أفادت مصادر إعلاميّة عالميّة، اليوم الأربعاء، أنّ منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، قررت في بيان لها، اعتبار عيد "نوروز" أقدم تراث وعيد معنويّ عالميّ وقوميّ في الشرق الأوسط، حيث تحتفل 12 دولة في العالم، بيوم "نوروز"، كعيد وتراث مشترك وميراث قوميّ لها، حيث قامت إيران قبل أعوام بالإشراف على مشروع لتسجيل "نوروز"، كمناسبة عريقة لدى اليونيسكو.
وكنتيجة لذلك، قامت اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، بالتعريف بـ"نوروز"، كأقدم عيد ويوم دينيّ في العالم بشكل رسميّ، وسبق للمنتدى العام لمنظمة الأمم المتحدة، أن عدّت في عام 2010 عيد "نوروز"، كعيد رسميّ، واليوم قامت منظمة حماية التراث العالميّ المتمثلة باليونيسكو، بالتعريف بيوم "نوروز" كأقدم عيد تراثيّ معنويّ عالميّ بشكل رسميّ.
و"نوروز" هو أول يوم في فصل الربيع، وبداية السنة الشمسيّة ويصادف لليوم 21 من شهر آذار/ مارس، من كلّ عام ويعتبره الكرد وعدد من الأمم والدول في المنطقة كيوم قوميّ مهم، وهناك إشارات ورموز مهمّة وظواهر وتراث خاص بنوروز عند القوميّة الكرديّة، تدلل على مدى ارتباط هذه المناسبة، وهذا العيد في كردستان كصاحبة لهذا العيد.
ويحتفل الكرد بعيد "نوروز"، منذ أزمنة غابرة، ويعتبرونه عيدًا قوميًا وتقويم جمهوريّة مهاباد الكرديّة اعتبر يوم "نوروز" عيدًا للشعب الكرديّ لكن شعوبا أخرى أيضًا مثل الفرس والأفغان والطاجيك والبل وش التي تنحدر أصولها من هضبة إيران وحتى الأوزبك والقرغيز، الذين ينحدرون من قبائل الهون تحتفل "نوروز" وهؤلاء جميعًا لا يختلفون في تسمية وأهمية هذه الذكرى، ولا يختلفون كذلك في توقيتها المصادف في الحادي والعشرين من شهر آذار/ مارس من كلّ عام، كما لا يختلفون كثيرًا في طريقة وطقوس الاحتفال وإن كان إشعال النيران لدى الكرد بشكل خاص، يعتبر ركنا أساسيًا يسبق الاحتفال بالعيد (ليلة العيد).
وتروى قصة "نوروز" لدى كل قوم، بحيث تخدم تاريخها وثقافتها ونهضتها على وجه التحديد، ولكن لا أحد يقدم وثائق تاريخيّة تبيّن واقعة اسمها "نوروز" محددة بالزمان والمكان، مثل سقوط روما مثلا فكل ما يروى عن "نوروز" هزيل بعض الشيء.
ويُعتبر عيد النيروز من أقدم الأعياد التي يُحتفل بها ليومنا هذا، ويتشارك إلى جانب الكرد في الاحتفال به الفرس (النوروز) والآذاريين وأفغانستان (الطاجيك) والعرب والعديد من الأعراق الأخرى، وهو في نفس الوقت رأس السنة الكرديّة الجديدة (2711)(2012).
ويقوم الكرد بالاحتفال بعيد النيروز بين 18-21 آذار، من كل عام بالخروج إلى الطبيعة والتجمّع وإحياء الفلوكلور والرقصات الكرديّة وإشعال الشموع على الشرفات وأسطح المنازل تيمّنا بنار "كاوا".
ويحمل لدى الكرد بعدًا قوميًا وصفة خاصّة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم، وفق الأسطورة التي تشير إلى أن إشعال النار كان رمزًا للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين.
قصة كاوا حداد، البطل الكردي، وروايات نوروز:
إنّ النسخةَ الكرديةَ للنيروز هي أسطورةُ "كاوا" الحداد الذي تشبه قصته القصّةِ في أسطورة الشاهنامة. الذي تقُولُ بأنّه في قديم الزمان كان هناك ملك أشوري شريّر سمّى "الضحاك". كان هذا الملك ومملكته قد لُعِنا بسبب شرِّه. الشمس رَفضتْ الشروق وكان من المستحيل نمو أيّ غذاء. الملك "الضحاك" كَانَ عِنده لعنة إضافية وهي إمتِلاك أفعيين رَبطتا بأكتافِه.
وعندما كَانتْ الأفاعي جائعة كَانَ يشعر بألم عظيم، والشيء الوحيد الذي يرضي جوع الأفاعي كَانتْ أدمغة الأطفالِ. لذا كُلّ يوم يقتل اثنان من أطفالِ القُرى المحليّةِ وتقدم أدمغتهم إلى الأفاعي "كاوا" كَانَ الحداد المحلي قد كره الملك مثل 16 مِنْ أطفالِه الـ17الذين كَانوا قَدْ ضُحّي بهم لأفاعي الملك. عندما وصلته كلمة أن طفله الأخير وهي بنت، سوف تقتل جاءَ بخطة لانقاذها، بدلاً مِنْ أنْ يَضحّي ببنتِه، ضَحّى "كاوا" بخروفِ وأعطىَ دماغَ الخِروفَ إلى الملكِ.
الإختلاف لَمْ يُلاحظْ. عندما سمع الآخرون عن خدعة "كاوا" عَمِلوا جميعًا نفس الشيء، في الليل يُرسلون أطفالهم إلى الجبالِ مَع (كاوا) الذين سَيَكُونونَ بأمان. الأطفال ازدهروا في الجبالِ و"كاوا" درّب جيشًا مِن الأطفالِ لإنهاء عهدِ الملكِ الشريّرِ. عندما أصبحت أعدادهم عظيمة بما فيه الكفاية، نَزلوا مِن الجبالِ وإقتحموا القلعةَ. "كاوا" بنفسه كان قد إختارَ الضربة القاتلة إلى الملكِ الشريّر "الضحاك". لإيصال الأخبارِ إلى ناس بلاد ما بين النهرينِ بَنى مشعلا كبيرًا أضاءَ السماءَ وطهّرَ الهواء من شر عهدِ "الضحاك". ذلك الصباح بَدأَت الشمسُ بالشروق ثانية والأراضي بَدأَ بالنمو مرةً أخرى. هذه هي البِداية "ليوم جديد" أَو نيروز، كما يتهجى في اللغة الكرديةِ.
نوروز
في ثقافة الكرد هي مأثرة قوميّة ومعلم إنسانيّ يجسد شموخهم في وجه الظلم الذي لم يبرح حياتهم بعد، وتحديًا متجددًا في وجه الظالمين، "نوروز" هي دعوة للالتقاء واللقاء ورمز لانتصار الحق على الباطل. وبداية لعهد الخير والحرية وبالازدهار في ربوع المنطقة وعبر القرون والأجيال ترسخ "نوروز" في عرف وثقافة الشعب الكرديّ، وتحول إلى كرنفال سنويّ يجسّد حب الكردي للطبيعة وشوقه إلى الحرية وحاجته للقاء الناس والخلان على دفئ شمس آذار في الحادي والعشرين من كلّ عام.
ويستعد الكرديّ للقاء "نوروز" منذ مطلع آذار فيشرق وجهه ويطيب لقياه ويتدفق الدم في عروقه، كما يتدفق النسغ في أغصان النبات ليورق ويزهر، ينشغل الأطفال والشباب بتحضير ملابس العيد والكبار يدعون السماء أن تمطر خيرًا كل يوم، وتنقشع الغيوم يوم "نوروز" لتشرق الشمس ويطيب العيد.
يوم العشرين من آذار وبعد مغيب الشمس، تجري العادة أن يتسلق الشبان والشابات الجبال والوهاد والروابي في القرى والأرياف الكردستانيّة، ويشعلون النيران في الأمكنة المرتفعة والمرئيّة للناس الذين يخرجون بدورهم إلى الشرفات والمصاطب والساحات لمشاهدتها إيذانا بقدوم "نوروز"، ومن أراد لفت الانتباه أكثر ابتعد وتسلق إلى القمم أو كتب بالنيران كلمة يعشقها الكرد مثل: ازادي الحرية، كردستان، نوروز، أما في المدن الكبيرة أو تلك التي يقطنها الكرد إلى جوار شعوب أخرى، فقد ارتأت المراجع الكرديّة وخلال الأعوام الأخيرة أن يتمّ إشعال المشاعل أو الشموع في الأماكن المرئيّة أو الخروج بها إلى الشارع، أو السير بها أرتالا متناسقة لتبشير الناس بقدوم "نوروز"، وذلك اتقاء مما قد تسببه النيران وعبث الأطفال من حرائق أو آثار تسيء إلى نوروز والمحتفلين به.
يوم الحادي والعشرين ومنذ الصباح، يتغلغل القرويون عبر الدربونات إلى أماكن التجمع والاحتفال بجانب الأنهار والسواقي وعلى سفوح التلال حاملين زاد النهار وما طاب من أكل وشراب وكلام. أما في المدن الكبيرة فقد اتخذت الناس أمكنة محددة يجتمعون فيها بعشرات، بل بمئات الألوف حيث العروض الممتعة من الرقص والأغاني والأناشيد الكردّية الشجيّة والدبكة، ذات الحركات المتناسقة التي تلتف حول الطبل والزرنة، حلقات وحلقات، والتي تحكي قصة نوروز والكرد ويدوم ذلك حتى مغيب شمس العيد، يوم الحادي والعشرين من آذار، تكون الناس قد تصافحت وتبادلت التهاني بالعيد وشاهدت العروض الفنيّة، ثم تعود الجموع إلى مآويها لتتحدث عن يوم جميل آخر قد مضى حافل بلقاءات الأحبة مفعم بالأمل، ويظلّ الأطفال من بعده أيامًا ينشدون أغاني العشق والحرية التي سمعوها يوم العيد، ويظلّ الكرد ينتظرون من جديد كاوا، نوروز، وشعلة الحرية.
أرسل تعليقك