دخلت معركة عرسال بين الجيش اللبناني، ومسلحي "داعش" و"جبهة النصرة"، يومها الخامس، لكنها اتخذت الأربعاء، منحى آخر، تمثل في اختلاف المسلحين داخل البيت الواحد، وتمديد هدنة وقف النار 24 ساعة جديدة.
وبلغت نشوة الحرب لدى المسلحين، حداً غير مسبوق لدى مَن منّى النفس بنصر سريع في غضون أيام قليلة، لكن الآمال خابت عندما انجلى غبار اليوم الأول عن سقوط 10 شهداء للجيش وبسالته وصموده على رغم تعمد أرض المعركة بدماء عناصره.
ووقع صدام مسلح بين الفصائل في عرسال على خلفية انسحاب "جبهة النصرة" من الأماكن التي كانت سيطرت عليها وسط البلدة، على وقع تبادل التُّهم بالخيانة. فمسلحو "النصرة" يفاوضون وفد "هيئة العلماء المسلمين" ويبدون استعدادهم للانسحاب إلى الجرود، بينما يرفض مسلحو "داعش" الانسحاب قبل إطلاق سراح الموقوف السوري عماد جمعة.
وأكد عدد من أهالي عرسال، أنهم لم يلحظوا صباح الأربعاء، أي وجود مسلح في بلدتهم على وقع هدوء حذر سادها، واستطاعوا التجول في بعض شوارعها بعدما فرض المسلحون من بداية المعركة حظر تجول، مانعين المدنيين من المغادرة، ومَن حاول منهم أو اشتبهوا في إبلاغه الجيش بإحداثيات نقاطهم، اقتادوه من منزله لتصفيته على الفور.
وشوهدت أكثر من 30 شاحنة صغيرة تغادر عرسال ركّابها مدججون بالأسلحة ويرفعون أعلام "النصرة" في اتجاه المنطقة الجردية.
واعتمدت خلال معركة عرسال، وحدات الجيش، سياسة التركيز على القصف المدفعي، مع خطة لتضييق الحصار على البلدة والتثبّت من إغلاق المنافذ كلها للحيلولة دون وصول إمداد لوجيستي وبشري للمسلحين، قبل أن يعتمد على عمليات ميدانية واستطاع إحكام الطوق تقريبا على المسلحين من ناحيتي الجنوب والغرب للبلدة، وانحصرت الاشتباكات مع المسلحين في وادي الرعيان ووادي عطا الجردية، ثم دخل عرسال وسيطر على أحياء منها وأوقف العشرات، وصادر كميات من الأسلحة. وعلى رغم ذلك لم تنقطع الاتصالات والمفاوضات مع المسلحين عبر وفد "هيئة العلماء المسلمين" لحظة، ونجحت هذه المفاوضات في إطلاق ثلاثة عناصر من الجيش المحتجزين رهائن لدى المسلحين أحدهم من الضنية والثاني والثالث من عرسال، استكمالاً لخطوة تحرير ثلاثة عناصر أمنية الثلاثاء.
وبعد الظهر، أعادت العناصر المسلحة انتشارها عند أطراف عرسال وحاولت الاعتداء على مواقع الجيش في محوري مرج حسان ووادي الأرانب وفي وادي سويد - طريق الرعيان، ووقع عشرات الأسرى من "داعش" في قبضة الجيش. وكان الطيران الحربي السوري حلّق في أجواء بلدة عرسال بعد استهدافها مناطق في جرود البلدة.
وكان وفد "هيئة العلماء المسلمين" برئاسة الشيخ سميح عز الدين، دخل ظهر الأربعاء، عرسال في وساطة جديدة، وباشر التفاوض مع المسلحين. وتزامن دخوله مع سماع دوي إطلاق نار. وعمل الجيش على إخلاء بعض النازحين من عرسال مع دخول الوفد غير أن قافلة المساعدات الإنسانية المؤلفة من 10 شاحنات كانت تتجه إلى عرسال لنقل مواد غذائية.
وأعلن وفد الهيئة خلال مؤتمر صحافي عقده في بلدة رأس بعلبك فور خروجه من بلدة عرسال أن ثمة ايجابية في موضوع الإفراج عن بقية الأسرى وأن الجيش سيبقى في مواقعه وستتألف لجنة من أهالي عرسال لمتابعة الوضع، كما تم تمديد وقف إطلاق النار 24 ساعة أخرى، ولفت إلى أنه من المتوقع أن تكون هناك محاولة أخرى، الخميس لإدخال قافلة المساعدات.
و واصلت هيئة "العلماء المسلمين" جهودها لتثبيت وقف إطلاق النار في عرسال تمهيداً لدفع المجموعات المسلحة للانسحاب منها إلى المناطق الجردية تمهيداً لعودتها إلى داخل الأراضي السورية.
واستدعت هذه الوساطة التي انضم إليها وفد من قوى عرسال، تمديدَ وقف إطلاق النار لـ24 ساعة جديدة تم التوصل إليه بمواكبة من النائب في كتلة "المستقبل" جمال الجراح الذي انتقل الأربعاء إلى البقاع،
وكادت المفاوضات في عرسال تتعثر بعد توقفها لبعض الوقت على خلفية شكوى مسؤولي "داعش" و"جبهة النصرة" من أن الجيش اللبناني يعد لهجوم وهو بدأ بتحريك دباباته المنتشرة في مقابل مستوصف الحريري، لكن تبين من خلال الاتصالات التي أجراها الجراح مع قيادة الجيش بطلب من هيئة "العلماء المسلمين" ووجهاء عرسال، عدم صحة هذه المعلومات وأن كتيبة الدبابات أعادت تمركزها في المكان ذاته.
وفور استئناف المفاوضات تم الاتفاق على إنهاء المظاهر المسلحة وانسحاب المسلحين من عرسال على مراحل إلى الجرود في مقابل تعهد أهل عرسال بعدم المساس بالنازحين السوريين الموجودين في مخيمات البلدة وتعهد آخر من المسلحين بعدم المساس بالجنود المحتجزين لديهم.
وعزت مصادر قرار المسلحين الانسحاب فجراً الى أن التوقيت يسهل خروجهم الى الجرود. وقالت إن هيئة العلماء المسلمين أمنت الضمانات بعدم التعرض لهم شرط جلاء مصير جميع المفقودين من الجيش وإطلاق المخطوفين من قوى الأمن الداخلي. وأشارت الى أن حدة الاشتباكات تراجعت الأربعاء بشكل ملحوظ، وهذا ما أتاح للأهالي الخروج من منازلهم للمشاركة في دفن ضحاياهم الذين سقطوا جراء الاشتباكات.
ولفتت المصادر نفسها الى أن هناك حاجة ماسة لتمديد الهدنة لأنها تسمح بتعزيز الثقة بين وفد هيئة العلماء المسلمين ومسؤولي المجموعات المسلحة التي كانت بادرت إلى سحب بعض عناصرها من داخل البلدة إلى الجرود.
وأكدت أن تمديد الهدنة يسمح في كل ساعة بتدخل الوسطاء لحل عقدة أو لتعطيل لغم لحماية مبادرة هيئة العلماء وعدم تعريضها إلى انتكاسة يمكن أن تعيد الأمور الى المربع الأول، ما يفتح الباب أمام تجدد الاشتباكات.
وأوضحت المصادر، أن الجيش اللبناني تدخل لإقناع أهالي اللبوة بالسماح للقافلة الإنسانية بالعبور إلى عرسال لكنه لم ينجح في انتزاع موافقتهم، ما اضطره إلى نقل هذه المساعدات إلى ثكنة الجيش في رأس بعلبك على أمل قيام مساعٍ جديدة تؤمن إدخالها إلى عرسال.
وأثار هذا ردود فعل فقطع مواطنون طريق تعنايل - شتورة الدولية وطريق المصنع وطريق دوار أبو علي في طرابلس وبعض الطرق في أحياء بيروت، لكن اتصالات أجريت لإعادة فتح هذه الطرق.
أرسل تعليقك