ما بين إغلاق لدور العرض وذعر من التواجد بها خوفا من الإصابة بالعدوى، تقلب حال مدينة السينما الأميركية من منطقة تدر المليارات من الدولارات، جاذبة للنجوم وتصوير ومتابعة الأفلام الجديدة إلى مدينة مُفلسة وحزينة، تخشى الاستوديوهات الكبيرة بها من ضخ أعمالها الجديدة بها، وجه لها «كوفيد-19» ضربات موجعة بعد إغلاق دور العرض السينمائية بها لمدة تقترب من 5 أشهر منذ انتشار الفيروس فى الولايات المتحدة وتحولها إلى واحدة من أعلى الدول فى معدلات الإصابة عالميا منذ فبراير الماضى،
ومع إعادة افتتاح دور العرض السينمائية، لم تعد هوليوود كما كانت، مزيد من التأجيلات لعروض الأفلام التى كان يتوقع أن يشهدها 2020، بينما آثرت بعض الشركات عدم انتظار المزيد حتى تتحسن الأمور، فالموجة الثانية من «كوفيد-19» تشتد، فطرح هوليوود أفلامها رقميا عبر المنصات المدفوعة بجانب العرض التجارى لها بدور العرض السينمائية خارج الولايات المتحدة، لتواصل صناعة السينما تحقيق المزيد من الخسائر، بينما يواصل مسؤولو دور العرض وموزعو الأفلام إرسال استغاثاتهم إلى الكونجرس الأمريكى للتدخل بضخ وتوجيه مساعدات إلى رابطة موزعى الأفلام ودعم دور العرض دون استجابة حتى الآن.
كان من المقرر أن يكون 2020 عاما سعيدا لصناعة الترفيه، يشهد عرض أفلام ضخمة وفقا لخطة أعدتها هوليوود منذ سنوات، أعمال ينتظرها الجمهور وتدر الملايين لهوليوود، التى حققت 136 مليار دولار من عائدات الأفلام عام 2019، لم تستطع تحقيق أى منها فى 2020، ووصل الأمر إلى توقيع 29 شركة كبرى فى هوليوود عدا العديد من ممثلى المؤسسات الإنتاجية الصغيرة، ومندوبى نقابات المخرجين الأمريكيين، والتحالف الدولى لموظفى المسرح، والاتحاد الدولي لرجال الأعمال والحرف الأساسية، ورابطة منتجى الصور المتحركة للتلفزيون، اتفقوا على بروتوكولات لإنقاذ هوليوود، التى لم تشهد منذ أشهر اتفاقات لأفلام جديدة أو تصويرها، فى حين يتبقى عشرات الأفلام المؤجلة للأعوام المقبلة لم تعرض بعد، بينما يقدر الخبراء حدوث 65% انخفاضا إجماليا فى عائداتها هذا العام.
وكان من المفترض أن تعرض أفلام كبيرة ضخمة التكلفة تتجاوز 150 مليون دولار فى ميزانياتها، فكان قرار الاستوديوهات بتأجيل عرضها إلى 2021 و2022، مثل الجزء الجديد من سلسلة «جيمس بوند» No Time to Die، والجزء التاسع من سلسلة «Fast and Furious»، والجزء السابع من سلسلة «Mission Impossible»، الجزء الثانى من «A Quiet Place»، و«Jurassic World: Dominion» أحدث سلسلة أفلام «الحديقة الجوراسية»، و«DUNE» و«THE BATMAN»، و«BLACK WIDOW».
ورغم أن الصالات السينمائية أعادت فتح أبوابها منذ يونيو الماضى فى عدد من دول العالم، إلا أن تلك الخطوة كانت بطيئة فى الولايات المتحدة، وأحجم الجمهور عن متابعة الأفلام فى دور العرض السينمائية خوفا من فيروس كورونا، إلى جانب استمرار غلق دور العرض ببعض المدن مثل لوس أنجلوس ونيويورك مع الموجة الثانية من «كوفيد-19»، وأغلقت ساينوورلد، ثانى أكبر الشركات المالكة لدور السينما فى الولايات المتحدة وبريطانيا، دورا خاصة بها فى الولايات المتحدة بعد أن عاودت فتحها فى أغسطس الماضى.
ومع عزوف الجمهور عن التواجد بدور العرض كان لبعض الاستوديوهات قرار المجازفة بضخ أفلام منخفضة التكلفة لتحقق إيرادات متواضعة، بعضها لم يتجاوز 16 مليون دولار منذ إعادة افتتاحها فى يونيو الماضى مثل the war with grandpa بطولة «روبرت دى نيرو»، ولم تطرح أفلام ضخمة التكلفة إلا قليلا مثل «Tenet» للمخرج كريستوفر نولان، الذى تكلف 150 مليون دولار، وطرح نهاية يونيو محققا 250 مليون دولار عالميا، و55 مليون دولار فقط فى مسقط رأسه الولايات المتحدة، واعتبر مخرجه أن قرار عرضه وسط هذه التحديات كان جريئا، بينما خشى منتجو هوليوود من المجازفة، وفضلوا اتخاذ قرار التأجيل لأفلامهم إلى 2021 و2022
البث الرقمى كان خيار آخر، رغم صعوبته لدى منتجى الأفلام في هوليوود، الذين طرحوا بعض الأفلام للعرض عبر المنصات الرقمية المدفوعة، منها «Mulan»، الذى كان من المفترض أن يعرف طريقه إلى دور العرض فى مارس الماضى، وتأجل بسبب الجائحة، إلى أن تم طرحه فى دور العرض السينمائية بالصين ورقميا عبر منصة «ديزنى+» فى الولايات المتحدة مقابل 30 دولارا لمدة 3 أشهر، وهو ما واجهه أيضا فيلم «WONDER WOMAN 1984»، فبعد أن كان مقررا طرحه هذا الصيف، وتأجل إلى 2021 مع جائحة كورونا، جرى طرحه فى الصالات السينمائية بعدد من دول العالم، بينما يطرح رقميا عبر « HBO MAX» فى التوقيت نفسه.
المفارقة الصعبة أن خسائر صناعة السينما الأمريكية والعالمية ستتواصل حتى نهاية 2024 بسبب الجائحة وما سببته خلال 2020، حيث يتوقع أن تخسر بنسبة 2.4% حتى نهاية 2024 بمبلغ 39.9 مليار دولار.ووفقا للمؤسسة البحثية ـ«PwC's Global Entertainment & Media Outlook»، فإن الركود العالمى الناجم عن الوباء سيعنى أن عام 2020 سيشهد أكبر انخفاض فى عائدات الترفيه والإعلام العالمية فى تاريخ هذا البحث والذى بدأته المؤسسة البحثية خلال 21 عامًا، مشيرة إلى انخفاض قدره 5.6%، أو أكثر من 120 مليار دولار، من عام 2019 إلى 2.02 تريليون دولار حتى عام 2024، وسرع به وباء «كورونا».
وفى أحدث توقعاتها أشارت المؤسسة البحثية إلى أن الولايات المتحدة ستتغلب على عاصفة فيروس كورونا بنجاح أكبر من الصين، رغم أن الصين تبدو هى المتفوقة حاليا وتقلص الإيرادات خلال تلك الفترة الزمنية، لكنها تتوقع فى عام 2024، أن يصل إجمالى الإيرادات 10.0 مليار دولار فى الولايات المتحدة، بينما ستبلغ قيمة السوق الصينية 8.1 مليار دولار.من ناحية أخرى وعلى مستوى إنتاج وتصوير الأفلام أيضا شهدت صناعة السينما الأمريكية تخبطا واضطرابا كبيرا، فبعض الأفلام تعطل وأُوقف تصويرها، وأخرى استكملت تصويرها بشق الأنفس وبميزانية كبيرة لتوفير الاحتياجات اللازمة لتطبيق الإجراءات الاحترازية من «كورونا» للعاملين فى تصويرها، وأفلام توقف تصويرها لفترة وعادت لتستكمله فى يونيو الماضى فى دول أخرى كانت الأقل فى معدلات الإصابة بفيروس «كورونا» مثل نيوزيلاندا التى شهدت تصوير سلسلة أفاتار Avatar للمخرج «جيمس كاميرون»، واستفادت بـ400 مليون دولار من تصوير الأفلام بها خلال 6 أشهر.
السوق السينمائية العالمية أيضا واجهت انتكاسة، لكنها لم تكن مثل ما واجهته هوليوود، فكان هناك انخفاض فى معدلات حضور الأفلام بدور العرض السينمائية التى أعيد افتتاحها، باستثناء الصين التى شهدت انتعاشا رغم أنها الدولة التى بدأ فيروس كورونا الانتشار بها إلى العالم أجمع، وحققت الأفلام المحلية بالصين إلى جانب الأمريكية إيرادات معقولة فى ظل الجائحة.
وفى الهند التي تعد أكبر أكبر الأسواق العالمية رواجا، ضرب كورونا صناعة السينما فى بوليوود، مع تفشى الوباء منذ مارس الماضى، وتراجعت عروض الأفلام الجديدة وأغلقت العديد من دور العرض، وأصاب نجومها أيضا الفيروس وكان أبرزهم عائلة النجم الهندى أميتاب باتشان.
قد يهمك ايضا :
"أنجيل هاز فولِن" يتصدَّر إيرادات دور السينما الأميركية للأسبوع الثاني
"هوليوود" بين سندان البعد عن السياسة وصناعة الترفيه الساذج
أرسل تعليقك