ينظر المجتمع الدولي إلى ولادة الحكومة اللبنانية على أنها "ضرورة، وأن وجودها يبقى أفضل من بقاء لبنان تحت رحمة حكومة تتولى تصريف الأعمال في بلد يتخبّط في أزمة اقتصادية واجتماعية يمكن أن تجرّه إلى الانهيار"، لكن المجتمع الدولي في الوقت نفسه، لن يصدر حكمه النهائي عليها ما لم تُترجم الأقوال إلى أفعال ملموسة من شأنها أن تضع لبنان على الطريق الصحيحة للإفادة من المقررات التي صدرت عن مؤتمر "سيدر" المؤدية إلى نهوضه الاقتصادي واستعادته عافيته.
وهذا يعني أن المجتمع الدولي الذي يجمع تحت سقفه الدول الغربية والعربية الفاعلة، يفضّل في الوقت الحاضر أن يمنح حكومة الحريري فترة سماح، لأنه ليس في وارد التسرُّع في حرق المراحل، وإن كان يراهن منذ الآن على أن نجاحها يشكّل الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلد وعهد الرئيس ميشال عون، بعد أن انقضى من ولايته الرئاسية أكثر من ثلثها.
ولعل بوادر الترحيب التي صدرت حتى الآن من قِبل أطراف أساسية في المجتمع الدولي تعكس رغبتها في التمهُّل في إصدار الأحكام على النيات؛ لأنها تنتظر الأفعال التي ستأخذها الحكومة على عاتقها. مع أن الترحيب الفرنسي بتشكيل الحكومة يبقى في إطار أن وجودها أفضل من بقاء البلد بلا حكومة، وهذا يعني أن باريس ما زالت تترقب الإنجازات التي ستحققها.
وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر أوروبية، أن الزيارة التي كان ينتظر أن يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان لن تحصل على وجه السرعة، وإنما في النصف الثاني من العام الحالي، كما أن واشنطن حرصت على تمرير رسالة إلى من يعنيهم الأمر؛ وهذا ما قصدته عندما أرادت أن تربط ترحيبها بحالة من الحذر.
ولفتت المصادر إلى أن واشنطن أرادت من خلال موقفها الذي تراوح بين نصف ترحيب ونصف حذر تأجيل حكمها النهائي إلى ما بعد التأكُّد من أن "حزب الله" ومن خلاله "محور الممانعة" بزعامة إيران لا يفرض سيطرته على الحكومة، ويأخذها إلى خيارات تهدد الاستقرار فيه.
ورأت المصادر الأوروبية، أن الموقف الأخير لـ"حزب الله" بلسان أمينه العام حسن نصر الله، يتجاوز الرد على اتهام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الحزب بالسيطرة على الحكومة اللبنانية الجديدة إلى "تبرئة ذمته" لجهة تأكيده بأن وزير الصحة جميل جبق لا ينتمي إلى الحزب، وأنه سيعمل في الوزارة من أجل كل اللبنانيين.
واعتبرت أن نصر الله بموقفه هذا أراد الدخول في فك اشتباك مع المجتمع الدولي من البوابة الأوروبية على غرار ما فعله أخيراً عندما أعلن وللمرة الأولى منذ بدء الصراع بينه وبين إسرائيل، أن الحزب يقف وراء الجيش اللبناني في تعامله مع الجدار العازل الذي بدأت تل أبيب تشييده على معظم الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بما فيه قضية النقاط الحدودية المتنازع عليها بين الطرفين، وعددها 13 نقطة.
وبالنسبة إلى الموقف العربي من تشكيل حكومة الحريري، فإن طلائعه لم تصدر حتى الساعة؛ وهذا ما دفع جهات لبنانية مشاركة في الحكومة إلى ربط التريّث العربي حتى إشعار آخر، بحرص معظم الدول العربية على أن تتلمّس بالفعل أن "حزب الله" لا يسيطر على الحكومة، وأن لدى رئيسها رغبة في تحقيق التوازن لقطع الطريق على "محور الممانعة" وادعاءاته بأنه يضع يده على القرارات الاستراتيجية في الحكومة.
فالحريري يصر منذ اللحظة الأولى لولادة الحكومة - بحسب المصادر هذه - على الدخول في ربط نزاع مع "حزب الله" لتأمين الحد الأدنى من الاستقرار في لبنان، وبالتالي فإن النقاط الخلافية بدءاً بموضوع سلاح الحزب سيحال على البند الخاص بالاستراتيجية الدفاعية الذي تتولى الحكومة النظر فيه، مروراً بملف النازحين السوريين في لبنان الذي يصر الحريري على تسليم أمره إلى المبادرة الروسية، وهذا ما سيلحظه البيان الوزاري للحكومة العتيدة من دون اعتراضه على العودة الطوعية التي يرعاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وانتهاءً بتطبيع العلاقات اللبنانية - السورية التي يُفترض من وجهة نظر الحريري أن تبقى في إطارها الدبلوماسي كما هو قائم الآن، وإن كان بعض الوزراء ممن ينتمون إلى "محور الممانعة" أو إلى "التيار الوطني الحر" سيقومون بزيارات ذات صفة شخصية.
لكن التريُّث العربي والدولي في الترحيب بحكومة الحريري لا يصرف الأنظار عن تحرّك بدأه عدد من السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى لبنان، وتحديداً الفرنسي برونو فوشيه، والأميركية إليزابيت ريتشارد؛ رغبة من هؤلاء في تقصّي الأسباب الكامنة وراء تدهور العلاقة بين الحريري وحليفه بالأمس رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط.
وإلى حين نجاح الحكومة في ملاقاة مؤتمر "سيدر" في منتصف الطريق للبدء في توفير الحلول لمعظم هذه المشكلات، فإنها تقف أمام إعادة خلط الأوراق، بمعنى أن وزراء فيها سيتعاملون مع ما يُدرج على جدول أعمال جلساتها الوزارية على أساس القطعة، أي لن تكون هناك تحالفات دائمة، باعتبار أن ملف الكهرباء قد يشكّل كما في السابق مادة مشتعلة يمكن أن تؤدي إلى "كهربة" الأجواء.
يذكر هنا، أن "حزب الله" و التيار الوطني الحر" أحيا مساء أمس الثلاثاء الذكرى الثالثة عشرة لما سمي بـ"تفاهم مار مخايل" والذي تم بين الحزبين التقيضين سياسياً وطائفياً في 6 شباط 2006. وألقيت خلال الحفل كلمتان للمسؤول في "حزب الله" الوزير الجديد محمود قماطي، ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل. وبدا من الكلمتين أن كل فريق "ربح غيره جميلة " مما حققه هذا التفاهم، ففي حين قال قماطي إنه لولا "حزب الله" لما وصل قائد الجيش السابق الجنرال ميشال عون الى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية، فردَّ باسيل بالقول إنه "لولا التيار الوطني الحر لما صمد حزب الله في وجه العدوان الاسرائيلي في تموز/يوليو عام 2006 وحقق انتصارا فيه".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا
أسباب أساسية أسهمت في ولادة الحكومة اللبنانية
تقارب الحكومة اللبنانية مع دمشق يثير قلق جنبلاط
أرسل تعليقك