أعاد السجال الذي انفجر بين رئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف حسان دياب، مباحثات تشكيل الحكومة إلى المربّع الأول بعدما طرأ على مواقف داعمي دياب تبدل واضح لجهة صيغة التشكيلة المفترضة، وتحديداً عبر مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، بحكومة تكنوسياسية، وهو ما لم يعترض عليه «حزب الله».
ومساء أول من أمس، تحدث دياب عن ضغوط يتعرض لها، مؤكِّداً أنه رغم ذلك «لن يرضخ ولن يتقاعس عن استكمال مهمّته ولن يقبل بأن تصبح رئاسة الحكومة مكسر عصا»، مجدداً «التزامه بالمعايير التي وضعها لتشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة»، ليعود بعدها وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، ويصدر بياناً يرد فيه على دياب، قائلاً إن رئيس الجمهورية هو الذي يسمي الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب «وهو ليس ساعي بريد أو صندوق اقتراع في عملية التكليف والتسمية».
وفي هذا الإطار، قالت مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» إن «بيان جريصاتي كافٍ، وما حصل يُظهر أن الأمور عادت إلى المربع الأول، وفي مرحلة تتطلب إعادة تقييم للعملية بأكملها»، مؤكدةً أنه ليست هناك أي جهة تمارس الضغوط على دياب. ورأت المصادر أن الكرة اليوم باتت في ملعب الرئيس المكلف، خصوصاً في ظل اجتماع الفرقاء الذين دعموه ومنحوه أصواتهم لتكليفه للدفع باتجاه تشكيل حكومة «تكنوسياسية» وهو بالتالي لا يمكنه رفض طلبهم.
وذكّرت المصادر بدعوة الرئيس نبيه بري لتشكيل حكومة «تكنوسياسية ولمّ شمل وطني جامعة»، وهي الصيغة التي دفع باتجاهها أيضاً رئيس الجمهورية ولم يعارضها علناً «حزب الله». وتضيف المصادر: «الحكمة تقضي بتطعيم الحكومة ببعض السياسيين ويتم توزيع الحقائب بشكل عادل بحيث تكون الصيغة مقبولة من الجميع».
وفيما تحدث دياب عن عناوين تم الاتفاق عليها مع الجميع، قالت المصادر الوزارية: «الأمور التي اتُّفق عليها لم تتبدل المواقف بشأنها ولا نعلم عما يتحدث دياب، وما هي الجهة التي اتفق معها».
وعدّت المصادر أن دياب كبّل نفسه بالتزامات متسرّعة، كأن يحدد مدة ستة أسابيع لتشكيل الحكومة ومجلس وزراء من المتخصصين غير الحزبيين وعدم مشاركة وزراء من الحكومات السابقة، مضيفةً: «هذه الأمور لا تصلح في السياسة، حيث من المتوقع دائماً أن تحدث أمور تفرض متغيرات جذرية».
في المقابل، أعادت مصادر قريبة من الرئيس المكلف حسان دياب، تأكيد موقفه من تأليف حكومة تكنوقراط من غير الحزبيين، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كُلّف دياب لرئاسة الحكومة قَبِل بالمهمة وفق هذه المعايير، أما اليوم ومع محاولة البعض تغيير مواقفهم فهو لن يبدّل موقفه».
وفي ردّ على سؤال حول التلويح بأن على دياب قبول رغبة من كلّفوه تأليف الحكومة، تقول المصادر: «إذا كان هناك من نصوص دستورية تسمح لهم بسحب هذا التكليف فليفعلوا». وأضافت المصادر: «هناك خياران: إما ترك الأزمة تتفاقم وإما التوقيع على التشكيلة الحكومية وإحالتها إلى البرلمان كما ينص الدستور، وعندها إما تنال الثقة وإما لا تحصل عليها».
وفي بيانه أشار دياب إلى عناوين تم الاتفاق عليها مع الفرقاء كافة، وهي: تأليف حكومة مصغرة من 18 وزيراً ووزيرة، وفصل النيابة عن الوزارة، وأن يكون الوزراء اختصاصيين غير حزبيين، إضافة إلى إلغاء منصب «وزير دولة» وعدم مشاركة وزراء حكومة تصريف الأعمال التي أسقطها الحراك الشعبي.
وشدد على أن «الضغوط مهما بلغت لن تغير من قناعاتي، وأنني لن أرضخ للتهويل، ولن أتقاعس عن استكمال مهمتي ومتابعة اتصالاتي بالجميع، ولن أقبل أن تصبح رئاسة الحكومة مكسر عصا».
وبعد بيان دياب رد وزير الدولة لرئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، عليه في بيان قال فيه إن رئيس الجمهورية ليس ساعي بريد أو صندوق اقتراع في عملية التكليف والتسمية وليس هو مجرد موثّق بتوقيعه لوثيقة تأليف الحكومات.
وأضاف جريصاتي: «إن رئيس الجمهورية هو الذي يسمي الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها، ما يعني صراحةً أن الرئيس يستشير ويتشاور ويسمي، وهذه صلاحية تجعل منه مبادراً في عملية التسمية ومكملاً لها وشريكاً أساسياً فيها، من التكليف مروراً بالتثبيت (بدليل أنه يُصدر منفرداً مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء عملاً بالمادة 53 الفقرة الثالثة من الدستور) حتى التأليف أو الاعتذار».
وأضاف: «رئيس الحكومة المكلف يُجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وهنا أيضاً أن رئيس الجمهورية هو المبادر والشريك الأساسي، على ما تنص عليه أيضاً وتؤكده المادة 53 الفقرة الرابعة من الدستور، لجهة أنه هو الذي يصدر مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء. ما يعني صراحةً أيضاً أن رأيه وقراره وازنان في التشكيلة الحكومية، لا بل إنهما حاسمان بالمفهوم الدستوري، ما دام توقيعه يختم مسار التكليف والتسمية والتأليف».
ودخل أمس، رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، على خط الخلافات المرتبطة بالمحاصصة في الحكومة، متّهماً الوزير جبران باسيل بشكل غير مباشر بالاستئثار بالحصة المسيحية. ونقل موقع «مستقبل ويب» عنه قوله: «إذا كان التمثيل المسيحي يقتصر على التيار الوطني الحرّ فقط فنحن لا نرضى بوزير واحد وإنما نطالب بوزيرين».
وأضاف: «قبل أن نتخذ قرارنا نريد أن نعرف حجم الوزير جبران باسيل في الحكومة وبناءً على ذلك نقرر المشاركة أو عدمها، وبالتالي إذا كان الوزراء المقترحون مستقلين عن الأحزاب فعلاً شيء وإذا كانت الأحزاب تسمّي الوزراء فنحن نريد اعتماد المبدأ نفسه».
وقال نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ«حزب الله» أمس، إن «(حزب الله) قدَّم ويقدِّم كلَّ المساهمات والتسهيلات المطلوبة لتشكيل الحكومة، وبذل وسيبذل جهوداً مضنية من أجل أن ترى النور، ولا يمكن الآن الحكم على نتائج المشاورات من أجل التأليف بشكل قاطع». من جهته، اعتبر النائب علي بزي، من كتلة التنمية والتحرير، أن «حركة أمل» ورئيس البرلمان نبيه بري «حريصان كل الحرص على تجاوز لبنان واللبنانيين أزماتهم السياسية والاقتصادية والمالية والحياتية»، مشدداً على «خريطة طريق واضحة للإنقاذ تبدأ بتأليف حكومة جامعة وفق رؤية تبدد هواجس الناس بعيداً من منطق المعايير المزدوجة والالتهاء بالتسميات والشكليات، بدلاً من التركيز على الجوهر والمضمون والأداء». ولفت إلى أن «الحكومة المقبلة، إضافة إلى تنوع صلاحياتها، أمامها مهمتان رئيسيتان: تنفيذ القوانين ومعالجة الأزمة الاقتصادية المالية».
أرسل تعليقك