لم يعد ملف النازحين السوريين يشكل فقط عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا وديموغرافيًا على لبنان، بل تحوّل إلى مادة انقسام سياسي ووطني، لدرجة أنه تسبّب خلال الأيام الفائتة باشتباك بين حليفي "التسوية الرئاسية"، الرئيس سعد الحريري وتيار "المستقبل" من جهة، والوزير جبران باسيل و"التيار الوطني الحر" من جهة أخرى.
لم يتردد باسيل في إطلاق معادلة "عودة النازحين وإلّا لا حكومة"، موحيًا أنّ تياره على استعداد للذهاب في تمسكه بأولوية إعادة النازحين إلى حدّ التلويح بإسقاط حكومة العهد الأولى، كما سبق أن وصفها رئيس الجمهورية ميشال عون.
وأراد باسيل من خلال دقّ جرس الإنذار أن يبلغ الحريري برسالة مفادها أنّ التسوية التي رعت علاقتهما منذ التفاهم على انتخاب عون رئيسًا ليست شيكًا على بياض ولا تفويضًا بلا قيد، كأنه يعيد تفسيرها مجددًا، بعدما استشعر أنّ الحريري يجنح نحو تحويرها واستخدام "فائضها السياسي" في الاتجاه الذي يخدم مصالحه وحساباته.
لم يتحمل الحريري "لسعة" باسيل، وبخاصة أنّ الأخير اقتحم بكُرته النارية "منطقة الجزاء" الزرقاء، ضاربًا على الوتر الحساس حين هدّد بإسقاط الحكومة، ومعيدًا تذكير الحريري بكابوس إسقاط حكومته من الرابية أثناء اجتماعه مع الرئيس الأميركي باراك اوباما عام 2011.
وتؤكد مصادر قريبة من الحريري أنه ليست لديه نية للتصعيد، وهو أصلًا لم يكن مبادِرًا إليه، وبخاصة أنه حريص على نجاح الحكومة التي يترأسها، لكنه في المقابل لن يسكت عن تشويه الحقائق والتجنّي السياسي، وبالتالي سيتم الرد على كل موقف يستهدفه، وفق ما يستحقه: مقدمة تلفزيونية في مواجهة مقدمة تلفزيونية، ومصادر في مواجهة مصادر، وهكذا، كما تشير إلى أنّ كلام باسيل التهويلي مستغرَب وبعيد كل البعد من الواقعية، معتبرة أنه يندرج في إطار اعتماد الشعبوية وخوض معركة دونكيشوتية ليس إلّا، ومستهجِنة استسهاله التلويح بإسقاط الحكومة ما لم تتم الاستجابة لما يطرحه، علمًا أنه لم تمرّ سوى أسابيع قليلة على نيلها الثقة، وهناك استحقاقات أساسية تنتظرها، ماليًا واقتصاديًا وإصلاحيًا وسياسيًا.
اقرأ أيضا:
شهيّب يُشدّد على ضرورة تعليم النازحين السوريين
وفي رسالة تحذيرية، تُنبّه مصادر الحريري إلى أنّ الخفة في اتخاذ بعض القرارات وعدم تقدير عواقبها قد يؤديان إلى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع من دون استثناء، وتفتّته إلى "مئة شقفة". وتضيف: "نلفت مَن يهمه الأمر، إلى أنّ الحريري سبق أن أكد منذ فترة أنه لم يعد يقبل أن يكون دائمًا "بيّ الصبي" وأن يقدّم وحده التنازلات والتضحيات من اجل لبنان. ولذا، إذا أراد البعض أن يهدم الهيكل على رؤوسنا جميعًا فلا أحد يستطيع أن يمنعه، وعليه أن يتحمل مسؤولياته أمام اللبنانيين".
ولئن كانت المصادر تقرّ أنّ في استطاعة باسيل وفق حسابات الأرقام إسقاط الحكومة، إلّا أنها تلفت إلى أنّ "إحداث الخراب سهل أصلا ولا يحتاج إلى عناء كبير، في حين أنّ البناء هو الصعب ويتطلب شعورًا بالمسؤولية يبدو أنه ليس مكتملًا لدى قوى معيّنة". وتتساءل هذه المصادر: "ما المطلوب من الحريري أن يفعله أكثر ممّا فعل حتى الآن؟ إذا كانوا يريدون التواصل مع النظام السوري لإعادة النازحين، ف أنّ هذا التواصل قائم عبر رئيس الجمهورية وبعض الوزراء والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ولا أحد يمنعهم من تأمين عودة النازحين عبر هذه الطريقة، ثم أنّ الحريري كان حريصًا في كلمته أمام مؤتمر بروكسل على الالتزام الحرفي، نصًا وروحًا، بما تم التوافق عليه في البيان الوزاري حول العودة الآمنة، في حين أنّ ما صدر عن باسيل هو انقلاب على هذا البيان".
وتلفت المصادر المحيطة بالحريري إلى " أنّ هناك تعقيدات تكمن في تفاصيل ملف النازحين لناحية أسباب نزوحهم وشروط عودتهم، وبالتالي لا يمكن أن تتمّ معالجة هذا الملف من خلال مواضيع الإنشاء والمعلقات الشعرية". وفي حين تستغرب اعتبار باسيل أنّ مؤتمر بروكسل يهدف إلى إبقاء النازحين في أماكن وجودهم، تتساءل: "إذا كانت نيات المؤتمر خبيثة، فلماذا أوفد وزير الخارجية مندوبًا اليه، ولماذا اعترض وزير النازحين صالح الغريب ومَن معه على عدم دعوته؟"
وتعتبر المصادر "أنّ السقف المرتفع في طرح باسيل ينسجم مع موقف النظام السوري الرامي من جهة إلى التمويه على الحقيقة ورمي المسؤوليات في اتجاه الآخرين، ومن جهة أخرى إلى استخدام ملف النزوح ورقة ضغط واستغلال لتبرير تطبيع العلاقة الثنائية"، مشيرة إلى "أنّ دمشق لا تريد عودة حقيقية وواسعة للنازحين وهي تمتنع عن بذل جهد حقيقي لاسترجاعهم، وإلّا كيف يُفسَر، على سبيل المثال، امتناع السفير السوري في بيروت عن زيارة أيّ من مخيماتهم في لبنان لتفقّد أوضاعهم وحضّهم على العودة؟"
وتتوجه مصادر الحريري إلى باسيل قائلة "مشكلتك يجب أن تكون مع النظام السوري الذي لا يسهّل عودة النازحين وليس مع الحريري الذي يقوم بما يتوجب عليه في سبيل معالجة أزمة النازحين، وهو لا يزال يُظهر مقدارًا كبيرًا من الصبر وطول البال حرصًا على المصلحة العامة، ولكن ذلك لا يعني أنه لن يردّ على أيّ تحريف للوقائع، ليس لغرض السجال وإنما لهدف توضيح الأمور.
قد يهمك أيضا:
الرئيس اللبناني يطالب بتسهيل عودة النازحين السوريين لبلادهم
الرئيس عون يؤكّد عدم التراجع عن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم
أرسل تعليقك