ذهبت قرية «وادي المر» التابعة لولاية جعلان بني بوعلي في طي النسيان منذ سنوات بعيدة وذلك بسبب هجران أهلها لها، والذي لم يكن رغبة ولكن إضطرارا، وذلك بسبب قصتها التي تعود إلى ما قبل 30 عاما، حيث هجرها سكانها جميعا بسبب تعرضها لرياح عاتية محملة بتلال من الرمال المتحركة التي طمستها فغطت جميع بيوتها ومحت معالمها بل وحذفتها من قائمة قرى ولاية جعلان بني بوعلي تقريبا، ولذا أصبحت شبه مدفونة تحت الرمال فأطلق عليها البعض اسم «القرية المدفونة»، إلا أنه مع مرور الزمن وعوامل التعرية ورغبة بعض أهالي القرية في الحنين إلى الماضي البعيد بدأ بعض أصحاب تلك البيوت يعودون للكشف عن بعض معالمها ليظهر بصيص منها ولتصبح مزارا لهم، ويفد لها البعض للسياحة والتخييم حيث يسبقها واد فسيح يلتقي عند قمة جبلية تغلفها طبيعة جميلة وتدرج يشجع على الصعود إلى قمته مما يجعل منها مكانا أو وجهة سياحية.قمنا بزيارة للقرية لاستطلاع ملامحها والتعرف على قصتها على أرض الواقع، كانت المسافة من العاصمة مسقط إلى مركز ولاية جعلان بني بوعلي بمحافظة جنوب الشرقية التي تتبعها القرية حوالي 310 كيلو مترات، وكان ينتظرنا هناك محمد الغنبوصي أحد أبناء الولاية الذي رافقنا إليها لننطلق حتى مركز شرطة الولاية الذي يقع بالقرب منه مفترق طرق يفصل بين نيابتي رأس الحد، والأشخرة الشهيرتين سياحيا، ومنها قطعنا مسافة أخرى تقارب من 80 كلم، ثم وصلنا إلى منطقة انتهى فيها الطريق الممهد والمرصوف لنكمل في طريق غير معبَد لمسافة حوالي ثلاثة كيلو مترات أخرى لنجد أنفسنا وبدون أي إشارات تدل على أن هناك قرية أو حتى أثارا أننا قد وصلنا القرية.
من الطريق غير المعبد انحرفنا يمينا لمسافة حوالي كيلو متر أخر وسط واد صحراوي تغطيه الصخور والرمال وإن كانت تنتشر فيه بعض الأشجار والنباتات الصحراوية وخاصة شجرة المسكيت (الصفصاف) لنصل إلى القرية التي ما أن تنظر إليها من الخارج لترى وأنها دفنت جميع منازلها التي كانت في بطن الوادي بالرمال، وكأنها لم يكن بها منازل من قبل، غير أنه ما أن تنطلق للداخل أكثر لتبدأ تتكشف لك بعض أجزاء أو جدران أو حتى غرف من تلك البيوت التي رصدنا منها 13 بيتا فقط تظهر بعض أجزاء منها، أما بقية البيوت وبحسب المرافقين لنا في الرحلة فقد دفنت بالكامل كما أنه لا يعرف كم كان عددها تحديدا.ولاحظنا أن جميع بيوت القرية تأخذ الطابع التقليدي للمنزل العماني القديم وهي عبارة عن منازل مبنية من الأحجار وهي عبارة عن سور كبير يحيط بحوش به مطبخ تقليدي صغير وفي نهايته غرفتان أو ثلاث، ويتوسط القرية جامع بنفس الطابع.
وفي مقابلة مع محمد بن خميس بن عبدالله الغنبوصي قال: يمكن الوصول إلى قرية وادي المر عن طريقين، إما عن طريق مركز ولاية جعلان بني بو علي، أو من ناحية ولاية صور. وأكد أن القرية هجرها أهلها ورحلوا عنها قبل 30 عاما تقريبا وذلك بسبب زحف الكثبان الرملية عليها لتغطي منازلها وتدفنها تحتها، وأن بعضهم انتقلوا إلى بعض القرى المجاورة ومنهم من رحل إلى مركز الولاية.
وأضاف سالم الغنبوصي قائلا: إن القرية التي كان أغلب سكانها من قبيلة «العريمي» رغم ما لحق بها من خراب ودمار، ورمال غطت جميع معالمها وملامحها، إلا أنه بفعل عوامل التعرية بدأت تتكشف بعض أجزاء بسيطة من تلك المعالم ، ومع حنين البعض توجهوا مؤخرا لزيارتها، كما أن الملاحظ أن القرية ما زالت تحتفظ بقوة مساكنها لأنها مبنية من الحجر و متمسكة بجمالها، مما جعلها مؤخرا مقصدا لبعض محبي الطبيعة والتصوير.
وقال سالم العريمي: «تقع جميع منازل القرية تحت الرمال التي دفنتها قبل 30 عاما بسبب هبوب رياح تسمى «الكوس» حتى غطت المنازل، وقد أخبرنا من حضروا الواقعة أنه في حينها بدأ الناس يخرجون جرياً بأسرهم ويهربون منها، وفروا إلى القرى المجاورة، إلا أن هناك آخرين لم يتمكنوا من الهروب منها ودفنوا تحت الرمال.»
نموذج للقرى العمانية القديمة
وقال محمد العلوي: «منذ أن هجرنا القرية ونحن نرى أن منازل القرية مدفونة بالكامل وأن أهلها لم يعودوا إليها لسنوات طويلة، ولكن ومع تكشف بعض معالمها منذ بضع سنوات بدأ الحنين يعاود البعض ومنهم والدتي التي طلبت مني منذ عدة سنوات زيارة المكان بعد أن عرفت بظهور ملامح منها و تعرفنا على منزلنا، وبالفعل أخذتها إلى هناك، و الآن فكل بضعة شهور تحن الوالدة إلى زيارة القرية المهجورة، ونأخذها إلى هناك فتتذكر كثيرا من بيوت الأهل المهجورة ومعالم القرية وخاصة «تلة وادي الفطر» الملاصقة لمسجد القرية التي تربطها بها ذكريات رمضانية قديمة وتروي لنا كثيرا من القصص وكثيرا ما يغالبها البكاء.»
وقال راشد العامري من ولاية صور : جئت اليوم للزيارة أنا واثنان من أصدقائي.. كثيرا ما سمعنا عن اسم قرية وادي المر وأنها كانت مدفونة بالرمال وأنه يذهب البعض لزيارتها وجئنا لنجد أنها نموذج تراثي للقرى العمانية القديمة. وأضاف متعجبا: «ولكن إن أول ما لفت نظري وشعرت بالدهشة له هو مدى قوة الطبيعة وكيف أنها تمكنت من محو قرية تماما بطمس جميع معالمها، غير أن الأمر الأكثر دهشة هو كيف أن معالم القرية التي يتم الكشف عنها تدريجيا ما زالت محتفظة بتفاصيلها القديمة كاملة».
وأشار العامري إلى أن القرية ونظرا لتاريخها وقصتها التي تتردد كثيرا، وبسبب الطبيعة المحيطة بها أصبحت اليوم مزارا لبعض محبي «الهايكنج» أو المشي الجبلي وكذلك لمحبي التخييم وحتى بعض السياح ومحبي الطبيعة والتصوير.
الجدير بالذكر أن السلطنة منذ سنوات تسعى إلى زيادة مساهمة السياحة في تنويع مصادر الدخل بدلا من الاعتماد على النفط بنسبة تفوق 70 بالمائة من الميزانية العامة للدولة، واعتمدت الحكومة العمانية في 2016 خمسة قطاعات لذلك هي: السياحة، الصناعات التحويلية، التعدين، النقل واللوجستيات، والثروة السمكية.
وبحسب إحصائيات 2020 فإن السياحة في السلطنة اجتذبت خلال عام 2019 ثلاثة ملايين سائح من العالم، فيما تشير التوقعات أن تجذب في العام 2025 أربعة أضعاف هذا العدد، أي 12 مليون سائح. وتتمتع السلطنة بالعديد من المعالم السياحية من قلاع وحصون، بالإضافة إلى الطبيعة من صحارٍ وجبال وأودية وبحور ومياه، علاوة عن امتلاكها لنحو 3000 كيلو مترات من الشواطئ الجميلة.
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك