بيروت ـ جورج شاهين
عقد مجلس البطاركة والأساقفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات الكاثوليك في لبنان دورته السادسة والأربعين في الكرسي البطريركي في بكركي، والتي بدأت في السادس من كانون الأول/ديسمبر 2012، للإطلاع على تقارير اللجان الأسقفية والهيئات التابعة للمجلس، ولاستخراج القرارات والتوصيات الملائمة، ولا سيما ما يختص بتطبيق توجيهات الإرشاد الرسولي، التي جاءت تحت عنوان "الكنيسة في الشرق الاوسط - شركة وشهادة"، بالإضافة إلى إجراء انتخابات إدارية، وقد استعرض المجتمعون الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة، وأبدوا أسفهم الشديد لغياب المثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وأعربوا عن تعازيهم للسينودس المقدس الأنطاكي، سائلين الله أن يعوض على كنيسته بأب ورأس على مثال المسيح "الراعي الصالح".
وفي ختام دورتهم، أصدر المجتمعون بيانًا تلاه الأمين العام للمجلس، المونسنيور وهيب الخواجا، والذي جاء فيه:
"ناقش الأباء تقارير اللجان الأسقفية والهيئات التي يربو عددها على العشرين، وتتناول قطاعات: المدارس الكاثوليكية والتربية، التعليم المسيحي، اللاهوت والكتاب المقدس، العلاقات المسكونية، العمل الرعوي الجامعي، رسالة العلمانيين، العائلة، الشؤون القانونية والمحاكم الروحية، التعاون الرسالي بين الكنائس، وسائل الإعلام بما فيها تلفزيون تيلي لوميار ونورسات وإذاعة صوت المحبة، الحوار المسيحي- الإسلامي، الثقافة والممتلكات الثقافية، تنسيق خدمة المحبة، راعوية الخدمات الصحية، عدالة وسلام، رابطة كاريتاس لبنان، المرشدية العامة للسجون، رابطة الأخويات والجمعيات الكشفية.
وتوقف الأباء عند المساحات الجديدة التي تنفتح أمام هذه اللجان والهيئات، من جراء الحاجات المطروحة في مجتمعنا. فقدروا نشاطاتها والتزام العاملين فيها وديناميتهم الروحية. وشجعوهم على المثابرة والتعاون والمزيد من التفاني، بروح الشركة والشهادة. وأثنوا على كل المحسنين والقادرين الذين يدعمون بسخاء أعمال اللجان والهيئات. ويأمل الأباء أن تؤدي نشاطات أجهزة الكنيسة هذه إلى شد روابط الوحدة والاخوة بين الناس على تنوع انتماءاتهم الدينية والاجتماعية. ويثنون على ما يبدي ابناء كنائسهم من شجاعة في عيش إيمانهم وصمودهم في أرضهم، ومحافظتهم على ملكيتها ورفض بيعها، بالرغم من الصعاب التي تواجههم، وهم يدركون مسؤوليتهم في ان تظل شعلة المحبة اللامتناهية متقدة في هذه الأماكن التي قدسها ابن الله المتجسد، كما أشار قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر اثناء زيارته إلى لبنان في أيلول الماضي وفي الإرشاد الرسولي.
لم يغب عن بال الأباء واقع الأشخاص والعائلات الذين يمرون بمحن روحية ومعنوية وانسانية. فإذ يتفهمون اوضاعهم، يبذلون الجهود الراعوية لمساعدتهم، ويحملونهم بصلواتهم، ويدعونهم إلى المزيد من الرجاء بالمسيح، عمانوئيل- الله معنا، الذي جاء أرضنا ليسير مع كل انسان في طريقه إلى خلاصه وسعادته.
واستعرض الأباء الأوضاع الراهنة في لبنان، في ايجابياتها وسلبياتها. فشكروا الله على حماية هذا الوطن بفضل كل الذين يعملون ويؤدون الواجب بتفان ومسؤولية في مختلف القطاعات الخاصة وتلك العامة، الإدارية منها والقضائية والأمنية والعسكرية، وفي المؤسسات التربوية والاستشفائية والاجتماعية. غير أنهم قلقون لما آلت إليه الأزمة السياسية من انقسام وتعثر في الحوار والتفاهم، بينما تداعيات الأحداث الدامية في المنطقة، ولا سيما في سورية، تؤثر في العمق على وحدتنا الداخلية وأمننا والسلم الأهلي، وعلى الحركة الاقتصادية والتجارية والسياحية. فيناشدون المسؤولين السياسيين تلبية الدعوة إلى التحاور والتعاون والتشاور، وبخاصة من أجل وضع قانون جديد للانتخابات، قبل سقوط المهل، وتأليف حكومة جديدة تقود البلاد إلى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، تأمينًا لديمقراطية تداول السلطة، وتعمل على إعداد الأجواء للاستقرار والمصالحة الوطنية، وتتخذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
وفيما تعيش الكنيسة في لبنان والشرق الالتزام بالشركة والشهادة، التي يدعو إليها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في الإرشاد الرسولي، فإن الأباء يناشدون الجميع العمل من أجل الوحدة والتضامن وروح الأخوة الشاملة، ومن أجل الشهادة لقيمهم الروحية والثقافية والوطنية. فإنها إرادة الله أن تعيش العائلة البشرية في الوحدة والتناغم (الإرشاد 19). ولأن الشركة، من منظار الإيمان المسيحي، هي حياة الله نفسها التي يعطينا إياها بالروح القدس بواسطة يسوع المسيح، وتتغذى من كلمة الله ونعمة الأسرار والصلاة (الارشاد 3، 43)، فإنهم يدعون أبناءهم لتجسيد هذه الشركة بالأفعال والمبادرات والمواقف، فيكونون رسل المصالحة وبناة السلام. فالمصالحة واجب علينا، على ما يقول بولس الرسول "الله صالح العالم مع نفسه بالمسيح، وأودعنا كلمة المصالحة كسفراء له" (2 كور 19:5-20). والسلام واجب علينا أيضا بدعوة من الرب "أمير السلام" (اشعيا 5:9)، و "سلام الشعوب" (افسس 4:2)، بقوله: "طوبى للساعين إلى السلام، فإنهم أبناء الله يدعون" (متى 9:5). ولكن، فليدرك الجميع ان السلام هو ثمرة العدالة (اشعيا 17:32)، وثمرة إنماء الإنسان والمجتمع بل اسمه الجديد (الرسالة العامة للبابا بولس السادس في ترقي الشعوب، 88).
ولذلك يدعو الأباء أبناءهم إلى تعميق ثقافة الحوار وتعميمها في عائلاتهم والمدارس والجامعات وفي مختلف المجالات الاجتماعية والوطنية، بهدف الانفتاح على إخوانهم في الوطن من العائلات الروحية الأخرى، فيكتشفون القيم التي تجمعهم، وعناصر التكامل في ما بينهم، ويتعاونون على إعادة بناء الوطن اللبناني في دعوته التاريخية: كمهد لثقافة عريقة على حوض المتوسط، وجسر تبادل بين الشرق والغرب، وأرض نموذجية لحوار الحضارات والأديان، ومنطلق للمبادرات المسكونية، ومكان لتحقيق الديمقراطية والإقرار بالحريات العامة وحقوق الإنسان الأساسية، وكعنصر استقرار وسلام في المنطقة. ويدعون بالتالي إلى التضامن مع شعوب المنطقة في نضالها من أجل العدالة والكرامة وحرية تقرير المصير، وإلى نبذ العنف والحرب، والعمل الجدي من أجل إحلال سلام عادل ودائم عن طريق الحوار والتفاوض والوفاق الوطني. كما يدعون إلى المزيد من مد يد المساعدة إلى المهجرين والنازحين من سورية الجريحة، مثمنين ما تقوم به كاريتاس لبنان باسم الكنيسة من مساعدات وإسعافات متنوعة للعائلات وللأطفال في أماكن تواجدهم في البقاع والشمال، وللمحاصرين في بعض القرى السورية.
وفيما يستعد الجميع للاحتفال بعيد ميلاد يسوع المسيح الإله المتجسد ومخلصنا الذي أرسله الله الآب إلى أرضنا المقدسة، يضرع الأباء إليه طالبين، بشفاعة والدته وأمنا مريم العذراء، أن يثبتنا جميعًا في الإيمان والرجاء والمحبة، ويعضدنا بروحه القدوس في عيش الشركة والشهادة على مساحة الوطن وبلدان الشرق الأوسط وفي العالم".
أرسل تعليقك