تعدّ مدينة جرش الأثرية (35 كم شمال العاصمة الأردنية عمّان) واحدة من أفضل المواقع الرومانية القديمة التي ما تزال محفوظة في العالم، وهي من أشهر المواقع السياحية في المملكة الأردنية بعد مدينة البترا الواقعة جنوب الأردن.
يُعتقد بأن "جرش" التي عُرفت في الماضي باسم "جراسيا"، كانت مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري الحديث. وكانت ضمن "حلف المدن العشر" (الديكابوليس)، وهي تسمية إغريقية أُطلقت على مجموعة من المدن "المتهَلْيِنة" (نسبة إلى العصر الهلنستي 332-63 ق.م) الواقعة اليوم شمال غرب الأردن وجنوب سوريا وشمال فلسطين، أقامت اتحادًا فيما بينها مع بداية الحكم الروماني في المنطقة.
وعبر توالي الحقب عليها، خضعت المدينة لعدد من حملات إعادة الإعمار، تم معظمها في القرن الأول للميلاد، ومن أبرزها بناء قوس هادريان (قوس النصر) في عام 129 بعد الميلاد، احتفاءً بزيارة الإمبراطور هادريان للمدينة. وما يزال من الممكن رؤية أطلال هذا القوس في الجزء الجنوبي من المدينة الأثرية، مشكّلًا مدخلًا مهيبًا لها.
وبحلول القرن الثالث للميلاد، غدت جرش مركزًا تجاريًّا مزدهرًا، ووصل تعداد سكانها إلى 20 ألف نسمة، لكن هذا التطور الكبير حدث انهيار بطيء للمدينة تسبّبت به جملة من الأحداث على مدى القرون التالية، بما في ذلك تدمير مدينة تدمر سنة 273م ونهب معابدها لبناء كنائس في عهد الإمبراطور جستنيان في القرن السادس، والفتح الإسلامي للمنطقة في القرن السابع.. يضاف إلى ذلك الزلزال الذي حدث عام 747م. وعلى الرغم من احتلال الصليبيين للمدينة في القرن الثاني عشر للميلاد، إلا أنها أصبحت مهجورة بحلول القرن الذي يليه.
ويتدفق السيّاح إلى جرش من جميع أنحاء العالم لمشاهدة أطلال المدينة الأثرية التي تمتد على مساحة واسعة وتشتمل على مواقع تاريخية متنوعة، منها معبد "آرتميس"، وشارع الأعمدة الأيونية الكبيرة، وهو شارع يبلغ طوله 800 متر معبّد بالحجارة الكبيرة التي تخترق صفَّي الأعمدة على الجانبين (حوالي ألف عمود)، ويتسم بنظام هندسي لتصريف المياه تحت الأرض، وممرات للمشاة والأحصنة والدواب.
إلى جانب ذلك، تحتوي المدينة الأثرية في جرش على "المسرح الجنوبي" الذي بُني بين سنتي 90 و92م، في عهد الإمبراطور دوميتيان. ويستضيف المسرح الذي يتسع لحوالي 5000 شخص، الفعاليات الرئيسة في مهرجان جرش للثقافة والفنون الذي انطلق عام 1981 ويقام صيف كل عام، كما تقام عليه أنشطة فنية وإبداعية متنوعة على مدار العام.
وهناك أيضًا "المسرح الشمالي"، الذي بني في القرن الثاني للميلاد، ويتسع لحوالي 3000 شخص، وتم تصميمه بما يلائم نظام التردد الصوتي، بحيث يوفر هذا النظام بديلًا عن "السمّاعات" التي تضخم الأصوات، وما يزال المسرح الذي تقام فيه المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية المختلفة، يحتفظ بهذه الميزة حتى اليوم.
وتضم المدينة كذلك معلمًا بارزًا هو "سبيل الحوريات"، وهو حوض رخامي فخم من طابقين شُيّد عام 191 للميلاد، ويزين الرخامُ الجزءَ السفلي من واجهاته البديعة، بينما تزين أعلاها زخارفُ هندسية ونقوش تعكس المهارة والإتقان لدى معماريّي وبنّائي ذلك الزمان.
ومن المواقع الشهيرة في المدينة الأثرية، يَبرز "الهيبودروم"، وهو ملعب (مضمار) لسباق الخيل، ومكان لإقامة عروض السيرك الروماني. وتم تصميم الملعب الذي يقع إلى جوار قوس هارديان، على شكل حرف (U)، وعلى طرفيه يرتفع جداران تعلوهما مدرجات تتكون من ثلاثة أقبية، وتقام اليوم فيه بعض العروض التي تحاكي ما كان يجري في المدينة الرومانية القديمة من سباق للخيول وتشكيلات للعربات التي تجرها.
وتمثل "الكاتدرائية" أحد المعالم المبهرة في المدينة الأثرية، وتتميز ببوابة حجرية ضخمة نُقشت عليها منحوتات بديعة. وكان هذا المبنى في الأصل معبدًا لـ"ديونيسيوس"، وقد أُنشئ في القرن الثاني للميلاد، وبعد انهياره أعيد بناؤه في القرن الرابع للميلاد ليكون كنيسة بيزنطية.
إلى جانب ذلك، يمكن لزائر الموقع الأثري الشاسع مشاهدة بركتَي جرش المحاطتَين بمدرج من الحجر، وقد بُنيا في عهد الرومان لنقل المياه إلى قلب المدينة وفق نظام يشتمل على أنابيب فخارية وقنوات حجرية. كما تظهر من بعيد بقايا الحمّامات قرب السيل، وهي موجودة ضمن مدينة جرش الحديثة.
وشهدت الأعوام الأخيرة عمليات ترميم وتطوير للكثير من المواقع الأثرية ضمن مشروع تطوير جرش السياحي، حيث تم تبليط الأرضيات والساحات الممتدة، وترميم الجسر الروماني وإقامة مطلات على أطرافه تشرف على المدينة التي يتعانق جمال الطبيعة فيها مع عراقة آثارها التاريخية.
قد يهمك أيضا
1500أردني في فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون
تكريم عمر العبد اللات في تونس قبل استعداده لانطلاق مهرجان جرش
أرسل تعليقك