مقهى الشعب في العراق شاهد ثقافي على أكثر من نصف قرن
آخر تحديث GMT20:50:53
 عمان اليوم -

ضمته دائرة آثار كردستان إلى أملاكها لضمان عدم هدمه

مقهى "الشعب" في العراق شاهد ثقافي على أكثر من نصف قرن

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - مقهى "الشعب" في العراق شاهد ثقافي على أكثر من نصف قرن

مقهى "الشعب" في السليمانية مكتظ بالمثقفين والناشطين دوما

السليمانية ـ العرب اليوم يعد مقهى "الشعب" وسط محافظة السليمانية شمال العراق، القلب النابض للحركة الثقافية والفنية في المدينة الغافية بين جبال ثلاثة، إذ يشكل هذا المقهى التراثي ومنذ أكثر من نصف قرن ملتقى للمثقفين والأدباء الأكراد. وقد ضمته دائرة الآثار والتراث التابعة لإقليم كردستان، إلى أملاكها، لتفادي هدمه مستقبلاً بعد أن أصبح جزء من هوية السليمانية.
ممر ضيق ينساب بهدوء إلى عالم يتوسع تدريجيًا بلا توقف حتى يجد الزائر نفسه عند نهايته وسط قاعة كبيرة صممت على طراز معماري بغدادي مشيدة بالطابوق والجص، وقد زينت جدرانها بصور تقدم للزائرين لمحة عن تاريخ مدينة السليمانية الغافية بين ثلاثة جبال. رائحة الكتب التي احتلت مساحة واسعة من زوايا المقهى، تمتزج برائحة لفافات التبغ الكردي المعتق لتستحضر في الذاكرة عبق الماضي. يصخب المكان بأصوات متداخلة من أقداح الشاي الكردي الثقيل ونقاشات رواد المقهى الضاج بالثقافة والحياة.
على غرار المقاهي الثقافية البغدادية القديمة، مثل الزهاوي والشابندر والجماهير، وغيرها والتي كانت ولا تزال ملتقى لرجال الأدب والعلم والسياسة والشعر، يجتمع المثقفون من أهالي السليمانية في هذا المقهى للنقاش والتباحث حول آخر القضايا السياسية والأدبية والثقافية والاجتماعية.
مقهى الشعب في العراق شاهد ثقافي على أكثر من نصف قرن
وعن تاريخ تأسيس المقهى ورواده يقول بكر محمد شريف، صاحب مقهى "الشعب"، والذي ورث المقهى عن والده: "يعود تاريخ تأسيس المقهى إلى مطلع خمسينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت كان المقهى ملتقى لمحبي الثقافة والفكر من سياسيين وشعراء وصحافيين وأدباء".
وبينما ينشغل بإعداد الشاي لزبائنه داخل المقهى المكتظ برواده الذين توافدوا على المقهى في ساعة الأصيل بشكل كبير، يضيف شريف "ما يميز مقهاي عن غيره من مقاهي المدينة هو كثرة النشاطات الثقافية التي تقام بين أروقته"، مبينًا أن الإقبال على مقهاه "يزداد في أيام الجمع والمناسبات".
وعن صور الشخصيات التي زينت جدران المقهى يوضح شريف "هذه الصور تمثل دليلاً يحاكي تاريخ المدينة وهويتها"، مشيرًا إلى أن صور مقهاه تضم فئات وشرائح معينة من المجتمع "كالمجانين والمثقفين والقادة الكرد فضلاً عن ضحايا نظام البعث"، بحسب تعبيره.
ومؤخرًا قامت دائرة الآثار والتراث التابعة لوزارة ثقافة إقليم كردستان العراق بضم مبنى مقهى الشعب إلى أملاكها لتفادي أي عملية هدم قد يتعرض لها المبنى مستقبلاً، بعد أن تحول المقهى إلى "موقع تراثي وبات يمثل هوية بارزة لمدينة السليمانية"، بحسب شريف.
مقهى الشعب في العراق شاهد ثقافي على أكثر من نصف قرن
"المقهى بمثابة بيتي الثاني... ورواده عائلتي الكبيرة"، بهذه العبارة يصف أمير حلبجي، شاعر وصحافي كردي، علاقته بالمقهى. حلبجي اعتاد زيارة المقهى منذ أربعين عاماُ، لمشاركة أصدقاء المهنة طاولة تبادل الأفكار والمعلومات مع قدح من الشاي، واصفًا المقهى بـ"الخيمة" التي يجتمع تحت ظلالها محبو الثقافة والفكر.
ويقول حلبجي (56 عامًا) والذي يعمل في العديد الصحف الكردية المحلية: "يعتبر المقهى شاهدًا صامتًا على الأحداث والمتغيرات التي عاصرتها مدينة السليمانية، أبرزها حملات القمع التي قادها نظام البعث ضد أبناء المدينة".
وبينما تنشغل عيناه بالبحث عن طاولة تتسع لأصدقائه الخمس، يستذكر حلبجي فصول من معاناة المدينة من منظور هذا المكان الذي كان حاضنة للثورات الكردية ومحط أنظار الأجهزة الأمنية خلال حقبة حكم البعث، "لقد اعتقل من هذا المقهى الكثير من الثوار الكرد، لذلك حاولت سلطة البعث إغلاق المقهى مرات عدة".
 الشاعر والصحافي الكردي أمير حلبجي من رواد مقهى الشعب
وشيد مقهى الشعب في السليمانية عام 1950 من قبل الأسطة شريف الجايجي، ويقع إلى جانب السراي في مركز المدينة. ومن أهم النشاطات الثقافية والأدبية التي يشهدها المبنى بصورة أسبوعية هو احتضانه للمعارض الفنية والفوتوغرافية والمناظرات الشعرية وفصول من التمثيل المسرحي.
أما آزاد محمد، موظف حكومي، فيرتبط بمقهى الشعب ارتباطًا وثيقًا منذ صغره، إذ يتذكر تلك الأيام عندما كان والده يصطحبه معه إلى هذا المكان الذي يعتبره "ناقوس لذكريات حياتي". يقول محمد (53 عامًا) "أفضل ارتياد المقهى مرة أو مرتين في الأسبوع".
ويستكمل حديثة بالقول: "يعتبر مقهى الشعب المتنفس الوحيد والرئة النابضة لمحبي الثقافية والسياسة والفن من أبناء المدينة"، منوهًا إلى أنه يشعر براحة كبيرة عند ارتياده لهذا المقهى فهو "ينسيني هموم الحياة. من خلال مطالعة أحدث إصدارات الكتب التي توفرها مكتبة المقهى".
 وعن الخصوصية التي انفرد بها مقهى الشعب، يضيف محمد أن "لغة الحوار وعدم تهميش الآخر في المناظرات وطرح الآراء والأفكار هي الصفة التي ينفرد بها هذا المقهى عن غيره من مقاهي المدينة". وخلال فترة تواجد محمد في المقهى يتعرف على آخر مستجدات الحركة الثقافية في السليمانية عن طريق تبادل الحديث مع أصدقائه الذين تعرف عليهم في مقهاه المفضل.
ويحتوي مقهى الشعب على مكتبة عامرة بأحدث الإصدارات من كتب سياسة وثقافية وتاريخية بمختلف اللغات أهداها مؤلفوها وقراؤها للمقهى لتكون جزءًا من خدمة المقهى لزبائنه، فيما زينت جدران المقهى بصور أبرز رواد المقهى ومرتاديه.
في إحدى زوايا المقهى عُلقت لوحة خشبية صغيرة كتب عليها بلون زيتي ازرق مكتبة "الشعب"، افترش صاحبها الأرض بأخر الإصدارات التي جاءت بها دور النشر العالمية والمحلية مستغلاً ضيق المساحة برفوف زجاجية ملئت جدران مكتبته بالكتب، يقول خالد حمه غريب، صاحب المكتبة التي تأسست منذ 15عامًا، أن "زبائني يحرصون على اقتناء الكتب الأدبية والفنية والسياسية وبمختلف اللغات".
وعن سبب اختيار مقهى الشعب لافتتاح مكتبته يضيف غريب (45 عامًا)، الذي بدأ منشغلاً بعض الشيء بترتيب كتبه بالقول: "صفة المعرفة والثقافة التي امتاز بها المقهى أبرز الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا المكان لإقامة مشروعي الصغير والذي اثبت نجاحه"، بحسب وصفه.
وبالتزامن مع الانتعاش الاقتصادي وحركة العمران الذي تشهده مدينة السليمانية، تعرض مقهى الشعب إلى محاولات للزوال في أكثر من مناسبة، لكن إصرار المثقفين على إبقاء المقهى منبرًا لتوجهاتهم الفكرية والثقافية حال دون ذلك، بينما تعرضت العديد من مقاهي الثقافية المدينة كمقهى"الأوقاف" و"حمه رق" إلى الهدم.

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقهى الشعب في العراق شاهد ثقافي على أكثر من نصف قرن مقهى الشعب في العراق شاهد ثقافي على أكثر من نصف قرن



GMT 14:39 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:13 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025
 عمان اليوم - أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025

GMT 20:21 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
 عمان اليوم - غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 20:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لتزيين الجدران الفارغة في المنزل المودرن
 عمان اليوم - أفكار مبتكرة لتزيين الجدران الفارغة في المنزل المودرن

GMT 07:43 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 عمان اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 07:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
 عمان اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 23:49 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab