لم تكن تعرف المذيعة التلفزيونية البريطانية البارزة ليز دوست وهي تغطَي أحداث ساحة التحرير و التحركات الشعبية وسط القاهرة لصالح محطة "البي البي سي" التلفزيونية قبل عشر سنوات تقريبًا أن ما وصفته بـ " الربيع العربي " حينذاك سيكون وصفاً بات يعرَف به كل ما شهدته عدد من الدول العربية من تحركات شعبية واسعة تعمدَت بالدم وانتهت إلى غير ما كان ما يتمناه بعض ممن انتفضوا في تلك الأيام, لتغيير واقع عاشوه, بحثا عن مستقبل أفضل لهم و لدولهم .
كلام ليز دوست يومها, لم يمر دون تعليق, بل جاءها الرد من إعلامي عربي كان يحل ضيفاَ على استوديوهات البي بي سي في لندن, ليقول معلَقاَ, بأنه من المبكَر جداَ وصف ما يجري في مصر و تونس و ليبيا و سورية بالربيع العربي , لأنه من المبكر الحكم على تجربة بنجاحها منذ اليوم الأول أو حتى الأسابيع الأولى من التحركات الشعبية العربية , بل يجب أن يترك للتاريخ, و بعد عدة عقود ليكون من الحكمة تصنيفها , ومع ذلك نجحت الدكتورة فاطمة غندور في أن تضع تجربة نساء عربيات من الدول المعنية بين دفَتي كتاب تؤرخ فيه لمرحلة مهمة من تاريخ بلادنا و تجارب شعوبها في التغيير ليس فقط في تلك الفترة بل ما عاشوه من تجارب سبقتها .
غندور في مشروعها الراصد بأسئلتها عن مفاعيلهن في لحظة تاريخية مفارقة ،و السيروي لهن الذي جعلته منسابا في حوارات تمس مسيرة نضالهن، منذ لحظة خروجهن في ميادين الثورات، وحتى فعل استبعادهن، بل وتهديدهن من تيارات متطرفة استخدمت العنف، وقد برزن وظلت ومازالت مواقفهن ومطالبهن التي دفعن من أرواحهن ، دماء ، وهجرة ولجوء، وتكتب غندور أنها نشرت حواراتها معهن دون مقص الرقيب، بجريدة ميادين (صدرت ببنغازي مايو 2011) وذلك ما تحقق لأول مرة ،عن كل إصدارتها السابقة ،ومن مقدمتها بالكتاب: " نوثق كي نبحث وندرس، هن الفاعلات في الميادين، ومنها أمكنة الخطر، وسط الناس في عواصم ومدن أطراف، لم يكُن المُنظرات فوق المنابر!، بل المُشكِلاَت ما بحاجة لنظر..حديثهن هنا دون محظورات، وبعيدا عن مختنقات القهر والحجب والإقصاء، أتيح فيه أن تحضر الأنا الحرة مزيحة بانتفاضتها الأنا المقموعة، وحيث شاهدنا كما لم نشاهد قبلا المرأة في منطقتنا، المقدامة بخيارها وإرادتها، وأنها في المقدمة، وكما لم نشهد رأينا عملاً حثيثا لقمعهن بحجبهن وتخميرهن، بل وجعلهن كبش فداء يطاردهن ملك الموت المتطرف عدو الحياة.
حديث النساء في ربيعهن :
"زهيرة كمال" أول رئيسة منتخبة لحزب فلسطيني, و القيادية العتيدة في نشاطها السياسي والمدني، تروي عقود من سيرتها و بواكير خروجها طالبة في مظاهرات في فلسطين وحين حُقق معها بالأردن، ثم بالقاهرة أثناء دراستها، ومن منطلق إيمانها أن النضال النسوي هو نضال سياسي ،وتبدي رأيها في مطالبات أخذت منحى انتقامي شابت انطلاق الانتفاضات، كقانون العزل السياسي، الذي ثقلَه فيه تكرار لوضعية ديكتاتورية. ومن جيل لاحق الناشطة فيكتوريا شكري تتحدث عن نضال المرأة الفلسطينية، وعن تحديات تواجه المرأة كشريكة في النضال، منها تعدد الوضع القانوني للمرأة ، قوانين تحكم النساء في غزة غيرها في رام الله، كما مساحة الفاعلية المتاحة مع عوائق الاحتلال المجحفة للحق الفلسطيني ، وفي سيطرته على الموارد، على الحدود، حيث حواجز الجدار العازل قاصمة لكل مبادرات نساء الداخل الفلسطيني.
ومن السودان الناشطة المدنية منال عبد العظيم، و تحكي قصة أثر متغير الربيع العربي لحظة بزوغه في مصر، حين ترك كل المراسلين عدا واحد مدينة "جوبا" منطلقين إلى ساحة التحرير بالقاهرة، وتفصل منال عن وضعية المرأة السودانية رغم حراكها المبكر سياسيا في النشاط الحزبي، فالحروب المتلاحقة وفصل الشمال عن الجنوب، مع خذلان دستور 2005 رغم وثيقة الحقوق به، لتطلع النساء للانتخابات، لكن تحديد الكوتا ب 25% أدى إلى تقليص فرص النساء وغالب الحزب الحاكم وقدم تشكيلته مماثل وقتها هيمنة سلطوية متواصلة لواقع العمل السياسي.
ومن المغرب حاورت غندور السجينة السياسية فاطمة البويه ،مبرزة سيرتها في العمل السياسي مذ كانت طالبة في السبعينيات، ثم انخراطها بالعمل النقابي، وكان اعتقالها الأول عام 1974،وتعرض بالحوار خطوطا عريضة لكتاب سيرتها "حديث العتمة" الذي صدر بالفرنسية بعنوان: امرأة اسمها رشيد"،البويه تعتبر أن انطلاق انتفاضات الربيع العربي عام 2011، فتح باب انفراجة دستورية لحراك مدني قبلها ظل ميئوسا من تحققه .وبالكتاب من المغرب سيرة وتاريخ الناشطتين في الفكر والعمل المدني خديجة صبار،ومنيا حوجيب.
ومن سوريا جاءت أصواتهن متباينة في آرائهن ومواقفهن من الثورات، انبثاقها ومآلاتها حتى وغندور تجمعهن تحت عنوان: أصحاب السلاح لن يجلبوا لنا دولة، هن :أمل نصر، غيداء العودات، منى الغانم ،رانيا قدورة،وإن كانت أمل نصر من سوريات الداخل تعلن عن انخراطها لأول مرة في هيئة تعمل على تمكين المرأة سياسيا، وتذهب إلى دعوة لحوار سوري / سوري تنخرط فيه النساء من مختلف الأطياف والتيارات سواء موالية أم معارضة لأجل صنع سلم أهلي بين كل الأطياف السورية .
من مصر المدربة المختصة عربيا والمعتمدة دوليا في مجال الأمن والسلامة للصحفيين في مناطق النزاع والتوتر ،الكاتبة الصحفية عبير السعدي كانت على الأرض تراسل وسط مواقع الخطر وتكتب من العراق و ليبيا وتونس واليمن وتايلاند ،وعن رأيها الذي ينبض من واقع تجاربها حيث العنف لا يصدر فقط من السلطة الغاشمة التي حكم ،بل قد يكون رد فعل الضحية تجاه جلادها!، قالت : المجتمعات في المراحل الانتقالية تظهر قبحها.
من الأردن تجيء تجربة المسرحية أسماء مصطفى وأعمالها التي تطرح سؤال المرأة وشواغلها وتابوات ظلت كجدار يسد بوجهها في إعلان ذاتها الفاعلة بما تريد، أسماء كاتبة وممثلة ومخرجة حصدت جوائز ببلدها وخارجه، تروي مسيرتها وعوائق عمل المرأة بالمسرح في أوطاننا العربية.
الشابة الصحفية ومراسلة القناة الإخبارية التونسية نورا مجذوب ، والتي عاشت طفولة مفارقة كشاعرة وكاتبة لها مشروع " الصحفي الصغير" ،ثم أتيح لها مع ثورة الياسمين أن تحصل على تدريب صحفي مستقل ،وانشغلت بالمدن الأطراف مبرزة عبر وثائقيات كتبت سيناريوهاتها وصورتها كما وقرأت تعليقها، وقد حصدت الجائزة الأولى لصندوق الأمم المتحدة للسكان والتنمية، وهي تنقل حكاية امرأة من بنزرت تصنع الفخار فتتمكن من تدبير حياتها وحياة أبنائها وسط ظروف الثورة التونسية، نورا تقدم نظرتها لما بعد متغير الثورات مماثل مطالبات الشباب التي ظلت عصية على التحقق.
من ليبيا فاطمة التايب أول سجينة سياسية (1984-1988) تُعاقب لانتمائها الحزبي في ظل سلطة تقنن عقوبة الإعدام لكل من يدعو لإقامة حزب! ثم منعها من إكمال دراستها والعمل والسفر،وهي ذات مصاعب مورست على المناضلة فوزية خريبيش، والسجينة سكينة الحارس من تعالج مقاتلا من الثوار 2011م ، فتلقى عند اعتقالها صنوفا من التهديد والتعنيف دون مقاضاتها أو توكيل محامي لها، وبالكتاب حوارات مع سياسيات انخرطن لأول مرة في تاريخ ليبيا كمرشحات بالبرلمان 2012 ،ومصاعب وعوائق ممارستهن السياسية ،أو توليهن لمناصب:هاجر القايد ،سعاد سلطان، صالحة اشتيوي.آمال بوقعيقيص،إيمان بن يونس،هناء القلال.
وترصد غندور بسؤالها الرئيس عن الانتفاضات مسبباتها ومآلاتها بعين نسوية، موقف ورأي صحافيات، ومسؤولات دوليات دخلن دول المتغيرات في سنوات انتفاضتها،ونزلن في مناطق حراكها السلمي ثم نقلته المسلحة، سوازييك دوللي رئيسة منظمة مراسلون بلا حدود، انيك كوجان مسؤولة الاستطلاعات بمجلة لموند الفرنسية، والصحفية الايطالية أوتافيا ماسيمو، وكلوديا غازيني التي تسرد مقابلتها لدواعش بمدينة درنة الليبية، وقد كانوا من جنسيات متعددة.
الكتاب الصادر عن ميادين الليبية للصحافة والنشر ( فبراير 2020)، يُقارب 600 صفحة ،يقدم سيرة فاعلة لنساءملهمات،أصواتهن نسمعها عبر فصول الكتاب المعنونة : رائدات، سجينات،حقوقيات،سياسيات،باحثاث،صحافيات، ناشطات المجتمع المدني، في الفنون والرياضة.
قد يهمك ايضاً :
لوحات تسكنها البهجة في معرض "الإسكندرية وعيد الحب" في مصر
3 سوريين يحولون بقايا الدمار إلى أعمال فنية مميزة
أرسل تعليقك