تشهد مدينة القدس إلى جانب المواجهات الشبه اليومية في الحَرَم القدسي الشريف صراع سياسي يتمثل في سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتدشين حملته الانتخابية المُقبلة في مجتمع إسرائيلي متطرِّف، بأنه استطاع أنَّ يفعل لم يسبقه إليها أي رئيس وزراء إسرائيلي سابق، وهو فرض السيطرة الإسرائيلية المطلقة على المسجد الأقصى الذي يسمى في إسرائيل بـ"جبل الهيكل".
ويسعى نتنياهو إلى فرض دخول المستوطنين للحَرم القدسي بشكل يومي وفي وقت محدد لهم كأمر واقع معاش فلسطينيًا وإسلاميًا، ليقدمه للمتطرِّفين الإسرائيليين كإنجاز لكسب أصواتهم في الانتخابات المُقبلة بوصفه رئيس الوزراء الذي فرض السيادة الإسرائيلية على الحَرَم القدسي وأسّس لنزع الوصاية الأردنية المتواصلة منذ احتلال الأقصى العام 1967.
لذلك ما تشهده القدس سواء من اقتحامات للمستوطنين للحَرَم القدسي أو تصدي المصلين لهم بدعم فلسطين وأردني هو في جوهره صراع على السيادة على المقدّسات، والذي من شأنه أنَّ يؤسس لطبيعة أي حل للصراع في المدينة.
وفي ذلك الاتجاه، أكد المحلل الإسرائيلي أليكس فيشمان، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الخميس، أنه مهما أطلقت من أسماء على ما يحصل من القدس، انتفاضة أو هبة شعبية، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ ما يحصل هو معركة قاسية على السيادة في القدس.
وبحسبه فإنَّ "الفصائل الفلسطينية كافةً شكلت جبهة تهدف إلى التخلص من الحكم الإسرائيلي، في حين أنَّ إسرائيل تستطيع إثبات أنَّ العنف الغير المجدي بإحدى طريقتين؛ إما العودة إلى المفاوضات السياسية أو تفعيل المزيد من القوة العسكرية وحشد المزيد من قوات الشرطة".
وأضاف أنَّ حركة حماس معنية بالمواجهات في القدس؛ لتحسين مكانتها وإزالة حالة الشلل على طول حدود قطاع غزة، بينما ترى السلطة الفلسطينية "العنف" في القدس على أنه أداة سياسية مركزية في الانتفاضة الدبلوماسية التي تقودها ضد إسرائيل في الساحة الدولية، وصور المواجهات في القدس التي تشدّ الاهتمام العالمي هي "صور كلاسيكية للاحتلال"، باعتبار أنَّ الرئيس الفلسطيني يسعى إلى عرض فلسطين في صورة "دولة تحت الاحتلال" وليس كسلطة أو كيان.
واكد أنه "عندما تشتعل القدس فإنَّ أبو مازن يوضح لإسرائيل أنَّ الأخيرة غير قادرة على السيطرة الفلسطينيين في المواقع التي لا تخضع للسلطة الفلسطينية، وبالتالي فإنَّ إسرائيل تتورط في "أحداث العنف"، وأنه في اللحظة التي يتوقف فيها التنسيق الأمني فإنَّ إسرائيل ستتورط داخل الضفة الغربية أيضًا.
وبحسبه، فإنه عندما أعلن أبومازن قبل عدة أسابيع أنه ينوي خفض العلاقات مع إسرائيل إلى الحد الأدنى، و"تسليم نتانياهو المفاتيح"، فإنه لم يقصد تفكيك السلطة الفلسطينية، وإنما أنَّ "السلطة ستتوقف عن كونها أداة بيد نتانياهو للسيطرة على السكان في الضفة الغربية".
ويدعي الكاتب أنَّ هناك في إسرائيل من تصرف بغباء سياسي، وقرَّر إغلاق الحرم المقدسي، الأمر الذي لعب لصالح أبو مازن، حيث أنه "سيثير الخلافات مع الأردن، ويغضب العرب في الداخل الفلسطيني، ويشعل العالم الإسلامي".
وفي ظل ما يخطط له نتنياهو من فرض السيطرة الإسرائيلية على الحَرَم القدسي كتأسيس لمرحلة إنهاء الوصاية الاردنية، تقدم الأردن بشكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اقتحام القوات الإسرائيلية للحَرَم، الأربعاء، وأنه سيتخذ "خطوات وإجراءات قانونية اخرى" لوقف هذه الهجمات.
ودعت الأردن في رسالة إلى مجلس الأمن الدول الخمسة عشر الأعضاء إلى محاسبة إسرائيل عن عملية الاقتحام التي أكد أنها ألحقت أضرارًا مادية بالحرم، وذلك كخطوة جريئة تعبر عن الرفض الأردني للتخلي عن رعايتها للمسجد الأقصى الذي تواصل السلطة الفلسطينية استغلال ما يحصل فيه من مواجهات لتعزيز خطابها الدبلوماسي السائر نحو تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي؛ لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وتحديد موعد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة العام 1967 بما فيها القدس الشرقية التي تحضن المقدسات الاسلامية والمسيحية.
وعلى إثر الأحداث المتسارعة في القدس الشرقية المحتلة، وبالتعاون بين كل من البعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة وبعثة المملكة الأردنية الهاشمية، عقد المراقب الدائم لبعثة دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، رياض منصور اجتماعًا عاجلاً مع رئيس مجلس الأمن "أستراليا"؛ لمناقشة الأوضاع المتفجرة في القدس الشرقية المحتلة وتمّ تسليمه رسالة شارحة بهذا الخصوص.
وقد وضع منصور من خلال رسالته المشار إليها مجلس الأمن في صورة التطورات الحاصلة، والتي كان آخرها اقتحام قوات الاحتلال وجموع المستوطنين لباحات المسجد الأقصى بأحذيتهم، ما يشكل انتهاكًا سافرًا لحرمة هذه الأماكن واستفزازًا صريحًا لمشاعر مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، وكذلك فقد اوضح أنَّ دائرة العنف قد تبقى مستمرة ما دامت إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال ماضية في قراراتها وإجراءاتها الغير القانونية في القدس الشرقية المحتلة.
وطالب منصور في رسالته بضرورة أنَّ يصدر عن المجلس موقفًا يلزم إسرائيل بالحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم وأنَّ يلزمها بإيقاف إجراءاتها في القدس الشرقية المحتلة والتي تهدف من ورائها الى تغيير الوضع القانوني والديني على الأرض لخلق وقائع جديدة لا يمكن قبولها.
أرسل تعليقك