تل أبيب - العرب اليوم
يصدر قريبًا كتاب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، تحت عنوان مزدوج المعنى “بجوف ريشون”، والذي يعني بالعبرية “ضمير المتكلم”، والذي بدأ في كتابته فور دخوله سجن “معسياهو”، حيث جاءت شهاداته حافلة بكمية هائلة من الغضب والأحقاد، فبدت أقسام واسعة من الكتاب أشبه بتصفية حسابات شخصية وسياسية مع خصومه الكثر، وشكّلت أقسام أخرى مركز اهتمامه حول كيفية إسقاطه من الحكم، في الوقت الذي كان قد أعد فيه مشروعًا لتسوية القضية الفلسطينية يعتبره الخبراء الإسرائيليون “أقرب المشاريع التي طُرحت في تاريخ إسرائيل إلى الموقف الموضوعي الذي يمكن للفلسطينيين قبوله”.
وفي مذكراته يكشف أولمرت أن معركة إسقاطه بدأت قبل ذلك بكثير، وعمليًا بُعيد حرب لبنان الثانية سنة 2006، وكانت معركة شرعية من المعارضة لإسقاط حكومته، لكنها اتخذت أشكالًا غير نظيفة وغير لائقة وغير إنسانية، ومن المفارقة أن قوى اليمين واليسار اجتمعت فيها، وقد قادها رئيس المعارضة آنذاك رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، وكان معه في اليمين المتطرف رئيس حزب المستوطنين (البيت اليهودي)، ومن يسار الوسط إيهود باراك، ومن اليسار الراديكالي حزب “ميرتس”.
وفي مذكراته يُكثر أولمرت من الحديث عن الفساد، مؤكدًا أن التهم التي أُدين بها لا تعد فسادًا إذا ما قورنت بالشبهات حول نتنياهو، بل اعتبر المعركة لإسقاطه، رغم شرعيتها السياسية، لكن تمويلها كان، برأيه، عملية فساد وإفساد، لأنها كلفت ملايين الدولارات التي ينبغي التحقيق في مصادرها الأجنبية.
ومما عرضته دار النشر “كتب يديعوت”، الجمعة، فقرات تحدث فيها أولمرت عن حرب لبنان الثانية كموضوع أساسي، موضحًا أنه كان قد ظهر أمام الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، واعترف بما عرفته من إخفاقات، وقال بهذا الخصوص “في خطابي في الكنيست يوم 14 أغسطس (آب) عام 2006 قلت إنني أتحمل المسؤولية وحدي عن كل الإخفاقات، لكن كل واحد يعرف أن تلك الحرب جاءت ردًا على عملية خطف وقتل خطيرة نفذها (حزب الله)، وأنها في اختبار النتيجة، أي عندما تلخص ما جرى خلال السنوات العشر الماضية من هدوء وسكينة على حدودنا مع لبنان، تدرك أنها كانت حربًا ناجحة”.
وكتب أولمرت عن هذه الحرب بشكل تفصيلي فقال: “في صبيحة 12 فبراير (شباط) 2016، كنت جالسًا مع والدَي جلعاد شليط (الجندي الإسرائيلي الذي كان محتجزًا كأسير حرب لدى حماس) في مكتبي في القدس، فدخل علينا سكرتيري العسكري جادي شمني، وناولني ورقة صغيرة، لقد كان من المفترض أن أستقبل في مكتبي بعد هذه الجلسة، رئيس الوزراء الياباني جونيتشيرو كوئيزومي، الذي يعد شخصية رقيقة رائعة، وذكّرني كثيرًا بالممثل الأميركي ريتشارد غير الذي يشبهه، حسبت أن شمني يريد لفت نظري لشيء يتعلق بهذا الضيف، لكن تبين أن النص المكتوب على الورقة يقول: سيارة عسكرية مجنزرة وقعت في كمين لـ(حزب الله)، فقُتل جنديان، وربما تم اختطافهما، تفرست في الورقة وساد الغرفة صمت ثقيل، نقلت الورقة إلى رئيس طاقم العاملين يورام طربوبتش، ثم لوالد شليط، لم يردّ بشيء، كان واضحًا له ولجميعنا أن الدنيا قبل هذه الورقة لن تظل كما هي بعدها، جاءني رئيس أركان الجيش دان حالوتس، وزاد في التفاصيل، إذ تبين أن عدد القتلى كان 10 جنود، حيث كان هناك كمين آخر، قال لي الجملة المشهورة (أعطني الإذن فنعيد لبنان إلى العصر الحجري)، رفضت هذا، وقلت له إنني لا أريد ولا أسمح بتدمير لبنان وخرابه، سمحت بتوسيع نطاق القصف الإسرائيلي ليصيب نقاطًا موجعة لـ(حزب الله)، قلت له إننى لا أطمح باحتلال لبنان، ولا أريد أن يحتلوا مناطق لا نحتاج إليها لغرض العمليات، ولا أريد أن يمسوا البنى التحتية لجيراننا اللبنانيين، وافقته على أن القرى اللبنانية التي تحتضن (حزب الله) يجب ألا تكون محصّنة، قلنا إننا نعالج قضية المدنيين فيها بحذر، ولكن "بلا رحمة”، ويضيف أن كل من انتقدوه وهاجموه على هذه الحرب أُصيبوا بالخرس بعدها، وذلك عندما بدأ يتضح أنها جلبت هدوءًا من طرف “حزب الله”.
وفي بعض الفصول المنشورة من الكتاب، تطرّق أولمرت إلى رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك (1999 - 2001)، الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومته، فقال أولمرت إنه قبيل انتخابات عام 2006 طلب إيهود الانضمام إلى حزب “كاديما”، وإن باراك توسل لضمه في القائمة، حتى لو كان ذلك في المكان العشرين، مضيفًا أنه “كان من الواضح أن باراك يبحث عن أساس ينطلق منه للزعامة القادمة”، لكن عندما فكر أولمرت في الأمر تبين له أن ضمه سيمس بالحركة الجديدة (كاديما) لأن الجمهور لم ينسَ بعد فشل باراك المدوي كرئيس حكومة، لذلك خاض باراك المعركة وحده وفشل.
وفي جزء من المذكرات تطرق أولمرت أيضًا إلى عائلة نتنياهو وشبكة الفساد، واستغلال المنصب لصالح أبنائه، كما أشار إلى حياة التبذير وحجم مصاريف العائلة في المسكنين في القدس وقيسارية، إضافة إلى المصاريف المٌبالغ بها في المكتب الرسمي لرئيس الحكومة، وقال أولمرت عن شخص بنيامين نتنياهو وعائلته: “تعيش عائلة نتنياهو حياة الترف على حساب دافعي الضرائب في إسرائيل، كنا نسمع في أخبار الصباح معلومات عن مصاريف هذه العائلة ونستصعب التصديق، البذخ والبخل والاستهتار والتفاخر، وقد قلّت أهمية هذه الأمور عند الكشف عن الهدايا التي تلقاها الزوجان نتنياهو، ولمزيد من الدقة، الهدايا التي طلبها الزوجان من أغنياء العالم، أنا لم يطلب أيُّ أحد من أولادي أيَّ مساعدة أو دعم من جهة حكومية في البلاد أو خارجها بسبب منصبي، ولم يحصل عليها أبدًا”، وبخصوص سارة نتنياهو، قال أولمرت إنها تتباهى دائمًا بمساهمتها المهنية كاختصاصية نفسية لأطفال القدس، مضيفًا أنه هو الذي صادق على توظيفها في البلدية عندما كان رئيسًا للبلدية، ولذلك فإنه يفضل ألا يكشف “أمورًا محرجة”، لكنه استدرك بالقول إنه “من حسن حظ أطفال القدس أن سارة تكاد لا توجد في مكان عملها”.
وبخصوص حياته كسجين، يقول أولمرت إنه طيلة فترة حبسه حرص على أن يشارك في المناوبات مثل سائر السجناء “عندما يتعين عليّ أن أكون في المناوبة أقوم بواجبي، أردت أن أكون كسائر السجناء، وعندما كان دوري لشطف الأروقة كنت أفعل ذلك، أو عندما تتطلب الحاجة قطع الخضراوات وتحضير السلاطة، كنت أفعل ذلك قدر المستطاع، تصرفت كالجميع، دون أن أحظى بمعاملة خاصة ومتحيزة”.
أرسل تعليقك