لا توجد في الشِّعر حداثة دون الالتزام بقضايا المقهورين
آخر تحديث GMT19:17:04
 عمان اليوم -

الشَّاعر المغربي محمد نورالدين لـ"العرب اليوم":

لا توجد في الشِّعر حداثة دون الالتزام بقضايا المقهورين

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - لا توجد في الشِّعر حداثة دون الالتزام بقضايا المقهورين

الشَّاعر المغربي محمد نورالدين
مراكش - ثورية إيشرم

كشف الشاعر المغربي، محمد نورالدين، في حديث خاص إلى "العرب اليوم"، أن "كتاباتي الأولى بدأت في سن الثالثة عشر، حيث تأثرت بالقصيدة العربية المقفاة، فما إن انفتحت ذكراتي على التراث الشعري العربي حتى أصبت بمس الشعر، واقتنصت جمع النصوص الشعرية لدرجة أني دبجت دفاتر مدرسية عديدة بنصوص شعرية لعدد من الشعراء العرب، وكان انبهاري شديدًا بالمتنبي والشريف الرضي والبهاء زهير وابن خفاجة وأبي نواس، وعلى ضوء تلك الإضاءات كتبت نصوصًا أو محاولات لا أعرف الآن إن كانت صائبة عروضيًّا أم لا، لأن معظم تلك الأعمال بما فيها أعمال النضج احترقت في حادث، والمهم أصبحت أتلمس طريقي نحو هوية الشاعر؛ فكتبت نصًّا عن الشهيد المهدي بنبركة، ولكن فوجئت بأن إخوتي أحرقوه خوفًا عليَّ والمرحلة كما تعرف مرحلة ما سُمي الجمر والرصاص، وأتذكر أن السنة كانت 78 أو 79، فبكيت أشد البكاء، وكان وقوف أبي إلى جانبي مبهرًا معتدًا بي وبقوله وهو الأمي ذو الأصول البدوية، أنه فخور أن اكتب شعرًا عن قائد وطني فذ، وبأنه لم يكن له الحق في التصرف هكذا".
وأضاف الشاعر أن "هوية الشاعر ربما كانت حاضرة، ولكن أوقدتها المعرفة المدرسية، والجو الأسري في البيت، لأن بيتنا كان يعج بفن القول الشعري الشعبي، ولاسيما الإرث العربي الحساني، حيث كانت جدتي خزانًا شفويًّا للشعر الشعبي والفصيح الصوفي، الذي ورثته عن أبيها الفقير عياد السباعي، بالإضافة إلى أغاني وقصائد حمادة، وهي فرقة من الفلكلور الشعبي، كما أن مراكش المدينة، وحي السبتيين، الذي ولدت وترعرعت فيه، كان زاخرًا بكل أنواع الفنون الشعبية، وهذا يُؤثِّر في الإنسان بأشكال متفاوتة، والمراكشي على الخصوص فنان ذو الكلمة وله ذوق خاص، ولهذا وجدتني اكتب من حيث لا أدري القصيدة العامية والفصيحة في آن واحد، ودون أن أضع في ذهني أي امتياز لجنس على آخر، فكل ما يواتيني التعبير عن أحاسيس أعبر حسب المزاج".
وأشار محمد نورالدين، إلى أن "لا نظرية للشعر، فالشعر هو تلك الحالة الفردية، وعبرها تتفاعل كل العوالم الأخرى، وعلى العموم المبدأ الأساسي للشعر هو الحرية، وإذا تدخلت العوامل الكابحة والمحظورات وما يجوز وما لا يجوز يغيب الشعر ويحضر النظم، يغيب الشاعر ويحضر الشرطي، إذن لا غرو أن يبقى هؤلاء الذين أوفوا لمبدأ الحرية حسب رأيتهم للحرية كل من زاويته، ولا أقول بأني اتبنى السلف الشعري كما يحلو للبعض ولا الحداثة كما يرها البعض، ويتساوى عندي عبدالله البردوني بغيره من الحداثين وأُفضِّله أحيانًا عليهم، فالقصيدة عندي هي التي تخلص لراهنها وللحقيقة والحرية كما ينشدها أناس واقعيون في مرحلة ما هذه هي النظرية كما أراها إذا ما كانت هناك نظرية، ولا أحب أن اكتب عن تعال وتجرد تستهويني الحداثة الواقعية كما أراها عند سعدي يوسف، وانبذ تلك التجريدات والاستيهامات الفكرية الموغلة كما عند أدونيس، وما يمكن إضافته في الشعر هو هذا التبني الحقيقي لمبدأ الحرية، إذا ما استعطت سبيلًا، وهو تبني يظهر ويختفي عند الشعراء، حسب كل مرحلة، وحسب شخصية كل شاعر، ولا رغبة لي في الخلود، ولكن رغبتي أن أقول كلمتي وأخط أثري في هذا الوجود وأمضي، كما قال شيخ الغيوان المرحوم العربي باطما؛ جيت نقول كلمتي ونمشي".
وأضاف الشاعر، أن " تجارب الحياة هي الخزان الحقيقي للإبداع، إذا ما وعينا بحدة هذه التجارب، فلا يمكن أن تكون روائيًّا كبيرًا، وأنت قابع في مكانك أو بيتك وتريد أن تبني شخوصًا وأحداثًا ووقائع، وأروع ما كتب حسب رأيي كان مستمدًا من الواقع، بالنسبة لي، وفي غالب ما كتبت زجلًا أو شعرًا كان له دافع من الواقع عبر وقائع وأحداث أو شخوص أو حالات أو أحوال، لقد كانت بدايتي مع القصيدة حادة ومفجعة، وكدت أفقد فيها روحي، فقد اعتقلت وسني لم يتجاوز السادسة عشرة، وكان من بين صك الاتهام كتابة شعر تحريضي إلى جانب مشاركتي في الحركة الطلابية في العام 1983، وأذكر أني هددت إذا ما عدت إلى كتابة الشعر، وكان هذا هو الحال فقد كان إلى جانبي شاب معتقل من أجل قصيدة عن "المهدي بنبركة "، لا أعرف ماذا أصبح الآن، فهناك في ذاك العالم السفلي للمخافر، عاينت كنه الإنسان جوهره الجميل في أولئك الذين ينبذهم المجتمع حيث يتساوى الموظف باللص والعاهرة بالأستاذ".
وأوضح أنه "لا خارطة ولا خطة طريق في الشعر، فهناك أفراد أو ربما خارطة ممزقة ومشتته، هناك فيالق يكتبون على "شكلة الشاكلة"، وهناك أسماء تنسخ بعضها البعض ولاسيما من اعتدوا وتمادوا في اعتدائهم على قصيدة النثر، ربما استسهلوا غياب الوزن والتفعيلة وكتبوا هلم جرا وغالبيتهم ليست له ثقافة شعرية عميقة، والإعلام يساعد في تلك المهزلة، ولكن رغم كل هذا هناك مبدعون حقيقيون يبعثون الأمل، والأجمل أن هناك شعراء عامية رائعون، ربما لأنهم لم يسقطوا في حبائل هؤلاء الفيالق ولأنهم أقرب في ارتباطهم بهموم وهواجس الناس، أقول أن الأزمة سببها بعيد عن الإبداع، بل مبعثها هجوم إيديولوجي على القصيدة التي ارتبطت بالإنسان وهمومه وقضاياه، معتبرة أن كل من يخوض في القضايا المصيرية قد أكل عليه الدهر وشرب وأنه على شاكلة شاعر القبيلة، وشاعر الحداثة أو ما بعدها حسب رأيهم هم من يولي ظهره لهذه الأمور".
واختتم الشاعر كلامه قائلًا، "أنا شخصيًّا لا استطيع أن استسيغ شاعرًا باردًا ببرودة الجليد، لا يلتفت لآلام المضطهدين في الأرض، وأنا أقول مع شاعر أسبانيا الكبير الشهيد، فديريكو غارسيا لوركا؛ إن موت فراشة في أقصى الأرض يعنيني، أو كما قال مرة أخرى؛ القصيدة كائن يمشي في الشارع، لا حداثة دون التزام بقضايا المقهورين، ولاسيما في عالمنا المتخلف الذي يحكم بأنظمة الاستبداد والقهر، والذي مازال يحدد بثنائية الراعي والرعية، ولا يمكن أن أكتب عن علبة "كارتون نستلي" أو غيره، أو عن الخواء والفراغ، أو حبة إسبرين تسقط في كأس شامبنيا، كما لا يمكن وأنا والناس لا نزال مهددين في كرامتنا وعيشنا وحياتنا، لا يمكن أن أكتب عن مهمل وتافه والإنسان الكادح من حولي أكثر من مهمل وتافه، لكي تعود الأمور إلى نصابها لابد أن يرجع الشعراء إلى صوابهم إلى منبع الإبداع الحقيقي".

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا توجد في الشِّعر حداثة دون الالتزام بقضايا المقهورين لا توجد في الشِّعر حداثة دون الالتزام بقضايا المقهورين



GMT 20:21 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رحيل هاشم صديق شاعر الثورة وصوت الإبداع السوداني

GMT 10:06 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

شاعرات يتحدثن عن آخر أعمالهن في ضيافة دار الشعر بتطوان

GMT 16:58 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

غارة إسرائيلية قرب موقع بعلبك الأثري يعود لآلاف السنين

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 18:42 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
 عمان اليوم - أفكار لملابس تناسب شتاء 2025

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 عمان اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 13:39 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 عمان اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab