واشنطن -عمان اليوم
من نافل القول إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أصبح هدفا مفضلا لهجمات الصحافة والإعلام الأميركيين بشكل عام، منذ ظهوره الأول على حلبة المتنافسين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري منتصف العام 2015. لا بل هناك من يعتقد أن نجم تلفزيون الواقع في برنامجه الشهير «المتدرب» أو «الأبرنتيس»، حول ظهوره الإعلامي ومعركته لاستقطاب «قاعدته الصلبة» والفوز بترشيح حزبه، عبر استغلال خبرته التلفزيونية ومعرفته بعالم الإعلام. وفعلاً، تمكن من تحويل مواجهاته شبه اليومية مع الإعلام، إلى مادة أولى سواء في نشرات الأخبار أو على الصفحات الأولى.
ترمب الذي استعان بمنتجي برنامجه التلفزيوني الشهير، لتقديم أعمال مؤتمر الحزب الجمهوري الانتخابي هذا العام، عبر الجمع بين العالمين الافتراضي والواقعي، بسبب القيود التي فرضها وباء كوفيد-19، لم يكن فريدا في ذلك. فالديمقراطيون استعانوا أيضا بخبرات «هوليوود» لإنجاح مؤتمرهم الحزبي الذي انعقد «افتراضيا»، بشكل كامل. إلا أن ترمب الذي ألقى خطاب قبوله ترشيح الحزب الجمهوري الاثنين الماضي، في اليوم الأول من المؤتمر، استمتع بالهجوم على الإعلام. وهو بذلك لم يحد عن القاعدة التي اعتمدها منذ اليوم الأول لاعتلائه كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، جاعلاً يومياته منازلات دائمة معه.
لكن هل ترمب هو الرئيس الأميركي القاسي الوحيد أو الأقسى في تعامله مع الإعلام؟
في قراءة لكتاب هارولد هولزر «الرؤساء مقابل الصحافة»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، تشير القراءة إلى أن الحساسية التي قد يثيرها ترمب لدى البعض على حرية التعبير وتعامله الفظ مع المراسلين الصحفيين إلى حد إهانة بعضهم، أو حتى «تغريداته» المستفزة عن «الأخبار الكاذبة» واتهام الإعلام بأنه «عدو الشعب» أو تهديده بالانتقام من بعض وسائل الإعلام، ينبغي تهدئتها لأنه ليس فريداً... ولا هو الرئيس الأول. ورغم كل تجاوزات ترمب ضد الصحافة، فهو ليس العدو الأول لـ«التعديل الدستوري الأول»، وليس حتى في المراكز الخمسة الأولى بين الرؤساء الذين تعاملوا بقسوة مع الإعلام والصحافة.
تتحدث القراءة عن أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عامل الصحافة معاملة سيئة، ولكن بشكل مختلف فقط. إذ أخضع المراسلين لتحقيقات مكثفة لمنع التسريبات وأخفى عمداً أعمال رئاسته عن التدقيق العام، حسب شهادات عدد من كبار المراسلين. كذلك كتب المحرر التنفيذي السابق لصحيفة «واشنطن بوست» ليونارد داوني الابن، عن حرب إدارة أوباما على التسريبات وغيرها من الجهود للسيطرة على المعلومات، بأنها كانت الأكثر فظاعة التي شهدتها واشنطن منذ الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون. أما الاختلاف الأكبر بين أوباما وترمب في مواجهة الصحافة، بغض النظر عما يعتبره البعض «أسلوب ترمب المبتذل»، فهو أن أوباما أخفى عداوته للصحافة بابتسامة، بينما يعبر ترمب وبشكل فظ عن امتعاضه أمام الجميع.
ومع انطلاق المبارزة الإعلامية والسياسية بين ترمب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، تتحدث أوساط عدة عن سجل الأخير في إخفاء ما يريد اخفاءه، سواءً تعلق الأمر بوضعه الصحي أو العقلي أو فضائحه الشخصية، بعدما تقدمت العديد من النساء بادعاءات تتحدث عن تعرضهن «لسلوك غير لائق» من بايدن – وهو سناتور سابق عن ولاية ديلاوير. ومع أقل من 70 يوما على الانتخابات، يستعد الإعلام الأميركي لتلقي موجة جديدة من «الفضائح» التي ستنشرها حملتا ترمب وبايدن لتحطيم صورتيهما أمام الرأي العام.
هي إذن معركة دائمة بين مؤسسة الرئاسة الأميركية ومؤسسة الإعلام الأقوى في العالم. لكن ما يشحن المنافسة القائمة بين المؤسستين في هذه الفترة، هو اتهام وسائل إعلام معارضة الرئيس ترمب بأنه يسعى لتوظيف التوترات الاجتماعية والعرقية المندلعة فصولها منذ مقتل الرجل الأسود جورج فلويد على يد شرطي ابيض في مايو (أيار) الماضي، لشحن قاعدته الحزبية البيضاء. ولقد أتت التظاهرات وأعمال العنف الأخيرة التي اندلعت في ولاية ويسكونسن إثر إطلاق الشرطة النار على رجل أسود يدعى جاكوب بليك من الخلف، ومقتل عدد من الأشخاص على يد مراهق أبيض جاء من ولاية إيلينوي، لتزيد الطين بلة وترفع من نسبة الهجمات التي يشنها الإعلام على ما يسميه بسياسات «التفرقة والشحن العرقي والسياسي» لأسباب انتخابية.
ترمب يرد على تلك الاتهامات بالقول إن وسائل الإعلام التي تهاجمه منحازة بشكل كامل ضده، وبأنها هي المسؤولة عن تعميق الانقسام عبر تضخيم قضية التفرقة ضد السود، وبأن الديمقراطيين يرغبون في إبقائهم «عبيداً تحت مظلتهم السياسية».
تضيف القراءة أن كتاب هولزر الذي ركز على 18 من أصل 45 رئيساً، يشير إلى أنه لن يكون هناك سلام أبدا بين المؤسستين، بل فقط مستويات متفاوتة من العداء. وتاريخياً، أعطت الصحافة للرؤساء بقدر ما حصلت عليه، وفي الجزء الأكبر من القرن الأول للجمهورية، عندما كانت سيطرة الحزب على الصحف هي القاعدة، كانت هناك مجموعة واحدة من الصحف تدعم الرئيس بينما تعارضه مجموعة منفصلة، تماما كما هو حاصل اليوم، مع انحياز محطة «فوكس نيوز» لترمب و«إم إس إن بي سي» لأوباما. حتى الرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن، اتهمته صحيفة «ناشيونال غازيت» بأنه «يريد أن يكون ملكاً».
ترمب لا يحيد كثيراً عما قام به رؤساء سابقون، كالرئيس جون آدامز، الذي وقع على قوانين لمقاضاة الصحفيين، وأبراهام لنكولن الذي سجن عشرات المحررين إبان الحرب الأهلية، وحذف الأخبار من التلغراف، ومنع بعض الصحف من الصدور. بل، حتى الرئيس ثيودور روزفلت، الذي كان على علاقة جيدة مع الصحفيين، وكان أول من أعطى مراسلي البيت الأبيض قاعة خاصة داخل المبنى، وأقام ما يشبه الشراكة معهم في إنتاج الأخبار، واخترع «أخبار الأحد»، عاقب الصحافة بلمسة أخف. إذ استبعد بعضهم إلى الصفوف الخلفية، ورفع دعوى تشهير ضد «نيويورك وورلد» لجوزيف بوليتزر. وإبان الحرب العالمية الأولى أعاد الرئيس وودرو ويلسون فرض الرقابة على الصحافة، في حين أن الرئيس ريتشارد نيكسون، كان أول من قال لمستشاره للأمن القومي – يومذاك – هنري كيسينجر، إن «الصحافة هي العدو».
ولكن، مع تطور التكنولوجيا وما قدمته من أدوات وطرق جديدة للرؤساء الأميركيين، سواءً للتحايل على الصحافة أو للتعامل مع المادة الإخبارية التي يرغبون في تعميمها، استغل هؤلاء تلك الأدوات بشكل مكثف في مخاطبة الرأي العام.
وهكذا استعان الرئيس فرانكلن روزفلت بالراديو، وجون كيندي بالتلفزيون لصقل صورته، وطور رونالد ريغان تقنيات إدارة الأخبار التي بدأها أسلافه، بينما استغل دونالد ترمب كل ميزة تكنولوجية ممكنة، من «تويتر» إلى شبكات «الكابل» الإخبارية إلى فيسبوك، لتفادي تدقيق الهيئات الصحفية.
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك