استقبل وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي، فرياد رواندزي، وفدًا يضم 15 شخصية من فنانين وصحافيين وكتاب فرنسيين يزور العراق للتعرف على الحركة المسرح والفنية واللقاء بالفنانين العراقيين وكذلك الآثار العراقية وما تعرضت له، فيما قُدمت الكثير من العروض المسرحية، فضلًا عن زيارة الوفد إلى مناطق مهمة من بغداد.
وتأتي زيارة الوفد بدعوة رسمية من وزارة الثقافة والسياحة والآثار، القصد منها تمتين العلاقات الثقافية بين البلدين من أجل النهوض بالواقع الثقافي العراقي، حيث قدمت مجموعة من الشباب، بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح ودائرة العلاقات الثقافية العامة، عروضًا مسرحية في العديد من مسارح بغداد، كان من أهمها مسرحية "أمونيا ونويس" و"هاملت" على خشبة منتدى المسرح، فيما قدمت مسرحية "توبيخ" والتي هي من إنتاج وزارة الثقافة على خشبة المسرح الوطني، فضلًا عن العديد من الأعمال المسرحية التي احتضنها مسرح الرافدين، حيث لاقت هذه الأعمال مجموعة من الملاحظات والآراء من قبل الفرنسيين وسط انبهار كبير لما تحمله من أفكار "جمالية فضيعة" وفقًا لقولهم.
وقال المأطر في المسرح الوطني الفرنسي غيونسي غاز: "وأنا صغير أسمع عن بغداد وجمالها، لكن كبرت وضاعت علينا أخبارها وصارت أخبار الحروب تتصدر المشهد، حتى بتنا لا نعرف عنها سوى الحروب والدمار، ومجيئي إلى بغداد أصعب قرار اتخذه في حياتي حتى إنني قطعت عهدًا لزوجتي إنني لن أخرج للأسواق الشعبية، لكنني خنت الوعد لأن بغداد ساحرة تدعوك لأن تغوص بها، دون شعور أجد نفسي أتسكع في شوارعها وازور شارع المتنبي، هذا الشارع الذي لم أرَ له مثيل في حياتي ظاهرة ثقافية بحد ذاتها ولا بد من دراسة حقيقة لهذا الشارع المغمور"، مشيرًا إلى أنه "سيكتب عن بغداد بكل ما أوتي من لغة وجمال"، مؤكدًا أن هنالك مستقبل ينتظر هذه المدينة الباسمة بوجه الموت لما تحمله من إصرار أهلها على الحياة.
فيما عبر الكاتب والصحافي الفرنسي، جمبو غيتو، عن فرحه لما قدم من عروض مسرحية مختلفة قائلًا "من يصدق أن في هذه المدينة التي يتصدر في أخر أخبارها عدد الضحايا من أعمال العنف كم كبير من الجمال، كما لا أستطيع أن أعبر عن كامل مشاعري لأن قواي العقلية لم تصدق ما رأته من الطاقات الشبابية والأفكار العظيمة والروح الحماسية لدن هذا الشعب المحب للحياة"، متابعًا أنه جاء ليكتب عن بغداد، واستطاع تدوين عشرات المواقف والملاحظات التي ستنشر لاحقًا في الصحف الفرنسية.
ومن ناحيتها، نوهت المخرجة السينمائية غيسين يوغو "إنني معجبة كثيرًا بالطاقات التي رأيتها، لكن هذه الإمكانيات الشبابية لا بد أن تحصل على رعاية حكومية حتى لا تتشتت ولا تستغل بطريقة غير صحيحة"، متابعة أنها قضت أيام جميلة ومبهرة، معبرة عن شكرها لحسن الضيافة العراقية.
من جهته، أكد مدير منتدى المسرح، حيدر جمعة، أن هذه الزيارة تكللت بعمل مشترك بين فرنسا وبلجيكا والعراق ويحمل عنوان "الأورستية" وسيعرض في أغلب بلدان العالم، كما سيكون لمنتدى المسرح نصيبًا في ذلك، وسيشارك العراق كعضو مهم بهذا العمل من خلال مشاركة ممثلين ومخرجين عراقيين أبرزهم الدكتور هيثم عبد الرزاق والدكتورة إقبال نعيم والدكتور ميمون الخالدي والمخرج المغترب في فرنسا ياس راسم الجميلي، وسيقدم العرض خلال شهر آب/أغسطس المقبل.
ويذكر أن الوفد حضر العروض المسرحية الشبابية في يومها الثاني وعلى خشبة منتدى المسرح عرضت مسرحية "نويس"، وهي من تأليف وإخراج الفنان الشاب رسول عباس وتمثيل مجموعة من الشباب، والمسرحية تعكس الواقع الصعب الذي يعيشه الشعب العراقي من خلال القتل المستمر والدمار الذي تمارسه المجاميع الإرهابية المتمثلة في "داعش"، والتحدي الأكبر للشعب العراقي في التصدي لذلك التطرف، منطلقة عبر ثلاث ثيمات وهي "القتل والضوضاء والاختناق"، والتي عبرت عنها من خلال الرقص التعبيري والموسيقي وهي العلامات التي يمكن التعرف من خلالها على فكرة المسرحية.
من ناحية أخرى، أشاد الوفد الثقافي الفرنسي بهذه العروض المتميزة التي قدمها هؤلاء الشباب من خلال المداخلات النقاشية والفنية والتي جرت بعد انتهاء العرض المسرحي، حيث انطلقت العروض يوم الأربعاء بعرضين مسرحيين، الأول على خشبة منتدى المسرح بعنوان "أمونيا" تأليف وإخراج وتمثيل عبد علي دعيم، والثاني كان مسرحية "سلفة" تأليف وإخراج ماجد عبد جمعة .
وكان الختام، السبت، بعرض مسرحية "هاملت" تأليف وليم شكسبير، وإخراج فكرت فاضل، وفي الشأن ذاته زار وفد من الفنانين والصحافيين والكتاب الفرنسيين يضم 15 شخصية المتحف العراقي على هامش زيارتهم للعراق، للتعرف على الحركة المسرحية والفنية والثقافية والاطلاع على آثارها، فيما أبدى الزوار إعجابهم بالآثار المعروضة في قاعاته.
ورحب رواندزي بالوفد مثمنًا إصرارهم على المجيء إلى العراق رغم الظروف الأمنية التي يمر بها، قائلًا "عندما وصلني طلب الزيارة كنت مترددًا بسبب الأوضاع الأمنية في العراق ولكن إصراركم كان كبيرًا، مضيفًا "مثلما نواجه الإرهاب هنا فأنكم تواجهون الإرهاب في بلدانكم ولكن الحياة لن تتوقف في العراق رغم كل الصعاب ومستمرة في كل النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية، والاقتصادية"، متمنيًا لأن تكون الزيارة بداية لمد جسور التواصل بين المثقفين العراقيين والفرنسيين.
وقدم الوزير خلال حديثه إلى الوفد شرحًا مفصلًا عن الحركة الثقافية والفنية العراقية رغم الظروف الصعبة التي يمر بها العراق، وكذلك وما تعرضت له الآثار العراقية من تدمير وسعي العراق للتواصل مع العالم" ، وفي معرض حديثه عن الحركة المسرحية، أضاف "أننا نعاني من موضوعة وجود المسارح والتقنيات الحديثة وكان هنالك العديد من المسارح في العراق، ولكنها دمرت جزئيًا وبعضها كليًا، وينبغي إعادة تأهيلها ولكن في ظل الظرف المالي الحالي الوضع صعب، وكانت هنالك عدة مشاريع لبناء المسارح ولكن تراجع الوضع المالي أوقف العمل بها ونحن لا نعاني من الكادر الفني والممثلين بل نعاني من البنى التحتية، ولكن المسرح الموجود في بغداد يفي بالغرض الآن من أجل إيصال الرسالة المسرحية إلى رواد المسرح".
وفي معرض إجابته عن استفسار الوفد عن القضايا الأخرى التي تشغل بال الوزير عدا المسرح، وما هي الأولويات في هذه القضايا، قال وزير الثقافة "إن ملف الآثار يشغل حيزًا كبيرًا من اهتمامي ولدينا وكيل وزير متخصص وجيد في هذا المجال، والآثار لم تستغل بشكل جيد في الترويج للبلد في أقامة علاقات آثرية مع الآخرين، فقبل أسبوعين تقريبًا كنا في بينالي فينيسيا وأقمنا هنالك معرضًا للآثار العراقية، وبذلنا جهدًا كبيرًا لتجاوز الروتين لأخراج هذه الآثار، نحن نحتاج إلى تغيير العقليات في الإدارة أيضًا، فنحن نرث إرثًا ثقيلًا لا ينسجم مع الوضع الجديد في العالم، فالآثار العراقية هي ليست ملك العراقيين فحسب بل هي ملك للمجتمع الإنساني بأكمله، ومن هذا المنطلق أردنا أن تأخذ العلاقات مع الدول الأخرى طريقها".
وفي حديثه عن المواقع الآثرية في العراق، أوضح رواندزي، أن "هنالك مواقع أثرية كثيرة في العراق لم يتم التنقيب عنها، لذلك قمنا باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل مهمة التنقيب أمام فرق التنقيب من الدول الصديقة، كما قمنا أيضًا بافتتاح الكثير من المتاحف في البصرة والناصرية والسماوة واربيل وبابل، وبصدد فتح أخرى في المحافظات العراقية، ونسعى بذلك لإشاعة ثقافة لدى العراقيين بالتعامل مع الآثار ومع موروثهم، وكذلك قمنا بفتح أبواب هذه المتاحف في عطلة نهاية الأسبوع واتخذت القرار بفتحها، رغم أن القانون لايسمح بذلك لعلمي أن الناس تتفرغ لزيارتها في عطلة نهاية الأسبوع".
وفي ذات الاهتمام بموضوع الآثار، أشار رواندزي: "لقد قمنا بتشكيل لجنة تنسيقية عليا من بعض الدول الأوربية وغير الأوربية لجرد الآثار العراقية المسروقة، وسوف نجتمع في باريس لأجل هذا"، مضيفًا ""ننا فقدنا 15000 ألف قطعة آثرية بعد الأحداث في 2003، وتم استرجاع ما يقارب من 5000 آلاف قطعة فقط، وبعض القطع نعرف أماكن تواجدها وبعضها لا نعرف ونحن نعاني من بعض القوانين التي تعيق إعادتها خصوصا تلك غير المسجلة".
وبيَّن رواندزي، أن اللوائح الدولية لا تسمح باسترداد الآثار غير المسجلة، إضافة إلى بعض القوانين الخاصة بالبلدان التي تحكم التعامل منع هذه الآثار، لا سيما بيعها في الصالونات، لافتًا إلى التمكن من إيقاف أكثر من 22 مزادًا في صالونات متعددة للآثار العراقية المسروقة، متابعًا "نحن بحاجة إلى إدارة رشيدة في موضوع الآثار وإلى تعاون دولي في إعادة تأهيل ومنع الإتجار بالأثار العراقية".
وتطرق رواندزي إلى المبادرة الفرنسية الإماراتية، بالتعاون مع وزارة الثقافة العراقية، والتي من نتائجها إنشاء صندوق المانحين لدعم الآثار في المناطق المدمرة، والذي جمع 77 مليون دولار لهذا الغرض، وتم تشكيل لجنة عليا من وكيل الوزارة لإجراء ما يلزم في كيفية صرف هذه الأموال على الآثار العراقية والسورية.
أرسل تعليقك