تاريخ وأساطير تنتشر في جبال صخرية، منقوشة أو مصبوغة أو مبنية أو مروية، ولكل منها قصة وحكاية تختلف عن الأخرى، والجامع بينها تاريخ يمتد بعضها لآلاف السنين.
هي قصص تصور حقبة ضاربة في عمق التاريخ، جاءت على شكل فنون ونقوش صخرية تصور حياة الإنسان القديم في مرحلة ما قبل الكتابة، حيث توزعت في مواقع عديدة من الجبال، التي يصعب الوصول إليها.
تنتشر هذه الآثار في محافظة الريث (تقريباً 130 كيلومترا شمال شرقي جازان)، وتحديداً في جبال شقراء والقهر، التي سُميت بذلك لصعوبة صعودها، وتوصف بأنها «قاهرة». ويسكن هذه الجبال ذات الطرق الوعرة قبائل الريث، وهم من يعرف مواقع هذه الآثار وقصصها، كما يصعب الوصول إليها من دون مساعدتهم، كون الطرق تقطع جبالا شديدة الوعورة بانكسارات حادة يصل ارتفاعها إلى أكثر من 1500 متر.
جالت «الشرق الأوسط» لاستكشاف هذه الجبال التي يصل سكان محافظتها إلى قرابة 20 ألف نسمة، وتحتوي على كنوز ثقافية وأثرية، وفيها يوجد بها العديد من الأودية والجبال الشهيرة.
وعادت «الشرق الأوسط»، للبحث أكثر في هذه الآثار بعدة أسئلة لهيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة السعودية، التي أكدت أن منطقة جازان تزخر بالكثير من المواقع الأثرية المتنوعة التي تشكل في مجملها رمزاً لحقب زمنية مختلفة أثرت في التاريخ القديم للمنطقة سياسيا وحضارياً واقتصاديا، وباتت اليوم شواهد ملموسة على تلك الحقب التاريخية، وتتكئ المنطقة على موروث حضاري يمتد من عصور ما قبل التاريخ ومروراً بالعصور التاريخية ومن ضمنها فترات الممالك العربية لما قبل الإسلام والفترة الإسلامية.
وأكدت الهيئة في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط» أن الاكتشافات الأثرية كثيرة على مستوى المنطقة سواء كانت نتيجة أعمال مسح وتنقيب أثري أو نتيجة وقوف المختصين في المنطقة على مواقع أثرية جديدة، ولا شك أن الاكتشافات الأثرية تحتاج إلى وقت حتى يجري تغطية جميع المنطقة وذلك لاتساع رقعتها الجغرافية، ولعل ما كُشف عنه حتى الآن وعلى سبيل المثال واديا مطر وفرسان دليل على ما تتميز به المنطقة من ثراء تاريخي يعكس الهوية الثقافية والحضارية للمنطقة.
في إحدى واجهات جبال القهر الصخرية يوجد قبران مبنيان من الحجارة، يمكن للزائر رؤية الهياكل العظمية داخلها وعددها تسعة، وبجانبها رسومات مصبوغة بالمغر الأحمر لتسعة كفوف، يُحكى أن 8 منها لنساء، وواحدة لطفل، إضافة إلى غيرها الكثير من النقوش الموزعة على واجهات جبال الريث.
عن ذلك، تقول هيئة التراث: «من الآثار التي تتميز بها محافظة الريث الفنون والنقوش الصخرية التي تصور حياة الإنسان القديم في مرحلة ما قبل الكتابة، والتي نفذها على واجهات الجبال والكهوف بطرق وأساليب فنية معينة كالحفر والنقر أو بالألوان، ليرسم أشكالاً بشرية وحيوانية وغيرها من الرموز التي لها معانٍ ودلائل عند راسمها. ولعل من أهم الجبال التي تضم مثل تلك الفنون الصخرية جبل القهر، ويسمى بجبل زهوان، الذي يمتد في شكل دائري على ارتفاع يقدر بحوالي (2014م) عن سطح البحر، ويعد من أشد جبال المملكة وعورة، ويتكون من أودية عميقة وجبال محدبة، كما توجد به انكسارات حادة وسفوح عالية منيعة وأخاديد سحيقة، أطولها أخدود وادي لجب، الذي يفصل بين جبل القهر وجبل شقراء».
وتابعت الهيئة حديثها، قائلة: «تقدر الفترة الزمنية التي نُفذت فيها تلك الفنون الصخرية في المنطقة إلى ما قبل الألف الرابع قبل الميلاد وحتى الألف الأول قبل الميلاد؛ حسب ما أفضت إليه نتائج الباحثين في آثار المنطقة، وهذا لا يعني أن هذه الفترة تعد تاريخا محدداً للتك الفنون، بل يجب أن تخضع لدراسات متأنية للوصول إلى حقائق تاريخية تساهم في إبراز تراث المنطقة الثقافي».
وأكدت الهيئة أنها تعمل على تسجيل المدن والقرى التراثية في قائمة التراث العمراني، ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، الذي يشمل منظومة من البرامج والمشروعات لتطوير مواقع التراث الوطني والتعريف بقيمتها التاريخية والمحافظة عليها.
وقد أنشأت الإدارة العامة لتسجيل وحماية الآثار في الهيئة، السجل الوطني الإلكتروني الخاص بتسجيل المواقع الأثرية والتاريخية في المملكة وتوثيقها، حيث يعمل السجل على توثيق المواقع الأثرية، وتسجيلها إلكترونياً بما يمكن من حمايتها وتطويرها، وقد استطاعت الهيئة عبر هذا المشروع الوطني المهم، تسجيل (8268) موقعاً أثرياً حتى الآن في جميع مناطق المملكة.
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك