلوم رشاد مجموعتين، وهما الإسرائيليين والمصريين، والعثور على أشخاص يلقون باللوم على الإسرائيليين لظروفهم في غزة ليس أمرًا صعبًا، ولكن بالنسبة للصيادين، تسببت سياسات الدولة اليهودية في غزة بآثار مباشرة عليهم، فعندما زرنا رشاد، سمح الإسرائيليين لصيادين غزة صيد السمك من على بعد ستة أميال من الساحل، وهي السياسة التي تغيرت لتصبح ثلاثة أميال فقط منذ ثلاثة أسابيع، ردًا على إطلاق الصواريخ من القطاع على جنوب إسرائيل، خلال زيارة باراك أوباما.
وأوضح لنا رشاد قائلاً "يمكننا صيد سمكة كبيرة من على بعد 10 ميل من البحر، فكيف يفترض بنا أن نصطاد الآن، ولسبب هذه القيود نحن نصطاد أسماك أقل، ونجني مالاً أقل، نحن دائمًا ما نقع في مشاكل، لأن القوارب غير مزودة بتجهيزات متطورة للملاحة، ونحن نذهب لصيد السمك، وبعد ذلك نكتشف أننا على بعد سبعة أميال في البحر، وهنا نقع في الورطة، لكنهم ليسوا الإسرائيليين فقط الذين يقبضون علينا، المصريون أيضًا يمنعوننا من الصيد في مياههم، لكنهم يأخذون الأسماك من مياهنا أيضًا، حيث كان هناك أنواع اعتادت أن تكون وفيرة هنا، مثل سي باص والبوري الأحمر فنحن لم نعد نراهم، ولكن بطبيعة الحال، فإنه من الأفضل أن يتم القبض علينا من قبل المصريين بدلاً عن الإسرائيليين".
ويذكر رشاد أن هناك الآن 3500 صياد في غزة، يعملون في 700 قارب، كلهم يتنافسون للحصول على هذا الصيد الصغير، متسائلاً عن إمكان تتحسن الأمور، ويجيب "إن شاء الله، سيكون هناك سلام، وحتى ذلك الحين، نأمل أن لا يتم القبض علينا".
أما تجربتنا الثانية فتحمل عنوان "قبل الحرب كان من الخطر أن تكون مزارعًا"، حيث سألنا سعيد جنيد، وهو مزارع يبلغ من العمر 53 عامًا، لإجراء حوار معه بينما كان مسافرًا على طول طريق ترابي على ظهر عربة يجرها حمار، على بعد حوالي نصف ميل من الحدود المحصنة مع إسرائيل، وتوقف السيد جنيد البشوش، ودعانا إلى مزرعته لتناول القهوة، حيث تجمع أفراد أسرته على الطريق الترابي، هناك أخبرنا أن "المزارعين، الذين كانوا يزرعون الزيتون والتمور والفواكه الحمضية، هم من بين أكبر الخاسرين من حصار غزة، حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بمنعهم من الاقتراب من الجدار الأمني في كثير من الحالات، وقد خسر المزارعون مساحات كبيرة من الأراضي".
لكن جنيد، الذين يبدو على فمه أنه مبتسم دائمًا، هو واحد من المتفائلين في الحياة، وقال "الحياة هنا منذ حرب (الثمانية أيام) بين إسرائيل وحماس تحسنت، وكان من الخطير جدًا أن تكون مزارعًا، صدقوني، عندما يخرج أحد أبنائي على العربة التي يجرها الحمار في الصباح، أكون في غاية القلق بشأن ما إذا كان سيعود أم لا".
ويعتبر أطفال جنيد، في ما يوصف باسم أكبر سجن مفتوح في العالم، هم أكبر مخاوفه، حيث أوضح "أريد مكانًا آمنا حيث يشعر أولادي وأسرهم بالآمان في أرضهم، أنا لا أتحدث عن الغد، ولكن علينا أن نؤمن بالمستقبل، على الرغم من أن الأمور تتغير، قد يحدث ذلك في وقت متأخر بعد انتهاء حياتي، ولكن هذا ما آمل فيه لأبنائي".
كان والد جنيد قد زرع أشجار الفاكهة في المزرعة في العام 1956، بما في ذلك بستان الليمون، حيث أخذنا جنيد لشرب كوب من القهوة العربية الثقيلة، هناك حاول العمل طوال حياته، هو شخص ضمن الذين شعروا بقوة الجيش الإسرائيلي، الذي دمر منزله خلال غارات عام 2004، الأمر الذي أخبرنا عنه "جاؤوا في منتصف الليل، وفي الصباح كانت هناك مفاجئة للجميع، فقد هدم منزلي، ولم يقدم لي أي تفسير لذلك".
لكن جنيد من نوعية الأشخاص الذين يتغاضون عن جميع المشاكل السابقة، لصالح إتفاق سلام دائم، معتبرًا أن "السلام أمر ضروري، ودون ذلك فإننا سوف نتحمل مثل هذه الحياة الرهيبة"، وإلى جواره جلس ابنه الصغير، عاشور البالغ من العمر 13 عامًا، والذي لدغته نحلة في عينه أخيرًا، ويسألنا المزارع "ماذا سيفعل ابني مع هذه الحياة، أنا أريده أن يكون طبيبًا أو محاميًا، لدي نفس التطلعات مثل أي والد في الغرب، ولكن هنا، وعلى هذا النحو، هل يوجد فرصة حقًا؟".
تجربتنا الثالثة كانت مع صاحب مقهى، وهي بعنوان "نحن لسنا سياسيين، يمكن لأي شخص أن يأتي لشرب قهوتنا".
رمضان مالشا يجلس في مقهى ذو واجهة بحرية جنوب مدينة غزة، ويمكنك تصور شكل المكان هناك، إنه مكان يتمتع بكل المزايا الطبيعية في مدينة على البحر الأبيض المتوسط، وإذا تم ضمان اكتمال عملية السلام الدائم، فيمكن تخيل شركة "طومسون" السياحية، وهي تقدم عروضًا شاملة في المنتجعات الفاخرة هناك.
الشخص الذي لديه مثل هذه الرؤية، أو ربما بصورة أكثر دقة، نسخة منها هو رمضان مالشا، صاحب مقهى إسطنبول، التي تقع قبالة الشاطئ، التقينا معه بعد أن توقفنا في المقهى، وهو مكان كهفي كبير، يمكن أن يصبح مقصدًا للكثير من البريطانيين، الذين يبحثون عن أشعة الشمس في الصيف، قد يكون كل ذلك مجرد أحلام، ولكن مع ذلك، يقول مالشا أن "العمل مزدهر، نحن مكان رخيص للرجال للتنزه فيه مع رفاقهم وتناول القهوة، أو للأسر القادمة في عطلة نهاية الأسبوع، للحصول على وجبة، وهذا يعطينا مبيعات جيدة"، وأضاف "جميع أنواع الناس يأتون إلى هنا، فهنا تقام اجتماعات رجال الأعمال، ويأتي كذلك الأشخاص الذين يستخدمون الشاطئ، والعاطلين عن العمل، الذين يأتون إلى هنا لتمضية الوقت، نحن لسنا رجال سياسية، وأي شخص مرحب به ليأتي لشرب القهوة لدينا، حتى لو كان آرييل شارون (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) سيكون محل ترحيب، طالما أنه اشترى القهوة، الأمر الذي لن يكلفه أكثر من 5 شيكل"، الشيكل هو العملة الإسرائيلية، وتعادل 90 قرشًا استرلينيًا".
وقدم لنا رمضان ابنه ياسر البالغ من العمر 19 عامًا، الذي من المقرر أن يتزوج في غضون بضعة أسابيع، أخبرنا "بالطبع، الشيء الذي أريده لابني هو أن يكون سعيدًا، لكن ما عدا ذلك أريد له أن يفعل ما هو أفضل مما فعلت، أريد لابني أن يكون طبيبًا، أو ربما حتى صحافيًا، ولكن هذا صعب جدًا لأن نظام التعليم هنا ليس كبير جدًا".
وفي مكان آخر في مقهى "إسطنبول"، يرى محمد ملحاطي، البالغ من العمر 33 عامًا، المستقبل بنظرة أقل تفاؤلاً من رمضان، حيث أصبح عامل البناء السابق عاطلا عن العمل منذ فترة.
وتساءل "لماذا ألوم إسرائيل، أنا ألوم حماس وفتح لعداوتهما، الطريقة الوحيدة لإنقاذ غزة هو حل الحكومة، والتخلص من حماس، والتخلص من حركة فتح، والبدء في تشكيل حكومة جديدة من البداية"، موضحًا أنه يجلس في إسطنبول بعد ظهر كل اليوم، لأنه لا يوجد شيئًا آخر للقيام به.
وفي لقائنا الرابع في مدينة غزة، الذي حمل عنوان "حماس هي المسؤولة عن هذا المأزق"، يحدثنا خالد هميس، عاطل عن العمل في مخيم الشاطئ قائلاً "في غزة، يسمونه مخيم الشاطئ، وهي قرية مترامية الأطراف، أصبحت موطنًا لأولئك الذين كانوا يعيشون في إسرائيل، وأطفالهم، ومن المعروف رسميًا عن المخيم الترابي، وغير المنظم والقذر، بأنه مخيم الشاطئ، وهو موطن، وفقًا لبعض التقديرات، ما يقرب من 100 ألف شخص، كلهم يعيشون في أقل من نصف ميل مربع".
في اليوم الذي ألتقينا فيه خالد هميس، كان يفعل الشيء نفسه الذي يقوم به على مدى العقد الماضي، وهو "لا شيء"، حيث كانت أخر مرة حصل فيها على وظيفة منذ 10 أعوام، وتقريبًا قضى كل يوم في تلك الأعوام في لقاء أصدقائه العاطلين عن العمل في الشارع، والجلوس على أثاث الحدائق الرخيصة، وليمضي اليوم في الحديث وشرب الشاي، وأوضح لنا "نحن نشعر بالملل، فقد اعتدت أن أذهب للعمل في إسرائيل، ولكن الآن فإن الوضع أصبح أسوأ وأسوأ، فليس لدى أي من هؤلاء الناس وظيفة"، حيث كان يجلس هميس، البالغ من العمر 47 عامًا، مع سبعة أو ثمانية رجال آخرين، وهم في وضع مماثل له، وحين تركنا المقهى، كان هناك حوالي 40 شخصًا في الشارع، ولم يقل أي منهم أنه لديه عمل منتظم.
ويضيف هميس، وهو يسبح بإصبعه، أنه في حالة ميؤوس منها، "نحن لسنا كسالى، ولكن كل الوظائف تذهب للأشخاص الذين لديهم اتصالات مع حكومة حماس، فهناك الكثير من برامج الأمم المتحدة هنا، ولكن للحصول على العمل معهم، عليك أن تعرف الأشخاص المناسبين، وحوالي 80% من الناس في المخيم يعانون من نفس الموقف".
ولا يملك هميس وأصدقائه، الذين يجلسون على بعد أمتار قليلة من مدخل الطريق الذي يسكن فيه رئيس وزراء حماس إسماعيل هنية، والذي يخضع لحراسة مشددة، شيئًا غير انتقاد الجماعة الحاكمة، وعن المسؤول عن هذا المأزق، يرى أن "الحرب الأخيرة عادت بنا إلى نقطة الصفر، إنها حكومة حماس، هم المخطئون، لهذا كل الوظائف تذهب إلى أنصارهم، ولديهم كل القوة"، وعندما ذكرنا إسرائيل، قال هميس وأصدقائه أن الدولة اليهودية يقع عليها اللوم أيضًا، ولكن من الواضح أن المصدر الرئيسي للانزعاج هو الرجل الذي يعيش على هذا الطريق والحزب الذي يديره.
وأما بالنسبة للسلام، فترى هذه المجموعة من الرجال أنه "ليس هناك فرصة، عملية السلام مع إسرائيل شيء لن يحدث أبدًا، لا أحد في إسرائيل يريد السلام"، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، الذي اغتيل في العام 1995، ويقول "عندما لا تجد شخص يريد السلام، إنهم يقتلون السلام، فما هو الأمل؟".
وتحت عنوان "إنهم يغرقون الأنفاق وهي مصدر الدخل الوحيد لدينا"، كتبت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية عن لقاء حسن عبد الله، وهو عامل في نفق رفح، وهي ثاني أكبر مدينة في غزة، وتتميز بطقسها الحار، وهي كذلك المدينة الصناعية، ذات الأجواء الترابية على الحدود المصرية، وصناعتها هي الأنفاق، ويعمل معظم الرجال في الأنفاق، التي تهرب من خلالها السلع إلى داخل الإقليم، للتحايل على الحصار.
الأنفاق المثيرة للجدل، تقلق الإسرائيليين بشأن الأسلحة الآتية إلى غزة من خلالها، بينما "حماس" قلقة بشأن ما هي البنود غير المشروعة، وغير الإسلامية، التي تدخل من خلالها، أم المصريين، الذين غمروا الأنفاق بالمياه، في شباط/فبراير الماضي، قلقون من الأشخاص القادمون من الضفة الآخرى، بحثًا عن حياة أفضل.
ونظرًا للطبيعة الحساسة لما يدور في أنفاق رفح، لم يكن مفاجأة أن السلطات المشرفة على العمل لم تكن تريدنا التحدث إلى الرجال.
ولكن خارج البوابات الأمامية لأحد المواقع، قال حسن عبد الله (وهذا ليس اسمه الحقيقي)، والذي كان على وشك بدء دوامه ومدته ثماني ساعات، لتحويل البضائع التي تصل إلى غزة، والذي كان حريصًا على وصف حياته كعامل في النفق، "إنه أمر مثير للقرف، أنا أحصل على حوالي 100 شيكل، أي 18 جنيه إسترليني في اليوم، وأنا أسحب الحصى إلى قطاع غزة، نعم ، إنه عمل مهم، لأنه كيف ستدخل هذه البضائع دون الأنفاق؟، نحن نخاطر بحياتنا وأطرافنا كل يوم، بالأمس فقط ، فقد شخص يعمل في نفق لدينا إصبعه، ونحن لا نملك حتى قفازات للحماية".
قد يكون من المتوقع أن يلقي عبد الله باللوم على إسرائيل لهذا الوضع، وذلك لحصار الدولة اليهودية لهم، ولكنها ليست المحور الرئيسي لغضبه، حيث قال لنا "ما الذي تفعله بقية الدول العربية، انظروا إلى هذه الحالة التي وصلنا إليها، نحن نحصل على كل شيء من خلال ثقوب في الأرض، مَن على وجه هذا الكوكب مضطر لعمل كل هذا، كل ما نريده هو أن نعيش مثل أي شخص آخر، وأنا أريد أن أتزوج، ولكن كيف يمكنني ذلك إذا كان كل المال الذي أحصل عليه يكفي الطعام فقط؟"، وأضاف "والآن يغرقون الأنفاق، حتى أنهم يريدون قطع الشيء الوحيد الذي يوفر لنا دخلاً".
ويوضح عبد الله أنه "رجل وطني فلسطيني، ومع ذلك ، يلوم حماس أيضًا، لأن لها دور في إغراق الأنفاق، هم بالتأكيد، يريدون وقف التهريب، لاسيما تهريب المخدرات، ولكنهم يريدون أيضًا فرض ضريبة على كل شيء أيضًا، إنهم يريدون أن تكون الأنفاق أقل، حتى يتمكنوا من السيطرة عليها، وكسب المال منها لأنفسهم أيضًا".
وتحت عنوان "لقد تغيرت الحياة كثيرًا في غزة"، نتعرف على أحمد يوسف، وهو واحد من أهم المحركين في غزة، أكاديمي وصحافي ومهندس، وكاتب لسياسات "حماس"، تم تعيينه مستشارًا لرئيس وزراء "حماس" إسماعيل هنية، في العام 2006، أما الآن هو شبه متقاعد، وقال إنه يدير جلسات فكرية، لها علاقات مع الحكومة الإسلامية، ويوضح أن "بعض الشكاوى الأكثر شيوعًا لدى كثيرين في غزة هو أنهم لا يمكنهم مغادرة القطاع، والوظائف التي كانوا يعملون بها في إسرائيل لم تعد متوفرة لهم، وفرص أبنائهم للسفر إلى الخارج لاستكمال تعليمهم تنحسر بسرعة".
لحسن حظ يوسف، البالغ من العمر 63 عامًا، لم يواجه أي مشكلة من هذا القبيل، فقد أصدر نسخة من كتابه الأخير باللغة العربية في الولايات المتحدة، وقال إنه يتحدث باستفاضة عن حياته، حيث قضى معظم حياته الأكاديمية في الولايات المتحدة، بعدما غادر غزة في العام 1982، لكنه قضى سنوات أيضًا في الخليج، وشمال أفريقيا، في ذلك الوقت، لم يكن لديه جواز سفر، ولكنه كان يحمل وثائق سفر إسرائيلية، هو الآن يجتمع مع دبلوماسيين سويسريين للحديث عن أحدث مظاهر التقارب بين "حماس" ونظيرتها السياسية المعارضة لسياستها "فتح".
وقال أنه "ليس حريص على مناقشة حياته، أو المشاكل التي يعاني منها سكان غزة العاديين هنا، ولكنه سعيد بالعودة والعيش مع عائلته، وأنه لا يعالج إتهامات عمال أنفاق رفح"، مُبينًا "إن إغراق الأنفاق له بعد أعمق مع الوضع السياسي في مصر"، ويضيف أنه "ليس لديه أي فكرة عن الضرائب التي يتم فرضها من قبل حماس على السلع التي يتم استيرادها، وهو أيضًا حريص على إجراء محادثات بشأن مستقبل فلسطين المتحدة، بدلاً عن الإسرائيليين، ولكن هناك غضب من احتمال عودة وزير خارجية إسرائيل الأسبق أفيغدور ليبرمان، الذي لا يزال اسمه في محاكمة بالغش، والذي يلقى عليه باللوم لأخذ الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات في الضفة الغربية"، وقال "لقد تغيرت الحياة كثيرًا هنا، ولكن لا يمكن القول أن هذا التغيير كان للأفضل".
يذكر أن دليل السفر البريطاني يحذر من أن حالة المدينة غير مستقرة للغاية، ولا ينبغي على السياح الذهاب إليها، وتنصح وزارة الخارجية البريطانية مواطنيها بعدم السفر إليها، لأن هناك تهديد كبير لسبب الإرهاب، لذلك لا يمكنك زيارة أي جزء من الأراضي الفلسطينية، وإذا قمت بذلك، لا يوجد لدينا "رجال" هناك لمساعدتك.
أرسل تعليقك