تضارب التصريحات ويقترب الوقت من النفاد أمام حل الخلاف المعقد حول سد النهضة الإثيوبي بين أديس أبابا ودولتي المصب، حيث تصر مصر والسودان على ضرورة التوصل إلى اتفاق مسبق قبل بدء ملء السد، فيما تصعّد إثيوبيا من "حربها الكلامية" بشأن عزمها بدء الملء "خلال الإسبوعين المقبلين"، لتضفي مزيداً من التعقيد على المسار التفاوضي "العليل أصلاً" بين الدول الثلاث.
وفي أحدث التصريحات الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أمس السبت، تعهد الرجل بملء سد بلاده العملاق على نهر النيل الأزرق في "الأسبوعين المقبلين"، مع التمسك في الوقت نفسه بمحاولة التوصل إلى اتفاق نهائي مع مصر والسودان خلال هذه الفترة، برعاية الاتحاد الأفريقي، وذلك في تناقض سريع لتصريحات رسمية خرجت من القاهرة والخرطوم، في وقت متأخر من مساء الجمعة، تؤكد التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث خلال قمة افتراضية جمعت مصر والسودان وإثيوبيا مع ثلاث دول أفريقية أخرى، يقضي بوقف ملء السد إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الموضوع.
ومنذ أشهر تعوّل مصر على الضغوط الدولية لإزالة العقبات أمام اتفاق تراه حاسماً لحماية مواردها المائية من نهر النيل قبل البدء المتوقع في ملء سد عملاق تقيمه إثيوبيا على النهر، في يوليو (تموز) المقبل. وعلى مدار عقد من الزمان، خرجت الدولتان خاليتي الوفاض، ومعهما السودان، من مفاوضات مضنية من دون التوصل إلى اتفاق يحدد معالم طريقة تشغيل السد وملء خزانه حتى الآن.
تطورات متسارعة
بعد ساعات من إعلان متطابق من القاهرة والخرطوم، مفادة أن الدول الثلاث اتفقت خلال قمّة أفريقية مصغّرة عقدت عبر الفيديو، الجمعة، على تأجيل البدء في ملء خزّان سد النهضة الكهرمائي لحين إبرام اتفاق بين الدول الثلاث بشأن هذا المشروع الضخم الذي يثير توتّرات إقليمية شديدة، قالت الحكومة السودانية في بيان "تم الاتفاق على أن يتم تأجيل ملء الخزّان إلى ما بعد التوقيع على اتفاق"، كما أعلنت الرئاسة المصرية أنّ الاتفاق ينص على "الامتناع عن القيام بأية إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء السد، قبل التوصل إلى هذا الاتفاق، وإرسال خطاب بهذا المضمون إلى مجلس الأمن الدولي" الذي سيبحث هذا الملفّ الإثنين المقبل، في حين أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي بياناً أمس السبت، يشير فيه إلى أن بلاده تنوي بدء ملء سدّها العملاق في "الأسبوعين المقبلين"، في تناقض جزئي للتصريحات المصرية والسودانية.
وبحسب البيان الإثيوبي فإنه لم يأت على ذكر إرجاء الملء، بل بدا متمسكاً بالجدول الزمني الذي أعلنته أديس أبابا من قبل وينص على بدء تعبئة خزان السد في يوليو (تموز) المقبل، وجاء في البيان "خطّطت إثيوبيا لبدء ملء السدّ في غضون أسبوعين ستتواصل خلالهما أعمال البناء. واتفقت الدول الثلاث على أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي على النقاط القليلة التي لا تزال عالقة خلال هذه الفترة".
ورداً على التصريحات الإثيوبية، ذكر دبلوماسي مصري مطلع على مسار التفاوض الجاري بشأن السد، أن "القاهرة تترقب بحذر إنجاز اتفاق نهائي يزيل الخلافات العالقة حول عملية ملء سد النهضة مع أديس أبابا"، موضحاً في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "شهدت النقاشات الأخيرة بعض التقدم وذلك في وقت أدرك المجتمع الدولي تأثير تصاعد استمرار تلك الخلافات في الأمن والسلم الإقليميين".
رسالة إلى الداخل الإثيوبي
وبحسب الدبلوماسي المصري، فإن "القاهرة تعلّق بمزيد من الترقب على الضغوطات الدولية لحسم القضايا الخلافية العالقة ودفع إثيوبيا إلى مزيد من المرونة للالتزام بتعهداتها"، معتبراً التصريحات الإثيوبية الأخيرة بالمضي قدماً في ملء السد خلال إسبوعين، رسالة للداخل أكثر منها إلى الخارج".
وعُقِدَت الجمعة القمة الأفريقية المصغّرة بدعوة من رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، وشارك فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس الكونغو الديموقراطية فيليكس تشيسيكيدي، ورئيس مالي إبراهيم بوبكر كيتا، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي.
وكانت إثيوبيا تحفظت سابقاً على تدخل أطراف أخرى في النزاع، لا سيما بعد محاولة وساطة قامت بها الولايات المتحدة، بناء على طلب مصر، وانتهت في فبراير (شباط) الماضي بالفشل. وفي ذلك الوقت اتهمت أديس أبابا واشنطن بالتحيّز إلى مصر. ورحبّت إثيوبيا السبت بمبادرة الاتحاد الأفريقي، مؤكدة أن "القضايا الأفريقية يجب أن تجد حلولاً أفريقية".
في الأثناء، أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، مساء السبت، أنه تم حل أكثر من 90 في المائة من القضايا في المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة.
وقال فكي في بيان له، إن "لجنة مؤلفة من ممثلين للدول الثلاث وجنوب أفريقيا وشخصيات فنية من الاتحاد الأفريقي، ستعمل على حل القضايا القانونية والفنية المعلقة، وستصدر اللجنة تقريراً بشأن التقدم في المفاوضات خلال أسبوع. وأمام الاتحاد الأفريقي أسبوعان للمساعدة في التوصل إلى اتفاق لإنهاء خلاف مستمر منذ عشر سنوات بشأن موارد المياه".
هل من حل وشيك؟
ووسط التصريحات الإثيوبية الداعية إلى ملء السد سواء جرى التوصل إلى اتفاق من عدمه، تبدي الأوساط البحثية والأكاديمية المصرية قلقها من فشل الضغوط الدولية الأخيرة في إثناء أديس أبابا عن أي خطوة أحادية قد تهدد بمزيد من التوتر والاضطراب في المنطقة.
ويتوقع محمد نصر علام، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، فشل المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي نتيجة ما وصفه بـ"المطامع الإثيوبية". داعياً القاهرة إلى "اتخاذ مزيد من الحذر اللازم وإعداد تقارير دورية من الاتحاد الأفريقي لمجلس الأمن للقيام بدوره حال فشلت المفاوضات".
وبحسب علام "تواصل إثيوبيا تعنتها، واختلاف البيان الإثيوبي عن البيانين المصري والسوداني بشأن ملء سد النهضة يوضح الإصرار الإثيوبي على التملص وعدم الامتثال للوساطة الأفريقية"، متوقعاً بنسبة 90 في المئة أن يعود الملف إلى مجلس الأمن، "فيما الـ10 في المئة الأخرى تبقى نسبة نجاح الوساطة الأفريقية في الملف".
وكانت مفاوضات ثلاثية حول تشغيل السد وإدارته استؤنفت في وقت سابق في يونيو (حزيران) الحالي، وتعثرت حول عمل السد خلال فترة الجفاف، وآليات حل الخلافات المحتملة.
المشكلات القانونية العالقة
في الاتجاه ذاته، يرى نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، أن "قلقاً متصاعداً ينتاب الشارع المصري بشأن المماطلة والمراوغة الإثيوبية في التوصل إلى اتفاق"، مضيفاً "أن نجاح الوساطة الأفريقية يتوقف على إجبار أديس أبابا على حل المشكلات القانونية العالقة التي تحاول إثيوبيا التملص منها وعدم الالتزام بها".
وبحسب نور الدين "هناك اتجاه يرى في وساطة جنوب أفريقيا بحكم ترؤسها الحالي للاتحاد الأفريقي ما هي إلا محاولة لإنقاذ إثيوبيا من الوقوع تحت طائلة مجلس الأمن"، مشيراً إلى رفض القاهرة سحب الملف من مجلس الأمن ووضعه بالكامل في يد الاتحاد الأفريقي خلال الأيام الأخيرة.
وتابع "المسار الأفريقي لحل الخلاف قد يأتي بجديد في حالة واحدة فقط، هي موافقة إديس أبابا على حل المشكلات القانونية"، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن مسار واشنطن الذي انتهي في فبراير (شباط) الماضي بانسحاب إثيوبيا، كانت قد توصلت خلاله الأطراف المتفاوضة على حل نحو 95 في المئة من المشكلات العالقة، باستثناء الخلافات القانونية الملزمة للطرف الإثيوبي.
أكبر سد كهرمائي في أفريقيا
وسدّ النهضة الذي بدأت أديس أبابا في بنائه عام 2011 سيصبح عند إنجازه أكبر سد كهرمائي في أفريقيا، مع قدرة إنتاج بقوة ستة آلاف ميغاواط. لكنّ هذا المشروع الحيوي لأثيوبيا والذي أقيم بارتفاع 145 متراً، يثير توترات حادة بينها وبين كل من السودان ومصر اللتين تتقاسمان مع إثيوبيا مياه النيل وتخشيان أن يحد السد من كمية المياه التي تصل إليهما. وتعتبر القاهرة هذا المشروع تهديداً "وجودياً"، ودعت الأسبوع الماضي مجلس الأمن الدولي إلى التدخل. ويفترض أن يعقد المجلس اجتماعاً حول القضية الإثنين المقبل.
وتقول إثيوبيا إن الكهرباء المتوقّع توليدها من سد النهضة لها أهمية حيوية من أجل الدفع بمشروعات تنموية في البلد الفقير البالغ عدد سكانه أكثر من 100 مليون نسمة. وتقول مصر إنّ السد يهدّد تدفق مياه النيل التي ينبع معظمها من النيل الأزرق حيث بُني السد، وقد تكون تداعياته مُدمِرة على اقتصادها ومواردها المائية والغذائية. وتستقي مصر 97 في المئة من حاجتها من المياه من النيل. ويمدّ النيل الذي يمتد على حوالي ستة آلاف كيلومتر، نحو عشر دول أفريقية بالمياه
قد يهمك ايضـــًا :
"سامح شكري" إذا وقع مكروه لـ"سد النهضة" سيتعرض الشعب السوداني لمخاطر وجودية
مندوب السودان في الأمم المتحدة موقفنا بشأن سد النهضة يستند على مبدأ عدم الإضرار بالآخرين
أرسل تعليقك