يعتبر مشروع (التراث اللغوي) أحد المشروعات المهمة في البرنامج البحثي الاستراتيجي للتراث الثقافي العماني في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب، حيث تمثل الظاهرة اللغوية في عمان بتجلياتها وتنوعاتها جزءًا أساسيًا من ثقافة هذا المجتمع وتراثه، وكل نوعية لغوية مستعملة في منطقة أو مدينة أو قرية عمانية هي جزء من ثقافة عمان وتراثها اللغوي، فيها من الثراء والتنوع الكثير: كالأمثال السائرة، والأشعار، والتعابير المسكوكة، ونصوص أخرى حافلة بمواد لغوية قديمة، معظمها قريب من العربية المشتركة (الفصحى) ومتأثر بها، وقسم منها مرتبط بالعربية الجنوبية القديمة، وتنتشر كذلك في مناطق عديدة من السلطنة، كتابات قديمة على الشواهد الصخرية وفي الكهوف، وتمثل هذه الكتابات جزءًا مهمًّا من تراث السلطنة الذي ينبغي الاهتمام به والمحافظة عليه.
ويهدف مشروع التراث اللغوي إلى تسجيل هذه النصوص اللغوية الشفهية وتدوينها وحفظها قبل ذهابها واندثارها، كما يسعى البرنامج إلى دعم الباحثين الراغبين في هذا النوع من الدراسات، وتشجيعهم وتقديم التوجيهات المناسبة لهم، إلى جانب إثراء الدراسات اللغوية في السلطنة وتنشيطها، وكذلك تسجيل أكبر قدر ممكن من المواد اللغوية الشفهية بطرق علمية وحفظها، وجمع التراث اللغوي وتصنيفه تصنيفًا علميًا دقيقًا مبنيًا على معايير علمية، مع جمع الكتابات اللغوية الأثرية المدونة على الشواهد والحوائط الصخرية والنقوش القديمة، والعمل على إظهار الصلات والروابط بين مكونات التراث اللغوي العماني، كما تتضمن الأهداف إبراز السمات والخصائص اللغوية العامة المميزة للتراث اللغوي في السلطنة، وتشجيع الباحثين المهتمين بهذا النوع من الدراسات وتقديم بعض أشكال الدعم المادي والمعنوي لهم. وفي هذا المشروع تم تمويل ثلاثة مشاريع بحثية وهي:
أولا: مشروع حصر وتوثيق النقوش والرسومات والكتابات الأثرية
كما يندرج تحت مشروع التراث اللغوي مشروع بحثي بعنوان حصر وتوثيق النقوش والرسومات والكتابات الأثرية على الحوائط الصخرية وحوائط المباني في ولاية العامرات بسلطنة عمان وحول هذا المشروع يقول الدكتور سيف بن يوسف الأغبري، رئيس الفريق البحثي للمشروع انطلقت فكرة المشروع من خلال البحث عن بدايات الكتابة في الحضارة العمانية والتي بدأت بالرسومات الصخرية ثم تطورت إلى نقوش ورموز ثم إلى الكتابة العربية الحالية، وحصر تلك المكتشفات وجمعها وتوثيقها توثيقا علميا حسب التصنيفات العلمية المتبعة في مثل هذه الدراسات، وتتجلى أهميتها في قيمتها التاريخية من حيث التعرف على العمق التاريخي والدلالات الحضارية والثقافية لهذه المنطقة من عمان، إذ تعكس الكثير من جوانب الحياة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي عاشتها المنطقة عبر الحقب الزمنية المختلفة، وبما أن المنطقة الجغرافية (محل الدراسة) لم تنل نصيبا كافيا من البحث والتوثيق في هذا الموضوع لذا تبنى هذا المشروع دراستها وإخراج مكنوناتها الحضارية علما بأن هذه النقوش والرسومات والكتابات الأثرية تتوزع على مواقع عديدة من ولاية العامرات مثل : وادي الميح ، وادي عدي، وادي السرين، وغيرها من الأودية والمواقع.
ويؤكد الدكتور سيف الأغبري: ان المشروع يعمل على المساهمة في تمكين الأجيال من استشراف المستقبل لهذه المواقع الأثرية بما تحمله من كنوز حضارية تعود على الاقتصاد الوطني بمزيد من الإضافات والاسهامات المثرية، فالمنطقة محل الدراسة تعد متحفا تاريخيا مكشوفا وكنزا لا زال بحاجة إلى مزيد من البحث والاستقصاء، ومن اللافت للنظر العدد الهائل للمواقع الأثرية واللوحات الصخرية الأثرية التي تضمنتها تلك الأودية والجبال من النقوش والرسومات والكتابات الصخرية إضافة إلى النوادر التي تم اكتشافها في هذه المواقع.
ويضيف: تهدف الدراسة إلى حصر وتوثيق النقوش والرسومات والكتابات الصخرية في ولاية العامرات بسلطنة عمان، إلى جانب تحديد المواقع (الأودية والسلاسل الجبلية) التي تتضمن النقوش والرسومات والكتابات الصخرية في ولاية العامرات بسلطنة عمان، وأيضا جمع البيانات الوصفية (الموقع، الإحداثيات، وصف طبيعة النقش، حالة النقش، الصور، وغيرها) المتعلقة بالنقوش والرسومات والكتابات الصخرية الموجودة في الحوائط الصخرية، ويتوقع من المشروع تحقيق مجموعة من النتائج مثل تحديد المواقع التي تتضمن الرسومات الأثرية على الحوائط الصخرية في ولاية العامرات بسلطنة عمان تحديدا جغرافيا وفلكيا، وتوفير بيانات وصفية حول الرسومات الأثرية على الحوائط الصخرية في ولاية العامرات بسلطنة عمان، وتوثيق الرسومات الأثرية على الحوائط الصخرية في ولاية العامرات بسلطنة عمان، توثيقا وصفيا وفوتوغرافيا، بطريقة تُسهل إتاحتها، والرجوع إليها من قبل الباحثين والمهتمين في هذا المجال.
ثانيا: مشروع توثيق اللغة الكمزارية المحكية في سلطنة عمان
وللتعرف أكثر عن هذا المشروع التقينا بالدكتورة دولا القاضي، رئيسة الفريق البحثي لمشروع توثيق اللغة الكمزارية المحكية في سلطنة عمان، حيث تقول: إن هذا المشروع يعتبر أول دراسة تأخذ منهجاً علمياً لأرشفة وتوثيق اللغة الكمزارية وذلك من قبل فريق عمل متخصص مكون من باحثين أكاديميين متخصصين في الدراسات اللغوية بالإضافة الى اشراك افراد من مجتمع اللغة نفسها والمتحدثين باللغتين الكمزارية والعربية على حد سواء. وفكرة المشروع هي توثيق اللغة الكمزارية المحكية في سلطنة عمان على شكل أرشيف الكتروني يتضمن مواد لغوية محكمة متنوعة (نصية وصوتية وصورية) بهدف إتاحتها للمجتمع والمختصين والباحثين وذلك لأغراض البحث وللتعرف على هذه اللغة والثقافات والعلوم المرتبطة بها. كما تنبع أهمية هذا المشروع البحثي لكونه مساهما في الحفاظ على المعارف المرتبطة باللغات المحكية المهددة بالاندثار في السلطنة والتي تعد ارثا حضاريا لا يقدر بثمن و هي جزء من التراث الثقافي غير المادي في السلطنة، حيث ستعكس مثل هذه الأبحاث ثراء الثقافة العمانية وتعزز التنوع العلمي في مجالي دراسة اللغة والأدب العماني، كما ستشجع المختصين على توثيق ونشر الحكايات ومختلف اشكال الادب الشفهي وقصص الأطفال مما سيضمن استمرارية هذه اللغات للأجيال القادمة إضافة إلى أن توثيقها يحافظ على التنوع الثقافي والأدبي في سلطنة عمان.
وتضيف الدكتورة دولا: سينتج عن هذا المشروع البحثي معجم موضوعي يضم أربعة آلاف مصطلح على الأقل مدوّن بالأبجدية العالمية، والأبجدية العربية ومترجم إلى اللغة العربية. وستصنف فيه المفردات بحسب موضوعات تتعلق بالطبيعة الجغرافية والجوانب الحياتية والثقافية للمتحدثين بالكمزارية. وسيكون هذا العمل أيضًا مكملاً محفزاً لجهود بعض افراد المجتمع المحلي الذين عملوا على جمع وتدوين مفردات اللغة واصواتها وتطوراتها على مدار السنوات القليلة الماضية.
ثالثا: مشروع الألفاظ الزراعية في لهجة أهل الرستاق: دراسة معجمية
وحول فكرة المشروع يقول الدكتور زاهر بن مرهون الداودي رئيس الفريق البحثي للمشروع أن المشروع يتتبع الألفاظ الزراعية ودراستها دراسة معجمية؛ (المعجم يشمل الألفاظ اللغوية مقرونة بشرحها وبيان المستويات اللغوية المختلفة) كما يهتم المشروع بدراسة الألفاظ الزراعية في لهجة أهل الرستاق؛ نظرا لما يتميز به الولاية منذ القدم بالاهتمام بالزراعة، وتنوع المحصولات الزراعية فيها، وتنوع الواردات الزراعية والحيوانية فيها.
ويضيف الداوودي أن فكرة المشروع انطلقت من أن اللغة كالكائن الحي تنمو وتتطور وتموت، ولعل أهم عامل يسهم في نموها وتطورها وموتها هو الاستعمال، والعرب قديما كانوا يعتمدون في ممارسة الأنشطة الزراعية على الأساليب التقليدية التي كان لها خصوصيتها في ألفاظها ومسمياتها، وبما أن التطور الحضاري والعمراني والتكنولوجي له دور كبير جدا في ظهور أدوات أخرى، وما يتبعه ذلك من ظهور مصطلحات وألفاظ تتصل بهذه الأدوات، وتسهم في موت كثير من الألفاظ والمصطلحات؛ لعدم استعمالها في هذه الحرفة، لذا يسعى هذا المشروع إلى تتبع هذه الألفاظ، وتأطيرها في معجم موضوعي يختص بالألفاظ الزراعية في كل جوانبها؛ تثبيتا لهذه الألفاظ، وحفاظا على هذا الإرث اللغوي من الضياع.
الجدير بالذكر أن مشروع التراث اللغوي العماني تنبع أهميته في المساهمة في حفظ التراث اللغوي العماني المتصل باللهجات واللغات العامية المحكية والكتابات القديمة، وتوفير مواد لغوية مسجلة ومصنفة عن اللهجات واللغات العامية المحكية والكتابات القديمة الموجودة في السلطنة، بحيث يمكن أن تكون منطلقا لدراسات أخرى، ولحفظ الكتابات اللغوية الأثرية من الاندثار، والإسهام في تعزيز الدراسات اللغوية واللهجية بشكل عام، وفتح آفاق استثمار التراث اللغوي المتصل باللهجات والنوعيات اللغوية في السلطنة في التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد، حيث يتضمن نطاق المشروع نطاق اللهجات واللغات العامية المحكية في سلطنة عمان، ونطاق الكتابات اللغوية الأثرية المدونة على الشواهد والحوائط الصخرية والنقوش القديمة.
قد يهمك ايضاً :
ميليشيا الحوثي تحرق أشهر المكتبات الدينية في حجة اليمنية
حقيقة تنبؤ قصيدة عربية قديمة بظهور وباء "كورونا" في العالم
أرسل تعليقك