أعلنت سفارة سلطنة عمان في باريس وفاة السفير الدكتور متقاعد موسى بن جعفر، أول مندوب للسلطنة لدى منظمة اليونسكو
وتقدمت السفارة السلطنة بخالص التعزية والمواساة إلى أسرة الفقيد السفير الدكتور متقاعد موسى بن جعفر ومستشار سابق للسفارة في باريس، والذي توفي صباح اليوم في العاصمة الفرنسية باريس
ولد موسى بن جعفر بن حسن (أبو سالم)، في سنة 1950، ابناً لعائلة كان ربها جعفر بن حسن من التجار «اللواتية»، الذين يشكلون منذ القدم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع العماني، فيما كانت ربتها، سكينة بنت سالم، أماً حنوناً نصوحاً، ترعى شؤون بيتها وأولادها كغيرها من نساء ذلك الزمن
كغيره من أبناء جيله، درس أبو سالم المرحلة الابتدائية بالمدرسة «السعيدية» بمطرح، التي تم افتتاحها في نوفمبر عام 1959، في عهد السلطان سعيد بن تيمور، وكان مقرها آنذاك في حارة الشمال، في بيت يملكه الحاج علي عبد اللطيف اللواتي، ويسمى ببيت المنذري، واشتملت الدراسة فيها على صفوف التمهيدي والأول والثاني الابتدائي. وفي العام الدراسي 1960/1961، انتقلت المدرسة إلى مقرها الجديد على الطريق البحري بمطرح، حيث تم إنشاء مبنى خاص بها مع سكن لمديرها، واكتملت بالمدرسة المرحلة الابتدائية بعد نشوئها بسنتين، وتخرج الفوج الأول فيها عام 1963، وقد قام بالتدريس فيها معلمون عمانيون وآخرون من الدول العربية (أنظر كتاب «نهضة التعليم في سلطنة عمان: لمحات عن ماضي التعليم في عمان» ــ وزارة التربية والتعليم وشؤون الشباب/ مسقط/1985)
من هذه المدرسة العريقة، التي كانت فرعاً لمدرسة حملت الاسم نفسه في مسقط منذ افتتاحها سنة 1940، تخرج أبو سالم، حاملاً الشهادة الابتدائية، ليبدأ بعدها مباشرة رحلة الهجرة إلى خارج بلاده، من أجل إكمال دراسته، على نحو ما كان يفعله كل أقرانه من العمانيين المتعطشين للعلم والمعرفة، ممن اضطروا للحصول على الشهادتين الإعدادية والثانوية من مدارس الدول الخليجية المجاورة، بسبب عدم وجود هاتين المرحلتين داخل السلطنة
وهكذا ارتحل موسى إلى دبي أولاً، وفيها نال الإعدادية من «مدرسة دبي»، ثم ارتحل إلى أبوظبي للالتحاق بمدرسة جابر بن حيان، التي أنهى فيها دراسته الثانوية في مطلع السبعينيات من القرن العشرين. ومن أبوظبي سافر إلى بيروت، التي شهد عصرها الذهبي ما بين عامي 1971 و1976، وتشبع من أجوائها الثقافية والفنية والأدبية، فيما كان يتابع دراسته في تخصص الجغرافيا بكلية الآداب التابعة لجامعة بيروت العربية، ويقيم في منطقة الحمراء مع صديق عمره رضا بن علي بن عبد اللطيف (شقيق سفير عمان الأسبق لدى بلاط السانت جيمس، حسين عبد اللطيف)، داخل شقة في بناية بطرس سماحة
أما لجهة سيرته المهنية، التي بدأت بمجرد إنهاء تحصيله الجامعي في سنة 1976، وحصوله على ليسانس الجغرافيا العامة، ومن ثمّ عودته إلى بلاده للمشاركة في نهضتها، فقد كانت باكورتها، توليه منصب مدير دائرة العلاقات الثقافية في وزارة التربية والتعليم، زمن وزيرها الأسبق الدكتور أحمد بن عبد الله الغزالي، علماً بأنه انتخب في العام نفسه للمرة الثانية رئيساً للنادي الأهلي بمطرح، كما انتخب في عام 1983 كأول أمين عام للنادي الجامعي بمسقط، والذي عـُدل اسمه إلى «النادي الثقافي»، بعد تأسيس جامعة السلطان قابوس سنة 1986
وما لبث أنْ حصل في عام 1982 على ترقية وظيفية، تمثلت في تعيينه مديراً عاماً للبعثات والعلاقات الخارجية بوزارة التربية والتعليم، وبهذه الصفة، شارك مذاك في جميع مؤتمرات اليونيسكو، ومكتب التربية الدولي، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، التابعة لجامعة الدول العربية، كما عين في هذه الفترة عضواً في مجلس الأمناء لكلية الخليج للتكنولوجيا بالبحرين
على أن الرجل لم يستمر في وظيفته الجديدة طويلاً، فبعد مرور عامين، نال ترقية أخرى مستحقة، تجسدت في نقله إلى باريس مندوباً دائماً لبلاده لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، قبل أن يصدر في عام 1991 مرسوم سلطاني، يقضي بمنحه لقب «سفير سلطنة عمان لدى اليونيسكو»
يمكننا القول إن انتقاله إلى العاصمة الفرنسية، شكّل منعطفاً مهماً في حياته، كيف لا، وهو العاشق للفنون والثقافة والجمال والآثار والمتاحف، وغير ذلك مما تكتنز به العاصمة الفرنسية. فهو لئن شرع يؤدي واجباته الوظيفية بتفانٍ وعشق، من خلال المؤسسة العالمية الأبرز في مجال التربية والتعليم والعلوم والثقافة والمشاريع التراثية والحضارية، فإنه من جهة أخرى، استثمر جزءاً من وقته في مواصلة تعليمه العالمي. وشاهدنا هو أنه في ما تبقى من سنوات الثمانينيات، ترأس وفد عمان إلى العديد من المؤتمرات، ومنها على سبيل المثال: المؤتمر الدولي لمحو الأمية (باريس 1985)، ومؤتمر اليونسكو العام (صوفيا 1985)، ومؤتمر التربية الدولي (جنيف 1988)، كما ترأس المجموعة العربية لدى اليونيسكو في عام 1986 (ظل كذلك حتى عام 2004)، وفي الوقت نفسه كان طالباً ملتحقاً بجامعة باريس الخامسة المعروفة بجامعة السربون القديمة (رينيه ديكارت)، التي درس بها دكتوراه المرحلة الثالثة، ثم دكتوراه الدولة، التي أنجزها في القانون في يوليو عام 1990، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، حيث كانت لجنة التحكيم مكونة من نائب رئيس الجامعة، وعميد كلية الحقوق فيها، البروفيسور بيار فيلارد، والبروفيسورة مدام جيفري أسبينوزي أستاذة القانون المقارن بالجامعة، والبروفيسور باسم الجسر أستاذ القانون بالجامعة اللبنانية، والمدير السابق لمعهد العالم العربي بباريس، والبروفيسور البشير المحجوب أستاذ العلوم بالجامعة التونسية
وتقديراً لإنجازه العلمي هذا الذي أدخله تاريخ بلاده، كأول فرانكفوني عماني، وأول عماني يحصل على درجة الدكتوراه من السوربون، معطوفاً على إنجازاته المهنية التي تمثلت في تكريس حضور سلطنة عمان في مشاريع وأعمال اليونيسكو الثقافية والتراثية والحضارية، وبناء علاقة تعاون والتزام متينة بين عمان واليونيسكو، منحته بلاده الدرجة الخاصة في الثالث من مارس سنة 2009، ثم صدر في التاسع من فبراير 2016، المرسوم السلطاني رقم 7 لسنة 2016، الذي قضى بتعيينه مستشاراً بوزارة الخارجية. وبهذه الصفة، ظل أبو سالم في باريس، يعمل مستشاراً لبلاده لدى منظمة اليونيسكو
من الجدير بالذكر، أنّ أبا سالم تولى العديد من المهام أثناء عمله في أروقة اليونيسكو، عززت من مكانته ومكانة بلده في هذه المنظمة الدولية من جهة، ورسخت علاقاته مع العديد من الشخصيات والرموز التربوية والعلمية والثقافية والدبلوماسية المنتمية إلى مختلف دول العالم من جهة أخرى. من هذه المهام: رئاسة المؤتمر العام لليونيسكو في دورته الثالثة والثلاثين في أكتوبر 2005، رئاسة لجنة المقر في اليونيسكو ما بين عامي 1989 و1991، رئاسة لجنة الترشيحات بالمؤتمر العام لليونيسكو ما بين عامي 1989 و1995، رئاسة اللجنة الإدارية والمالية في المجلس التنفيذي لليونيسكو سنة 1994، رئاسة لجنة المنظمات غير الحكومية في اليونيسكو ما بين عامي 1993 و1994، رئاسة مجموعة الـ 77 ما بين عامي 1992 و1993
قد يهمك أيضا:
دراسة لإنشاء مستشفى ميداني في مطار مسقط القديم لعلاج مرضى كورونا
الشرطة تستوقف امرأة لتهريب المخدرات عبر مطار مسقط
أرسل تعليقك