واشنطن - رولا عيسى
تسبّب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بمنع دخول رعايا سبع دول إسلامية إلى الأراضي الأميركية في بلبلة محلية وعالمية، وقوَّض أركان نظام الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية والذي تمثل في الفوضى العارمة التي انتشرت في جميع المطارات العالمية. إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ فكما خلق هذا القرار أزمة سياسية ودبلوماسية، خلق أيضًا أزمة ثقافية عالمية، اضطرت على إثرها المؤسسات الثقافية الدولية إلى مراجعة حسابتها بشأن القرار الجديد وقياس نسبة الضرر الذي سوف يخلفها هذا القرار عليها وعلى الفن والبعثات الفنية.
وقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تقريرًا أمس الإثنين، يسلط الضوء على تلك المسألة، حيث أعلن مؤخرًا المخرج الإيراني، أصغر فرهادي، مقاطعته لحفل جوائز الـ"أوسكار"، الذي سيقام في فبراير/شباط المقبل، ردًا على قرار ترامب، وأكد أنه لن يحضر حفل جوائز الـ"أوسكار" حتى لو منحته السلطات الأميركية استثناءً بالحضور، وهو ما يعني أنه لن يتسلم جائزة الـ"أوسكار" في حال فوز فيلمه "البائع" المرشح لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي.
وفي بيان نشره في "نيويورك تايمز"، قال فرهادي: "إنني وخلال الأيام القليلة الماضية ورغم الظروف غير المنصفة التي حصلت للمهاجرين والمسافرين من عدة دول إلى الولايات المتحدة، كنت عازمًا على المشاركة في هذا الحفل ولم أكن أنوي عدم الحضور أو المقاطعة احتجاجًا، لأنني أدرك جيدًا بأن الكثير من المعنيين بشؤون السينما في الولايات المتحدة وأعضاء أكاديمية الـ"أوسكار" معارضون لأعمال التطرف التي تُجرى حاليًا أكثر من أي وقت مضى، ومثلما قلت يوم إعلان نتائج الأكاديمية لموزع الفيلم في الولايات المتحدة الأميركية بإنني سأحضر في الحفل مع مدير التصوير، فقد كان تصوري هو الحضور في هذا الحدث الثقافي الكبير".
وأضاف قائلاً إن "إمكانية الحضور، المترافق مع الشك والتردد، غير مقبولة بالنسبة لي بتاتًا حتى لو حظيت باستثناء للسفر إلى هناك، لذا أود أن أبيّن هنا ما كنت أريد بيانه في فرصة السفر تلك"، وتابع: "إن المتطرفين ورغم معاركهم وتاريخهم السياسي في جميع أنحاء العالم، يتشابهون إلى حد كبير في النظرة إلى العالم. إنهم ومن أجل إدراك العالم لا حيلة لهم سوى تقسيمه إلى قسمين "نحن والآخرون"، ليعملوا على زرع الخوف لدى شعوبهم تجاه الآخرين عبر رسم صورة مخيفة عنهم، وبطبيعة الحال لا يختص هذا الأمر بالولايات المتحدة فقط".
وبرأي فرهادي "هنالك بعض المتطرفين في جانبي المحيط يسعون منذ أعوام طويلة لرسم صورة مخيفة وغير حقيقية، كل عن شعب البلد الآخر، للعمل على إثارة الخلافات انطلاقًا من التباينات بين الشعوب والثقافات، وبث العداوات من الخلافات، وزرع الخوف من العداوات". وعليه فإنّ "خوف الناس اداة مهمة لتبرير التطرف من قبل حملة الأفكار المغلقة".
ويضيف التقرير أن متحف متروبوليتان للفنون أعرب عن قلقه إزاء إلغاء وتحجيم المعارض والدراسات الاستقصائية الأثرية والبعثات الحفرية المزمعة مع مؤسسات الشرق الأوسط جراء هذا القرار. حيث صرح توماس بي كامبل، مدير المتحف، بأن "عمليات التبادل والتعاون العملي الدولية هي السبيل الوحيد للعمل المتواصل"، معربًا عن قلقه من تعرض العديد من برامج المتحف للخطر جراء قرار الحظر، وذلك في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى تعزيز التفاهم المتبادل والمشترك بين الثقافات المختلفة.
ويشير التقرير إلى أن مواطني تلك الدول، وعلى رأسهم الفنانين، المقيمين بشكل قانوني في الولايات المتحدة أعلنوا أنهم لم يجرؤوا على السفر خارج الولايات المتحدة خوفًا من منع دخولهم إليها مرة أخرى. ويواجه ترامب معارضة شرسة من صنّاع السينما الأميركية ونجوم هوليوود، إذ غرّد المخرج الأميركي مايكل موور، قائلاً: "إلى جيراننا المسلمين في كل أنحاء العالم: أنا وعشرات الملايين الآخرين آسفون للغاية. أغلب الأميركيين لم يصوتوا لصالح هذا الرجل". وفي وقت سابق من الشهر الجاري، انتُقد ترامب من جانب النجمة ميريل ستريب، الفائزة بجائزة "أوسكار" لثلاث مرات، وذلك في كلمة لها خلال تسلمها إحدى جوائز "غولدن غلوب"، علّقت فيها على سخرية الرئيس الأميركي من صحافي معوّق، قائلة: "حينما يستخدم الأقوياء موقعهم للاستقواء على الآخرين، نخسر جميعا".
ويحظر القرار التنفيذي، الذي وقعه ترامب يوم الجمعة الماضي، دخول رعايا سبع دول مسلمة، وهي إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسورية واليمن، إلى الولايات المتحدة الأميركية لمدة ثلاثة أشهر. كما يعلّق دخول جميع اللاجئين إلى الأراضي الأميركية لمدة 120 يومًا، فيما يحظر دخول اللاجئين السوريين إلى أجل غير مسمى.
أرسل تعليقك