مضى مائة عام على تأسيس أحد أعرق وأقدم شوارع العاصمة بغداد ، هو شارع الرشيد الذي يمتد من ساحة الميدان بمنطقة الباب المعظم وصولا الى شارع ابي نؤاس من اسفل جسر الجمهوري، في وقت قررت وزارة الثقافة والسياحة والاثار، عد شارع الرشيد من أهم المواقع التراثية في بغداد، تمهيدا لادراجه ضمن المواقع التراثية في لائحة التراث العالمي بالتنسيق بين امانة بغداد ومنظمتي (اليونسيف) و(اليونسكو).
ويرى بغداديون أن الشارع الذي يعد أحد صروح العاصمة قد تداعى بسبب الاهمال وغياب التاهيل والصيانة اضافة إلى غياب الرقابة الحقيقية على أرض الواقع التي نتج عنها تغيير ملامح ومعالم الشارع الفولكلورية وتحوله الى شارع تجاري يعج بالفوضى بعد ان جرد من مقاهيه وصالاته وسينماته والمؤسسات والصالونات والمجالس الأدبية والفنية التي كان يشتهر بها.
وقالت مديرة العلاقات والإعلام في الهيئة العامة للاثار في الوزارة، تنهيد المياحي "أن الوزارة وبموجب قانون الاثار والتراث رقم 55 لسنة 2002، عدت شارع الرشيد من أهم المواقع التراثية في بغداد، كونه يتميز بعراقته وشهرته بين شوارع العاصمة. ويذكر ان شارع الرشيد الذي تجاوز عمره الـ 100 عام، كان قد افتتحه الوالي العثماني خليل باشا العام 1916 .
وبينت المياحي أن الملاكات الأثرية والهندسية في دائرة التراث، اعدت البيانات والتوثيق المطلوب الخاص بالشارع ، باعتباره نسيجا عمرانيا تراثيا متكاملا بداية من ساحة الميدان في الباب المعظم الى ساحة التحرير في الباب الشرقي، بما في ذلك المحلات المطلة على الشارع وهي: 114و112و110و108و106و104.
من جانبه اكد مقرر اللجنة التحضيرية للاحتفالية المركزية بيوم بغداد ومئوية شارع الرشيد، الباحث التراثي عادل العرداويان امانة بغداد فاتحت منظمة (اليونسكو) لادراج شارع الرشيد على لائحة التراث العالمي على غرار الاهوار التي ادرجت في وقت سابق من العام الماضي.
واضاف ان الامانة تسعى لاثارة انتباه المجتمع الدولي ممثلا بمنظمتي (اليونسكو) و(اليونسيف) والمؤسسات الثقافية التي تهتم بتاريخ واهمية المدن والشوارع، من خلال اقامة احتفاليات تهدف الى تعريفهم بتاريخ الازقة القديمة، علاوة على اطلاع الاجيال على مكانة واهمية الشارع، تمهيدا للمباشرة بمشروع رائد لتأهيله وصيانة مبانيه، لإعادته الى سيرته الاولى مع مراعاة الحفاظ على نسيجه التاريخي والحضري.
وحمل مواطنون امانة بغداد مسؤولية اهمال الشارع وعدم تنفيذ اي من الخطط العمرانية التي اعلن عنها بعد 2003. وقالوا إن "الاهمال واضح للعيان وليس بحاجة الى فراسة لاكتشاف ذلك اذ بمجرد المرور بالشارع يمكن ملاحظة تغير ملامحه وغلق جميع السينمات والمقاهي والمكتبات والصالونات الادبية والثقافية فيه اضافة الى غلق الاسواق المركزية وتحول المحال في الشارع الى محال تجارية تسوق زيوت المحركات ومكائن المحركات الثقيلة وادوات السلامة العامة والمطافئ والاشارات المرورية وصولا الى التجهيزات الرياضية".
واضافوا أن الجانب الاخر من الإهمال يتمثل بالشارع نفسه من حيث الكساء وكثرة الحفر والمطبات وقدم التبليط فيه فضلا عن عدم طلاء الكتل الخرسانية، التي تستند اليها مبان الشارع تلك الكتل الدائرية التي تشكل علامة من علاماته حيث فقدت بريقها ولونها ، وكذلك حال رصيف جانبي الشارع المهملين ".
وتابعوا أن "مبان الشارع الفولكلورية المشيدة على الطراز القديم التي يفترض الاعتزاز بها بكونها ارثاً حضارياً يمثل تاريخ حقبة زمنية معينة قد تهالكت واصبحت ايلة للسقوط كما هجر رواد الشارع ملاذاتهم بعد ان تغيرت ملامحها ولم يعد هناك سوى بضع مقاه يحاول القائمون عليها الصمود اطول مدة ممكنة لكن يبدو ان التحديات وقلة الرواد، وبالتالي صعوبة تدبير تكاليف الايجار والمعيشة ستضطرهم الى الاستسلام ما لم تبادر الجهات المعنية بمساعدتهم لاعادة ما يمكن اعادته من هوية الشارع التي استبدلها الزمن".
وأكد مجلس محافظة بغداد تراجع الواقع التخطيطي العمراني للعاصمة وتفاقم التجاوزات من دون رقابة. وقال عضو المجلس محمد الربيعي إن "العاصمة تشهد تراجعا مستمرا في جميع مقومات التطور ولاسيما في التخطيط العمراني فضلا عن تفاقم التجاوزات في البناء والانشاء في ظل غياب الرقابة".
وأوضح أن "شارع الرشيد كان قد حظي بلجنة تسمى لجنة الذوق العام لكن هذه اللجنة لم تكمل مشوارها وتم ايقاف العمل بها لامور متعلقة بالاموال فضلا عن عدم وجود ستراتيجية لتشييد المباني الحديثة". وأضاف ان "على الأمانة ان تعمل على جلب مستثمرين ومختصين في الهندسة الحديثة للعمل على تشييد وتطوير الشارع وغيره من المعالم التاريخية للعاصمة".
ويعود تاريخ افتتاح الشارع إلى 23 تموز/يوليو 1916 وهو يوم اعلان الدستور وكان على مرحلتين الاولى من الباب المعظم حتى منطقة سيد سلطان على وسمي جادة خليل باشا ثم المرحله الثانيه التكميليه وتصل الى ابو نواس وكان عباره عن سوق مسقف لغاية جامع سيد سلطان علي ومرصوف بالطابوق وقد بلطه الانكليز بالاسفلت وسيروا فيه السيارات لاول مره واطلقوا عليه اسم الشارع الجديد وفي عام 1921 وبعد تنصيب فيصل الاول ملكا على العراق بدلت تسمية الشارع الى الرشيد نسبة الى خليفة بني العباس هارون الرشيد.
وتذكر التقارير أن "الشارع هو اول شارع تم تعبيده في العراق وبدأ كمركز تجاري وثقافي وترفيهي وكانت امانة العاصمة قبل اكثر من نصف قرن تغسله بخراطيم المياه والمنظفات مساء كل يوم بعد ان يخلو من السيارات والسابلة. ويمتاز الشارع برواق مخصص للمشاة يحميهم من المطر واشعة الشمس هذا الرواق الذي تحول الى بسطيات وباعة متجولين واصبح مباحا لتجاوزات اصحاب المحال جراء تراكم الفساد وسوء المتابعة والتدبير والاهمال الحكومي".
وتضيف التقارير أن "في أربعينيات القرن الماضي ومابعده ظهرت تصاميم جديدة لمعماريين عراقيين من الرواد أعطوا ملامح حداثة معاصرة لهذا الشارع منهم جعفر علاوي ورفعت الجادرجي ومحمد مكية واخرين".
وإنَّ أساس تصميم الشارع ذي طابقين معمد برواق الذي صار قانوناً له، وكل مبنى جديد يصمم باستمرارية الشارع. أما المباني المختلفة فتشيد بالرجوع إلى الخلف وهذا ما نراه في مبنى (مصرف الرافدين والبنك المركزي) ،حيث اتسمت هذه الأبنية المتعددة الطوابق بملامح وارتفاعات جديدة ثم أعقبتها تجارب أخرى في الاتجاه الآخر للشارع مثل تجربة رفعت الجادرجي في مبنى مركز اتصالات الرشيد الذي يعدّ من الأبنية المتميزة التي أعـيد أعماره بعد 2003.
أرسل تعليقك