بغداد - نجلاء الطائي
تعتبر "عشتار" أشهر آلهة العراق القديم، وهي ملامح وتاريخ قلعة أثرية، قبل أن يدمرها تنظيم "داعش"، قدر عمرها بأكثر من 3 آلاف عام كانت مركزًا لعبادة إله الحب والجمال، ويظهر الدمار الذي لحق بـ"قلعة تلعفر" الأثرية التي نالت العنف الكثير على يد عناصر تنظيم "داعش" الذين لم يكتفوا بتخريبها ونسفها، بل حفر باطنها ونهب آثارها المدفونة التي لم تظهر للعالم قط، وتمكنت حديثًا، قوة من فصيل "علي الأكبر" التابع للحشد الشعبي من تحرير "قلعة تلعفر" في داخل مركز القضاء الذي يعتبر أكبر أقضية العراق، وهو يعود إداريا لحدود محافظة نينوى، شمال بغداد.
وتحدث الباحث الآثاري العراقي البارز، عامر عبد الرزاق، عن تاريخ القلعة وتفاصيلها الكاملة، وعن ملامح تلعفر أيضا وعصورها التي كانت زاخرة بالجمال والحب قبل أن يستولي عليها تنظيم "داعش" ويتخذها مقرا رئيسيا لإدارة خلافته الدامية في العراق، ولخص عبد الرزاق، في أول حديثه، عن موقع قضاء تلعفر حيث يقع في شمال غرب العراق، وهو تابع إداريًا لمحافظة نينوى، شمالي العاصمة بغداد، ويقدّر عدد سكان قضاء تلعفر والذي يسكنه غالبية من أبناء المكون التركماني، بحدود (280) ألف نسمة حسب تقديرات عام 2014 "الذي شهد مطلعه ومنتصفه استيلاء "داعش" على محافظات "الأنبار، وصلاح الدين، ونينوى، وأجزاء من كركوك" غرب البلاد وشمالها".
وأضاف عبد الرزاق، أن قضاء تلعفر الكبير بمساحته وعدد السكان يبعد عن الموصل 70 كلم، وعن الحدود التركية 38 كلم، وعن الحدود السورية 60 كلم، ومن حيث المكان له أهمية كبيرة ما دفع تنظيم "داعش" أن يتخذه مقرا إداريا له وجعل من القلعة الأثرية مركزا له، ويقول عبد الرزاق، إن تاريخ قضاء تلعفر، موغل بالقدم يمتد إلى تقريبا أكثر من 6 آلاف سنة، يرجع إلى العصور الحجرية التي مر بها العراق، وبقي السكن فيها مستمر ويعتبر من المواقع الجاذبة للكثير من الحضارات والتنوعات البشرية، وأخذنا عبد الرزاق، إلى منتصف الألف الثاني ما قبل الميلاد، بالإشارة إلى أن تلعفر أصبحت مع قضاء سنجار "التابع للمكون اليزيدي، غرب الموصل"، جزءاً من الدولة الميتانية، أما في العهد الآشوري سنة 1800 صارت مركزا لعصر الآشوريين، وبذلك الوقت بنيت قلعة تلعفر الأثرية، وبذلك فأن تاريخ بناء القلعة يعود إلى العصر الآشوري، وكانت تعرف باسم "نمت عشتار" إله الحب والجمال والجنس والتضحية في الحرب عند البابليين، لأن تلعفر كانت مركزا لعبادة "عشتار" في شمال العراق.
وكشف عبد الرزاق، عن تعرّض القلعة وهي ترتفع عن سطح الأرض بـ25 مترا، للتجديد في الكثير من الأدوار وأهمه من قبل الرومان الذي قاموا ببناء أجزاء من هذه القلعة وترميمها وصيانتها، منوها إلى أن مساحتها تقريبا 28 ألف متر مربع محاطة بأسوار رئيسية وثانوية، ويبلغ عرض الأسوار الرئيسية للقلعة، 3 أمتار و30 سنتم، وارتفاعها 6 أمتار، وفي أركانها أركان الأبراج المحيطة، وتسمى "أبراج الزوايا وثانوية" تضم قلاع كبيرة تسع كل واحدة منها 300 محارب.
وأفاد عبد الرزاق، معبراً عن أسفه الشديد لتعرض قلعة تلعفر الأثرية التي يعود تاريخها إلى أكثر من 3500 عام من يومنا هذا، لإبادة إنسانية وحضارية على يد عناصر تنظيم "داعش" قبل أيام قليلة وخلال مدة سطوتهم على القضاء لاسيما في أواخر كانون الثاني 2015، بتفجير أجزاء واسعة ومهمة تشمل أسوارها، ونقل عبد الرزاق، عن مصادر خاصة عن قيام عناصر "داعش" بعمليات حفر ونبش داخل القلعة حصلوا من داخلها على قطع أثرية مهمة لغرض تهريبها وفعلوا ذلك بسرقتها وتهريبها، بعد حفر عشوائي لأخذ ما يمكن أخذه وبيعه خارج العراق.
وتم إنشاء كركوك من قبل الملك الأشوري آشور ناصربال الثاني (884 ـ 858 ق.م) قبل سبعة وعشرين قرناً. بعد أن تمرد عليه قائد الماذيين اَرياق، واستولى على (كريامي / باجرمي) الواقعة بين الزاب الصغير وشهرزور. حيث قام بعزله وعين (كرمي) بدلاً منه، بعد أن أمره ببناء قلعة حصينة في (كورا باجرمي) في منطقة كركوك الحالية. حيث جاء بألف من أتباعه، وأسكنهم فيها. وذلك أصبحت القلعة حصناً دفاعياً أمام هجوم الأعداء. بعد عدة قرون دخل الإسكندر المقدوني كركوك بعد أن انتصر على الملك الفارسي داريوس الثالث في معركة أربيلو عام 331 ق.م. وقد مكث الإسكندر عدة أيام في كركوك، زار خلالها قلعة كركوك قبل أن يعود إلى بابل ليتوفى فيها عام 323 ق.م.
وبعد وفاة الإسكندر اقتسم قادته مملكته فكانت كركوك من نصيب القائد (سلوقس) الذي أسس فيما بعد الدولة السلوقية 311 ـ 1319 ق.م. وتؤكد المصادر التاريخية أن القائد المذكور أقام على أنقاض المباني المهدمة قلعة حصينة مسورة بسور منيع عليه 72 برجاً، وشيد لها بابين أطلق على الأول اسم باب (باب الملك)، وعلى الثاني اسم (باب طوطي) وهو اسم حاكم القلعة آنذاك. كما قام بتقسيم القلعة إلى 72 زقاقاً. وقام كذلك بإسكان بعض العشائر حول سور المدينة فصارت تعرف المدينة منذ ذلك الحين باسم (كرخ سلوقس) أي (مدينة سلوقس). وتعتبر هذه التسمية منحوتة من التسمية الآرامية كرخاد – بيت سلوخ، وبعد وفاة سلوقس، انتقلت القلعة وما حولها إلى خلفائه حتى انتزعها منهم البارشبول (256 ق.م). وفي عصر البارثين كثرت الفتن، والاضطرابات الداخلية فساءت الأوضاع واندلعت الحروب بينهم وبين الرومان مما أضعف دولتهم فاستغل الساسانيون ضعف البارثين فهجموا عليهم، واسقطوا حكمهم. في حدود سنة 227 ق.م ولم يتم خلاص أهالي (كرخيني) إلا على يد الجيوش الإسلامية التي قضت على الدولة الساسانية. وقد عاشت المدينة فترة من الرخاء والاستقرار حتى فترة اكتساح المغول بلاد المسلمين فدخلت كركوك تحت حكم التتار.
ووردت أنباء عن مصادر محلية، في نهاية يناير/كانون الثاني 2015، أفادت بقيام تنظيم "داعش" نسف قلعة تلعفر الأثرية بعد ساعات من تدمير وتفجير سور نينوى التاريخي العائد إلى العصر الآشوري أيضًا.
أرسل تعليقك