تنشط الشركات الناشئة ومشروعات ريادة الأعمال في العديد من المجالات المبتكرة بدءا من التسويق والتجارة الإلكترونية إلى التقنيات المالية والزراعة الحيوية والنقل وخدمات الترفيه وصولا إلى الحلول التي تتعامل مع التحديات الإنمائية والتغيرات المناخية، ويمتلك هذه الشركات ويدير أغلبها شباب من جنسيات مختلفة في العالم، كما تشهد حضورا متزايدا في أنشطة الأعمال والاستثمار في منطقة الشرق الأوسط في ظل الأجيال الشابة التي تمتلك الطموح واعتادت استخدام التكنولوجيا منذ طفولتها ونجحت في الاستفادة منها في توفير فرص الأعمال.
وتعتمد العديد من الدول بشكل كبير على أنشطة ريادة الأعمال والشركات الناشئة في تعزيز النمو الاقتصادي وإكسابه روح الابتكار التي تعد ركيزة مهمة للتنافسية، ويفتح النمو الاقتصادي فرصا جديدة وواعدة للمستثمرين عامة ورواد الأعمال بشكل خاص، وبينما تمر سلطنة عمان في الوقت الحالي بمرحلة نمو اقتصادي ترتفع معدلاته وتتسع طموحاته، تفسح التوجهات والسياسات الحكومية الطريق أمام تمكين الشباب ونمو مشروعات ريادة الأعمال مع اهتمام خاصة بالاستثمار الجريء والمبادر والشركات الناشئة، وتضع سياسات التنويع ريادة الأعمال إحدى ركائز دعم النمو وتوليد الوظائف وتلبية طموحات الشباب الراغب في العمل عبر مشروع خاص، وهو ما يعزز آفاق ريادة الأعمال التي تستحوذ بشكل متزايد على اهتمام الشباب.
كان من الخطوات المهمة لتشجيع الشباب على الدخول إلى مجال ريادة الأعمال في سلطنة عمان انطلاقة برنامج الشركات الناشئة الواعدة كجهة معنية بتشجيع هذه النوعية المهمة من الأعمال وتحديد توجهاتها الاستراتيجية وفق مستهدفات التنويع الاقتصادي ويهدف البرنامج إلى تحفيز منظومة الشركات القائمة على التقنية والابتكار في سلطنة عُمان والإسهام في نشر ثقافة الشركات الناشئة في المؤسسات التعليمية ولدى المجتمع، والسعي لتوسعة أنشطة عدد من الشركات الناشئة من السوق العمانية إلى المستوى الإقليمي فضلا عن العمل على إيجاد حلول تمويلية واستثمارية مستدامة تتناسب مع احتياجات الشركات، كما أعلنت سلطنة عمان مؤخرا عن تأسيس صندوق عمان المستقبل لتحفيز الاستثمارات الخاصة والاستثمار الجريء في الشركات الناشئة، وتعزيز وصولها لأحدث الابتكارات والتقنيات المتقدمة وتوطينها.
كانت ريادة الأعمال دائما مجالا جاذبا لشرائح واسعة من العمانيين، وأثبت العديد من مشروعات الشباب حضورا قويا في قطاعات التجارة التقليدية والابتكار والتجارة الإلكترونية والصناعات الابداعية والحلول التكنولوجية وتمكنت من مواكبة سريعة للمتطلبات والتغيرات في عادات المستهلكين وتوجههم المتزايد نحو التسوق والخدمات الإلكترونية، وكانت أزمة تفشي الجائحة أحد العوامل التي عززت وجود شركات ناشئة تعتمد في عملها على التقنيات والتطبيقات الإلكترونية.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المسجلة لدى هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة «ريادة» يصل إلى نحو81 ألفا في الوقت الحالي، وانضم نحو 26 ألف مؤسسة للتسجيل لدى «ريادة» خلال العام الماضي سعيا للاستفادة من الكثير من حزم الدعم والتمويل والتوجيه.
ومن جانب آخر، يتخطى إجمالي المؤسسات النشطة في سلطنة عمان 221 ألف مؤسسة وغالبيتها من المؤسسات المتوسطة والصغيرة والصغرى التي تساهم بشكل جيد في التوظيف لكن مساهمتها في الناتج المحلي تعد محدودة وقد سجلت نحو 2.7 مليار ريال عماني خلال الربع الأخير من العام الماضي من إجمالي ناتج محلي يتجاوز 11 مليار ريال عماني في حين تقترب مساهمة المؤسسات الكبرى من 7 مليارات ريال عماني.
وتوضح هذه الإحصائيات وجود مجال واسع لرفع القيمة المضافة وحجم المساهمة الاقتصادية لأنشطة ريادة الأعمال في النمو الاقتصادي وفي توفير الوظائف في ظل الدعم والتشجيع الحكومي واسع النطاق لمشروعات ريادة الأعمال والشركات الناشئة، مما يضع القطاع على الطريق نحو نقلة تواكب المتغيرات التي يشهدها واقع الاقتصاد في سلطنة عمان والعالم، حيث التركيز على التنويع والاهتمام بالقطاعات والأنشطة التي تعزز التنوع المرغوب في بنية الاقتصاد، والسعي إلى نشر روح الابتكار والمبادرة في قطاع الأعمال كقلب نابض ينقل الاقتصاد إلى مساحات من النمو غير التقليدي بما يواكب ما يشهده العالم من متغيرات سريعة وتقدم تقني.
وتتضمن السياسات الحكومية لتعزيز نمو ريادة الأعمال زيادة استفادة القطاع من المناقصات التي تطرحها الحكومة ورفع المحتوى المحلي في مختلف القطاعات والعديد من التسهيلات والحوافز والإعفاءات التي تقدمها الحكومة لأنشطة ريادة الأعمال لتلبية احتياجات السوق المحلي ولتسهيل وصول خدمات ومنتجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للأسواق العالمية عبر المعارض الترويجية وتنظيم اللقاءات المباشرة مع المستثمرين، كما تتوسع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تمويل مشروعات ريادة الأعمال في القطاعات الاقتصادية الواعدة التي تستهدفها رؤية عُمان 2040، مع الاهتمام في الوقت نفسه ببناء القدرات للشركات الناشئة، وتسهيل التمويل والاستثمار، وإيجاد البيئة التشريعية الداعمة، كما كان من التطورات المهمة توجه برنامج الشركات الناشئة إلى تنفيذ دراسة تحليلية حول التحديات التي تواجه الشركات الناشئة في سلطنة عمان سعيا للوصول إلى توصيات ومبادرات محفزة لها.
وتقدم التجارب العالمية العديد من الدروس المستفادة لتعزيز نمو ريادة الأعمال والشركات الناشئة ولا شك أن تجربة سيليكون فالي أو وادي التكنولوجيا في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية من أهم التجارب حيث انطلقت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا وتحولت إلى الكيانات العملاقة الأكثر تأثيرا في العالم حاليا ومنها مايكروسوف وأبل واتش بي وآي بي ام وغير ذلك من الشركات التي رسخت المكانة الأمريكية في قيادة الابتكار والتكنولوجيا في العالم، واعتمد نجاح سيليكون فالي بشكل أساسي على حرية الابتكار وتوفير البيئة الداعمة والتمويل لنمو الشركات الناشئة التي وجدت أيضا دعما واسعا من وجود جامعة ستانفورد العريقة في المنطقة التي اشتهرت بأنها من أكثر الكيانات الأكاديمية التي تشجع البحث العلمي وتؤهل الطلاب لافتتاح أعمالهم الخاصة ودخول مجالات ريادة الأعمال وهو ما يؤكد أهمية هذه الكيانات في تعزيز البحث العلمي ونشر ثقافة ريادة الأعمال، وخلال العقود الماضية، انتقلت تجربة سيليكون فالي إلى العديد من دول العالم منها ألمانيا واستراليا وكندا وسنغافورة، وارتبط النجاح دائما بقدرة الدول على توفير الأنظمة البيئية الداعمة وفي الوقت نفسه كان نجاح الشركات الناشئة من أهم العوامل التي عززت تنافسية الاقتصاد في الكثير من هذه الدول.
ومع الإمكانيات الكبيرة للشركات الناشئة، أصبحت المؤسسات الدولية المعنية بشؤون التنمية تشجع هذه الشركات بالدعم والتمويل، وقد طرحت مؤسسة التمويل الدولية منصة رأس المال المخاطر بقيمة 225 مليون دولار وتتوجه المنصة للأسواق الناشئة بهدف تعزيز الاقتصادات الرقمية في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وباكستان لدعم النمو الاقتصادي في العديد من المناطق النامية ولتقديم حلول للتحديات الإنمائية من خلال الابتكارات التكنولوجية في مجالات المناخ والرعاية الصحية والتعليم والزراعة والتجارة الإلكترونية والقطاعات الأخرى. وإقليميا يشهد الاستثمار في الشركات الناشئة إقبالا جيدا في منطقة الشرق الأوسط حيث تتزايد معدلات التمويل لهذه الشركات وتتجه صناديق الاستثمار الحكومية بشكل متزايد نحو الشركات الناشئة لأهداف متعددة منها تحقيق العوائد الجيدة للاستثمار ودعم آفاق التنويع الاقتصادي.
قد يهمك ايضاً
البنك المركزي العماني يُصدر قرارًا حول الأنشطة المصرح بها لشركات التمويل والتأجير التمويلي
لجنة خليجية تستعرض الآفاق المستقبلية للتكامل الاقتصادي والتنموي في مسقط
أرسل تعليقك