الذكاء الاصطناعي يُهدّد صناعة النشر وانعكاساته على الكتاب ستكون أكثر عمقًا
آخر تحديث GMT20:50:53
 عمان اليوم -

الذكاء الاصطناعي يُهدّد صناعة النشر وانعكاساته على الكتاب ستكون أكثر عمقًا

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - الذكاء الاصطناعي يُهدّد صناعة النشر وانعكاساته على الكتاب ستكون أكثر عمقًا

صورة تعبيرية
واشنطن ـ رولا عيسى

لمس التطور المتسارع للتكنولوجيات الحديثة في الأتمتة والاتصالات معظم مجالات الإنتاج البشري، بما فيها صناعة النشر وتجارة الكتب التي شهدت خلال ربع القرن الأخير تحولات ثوريّة، لم يقل تأثيرها عمّا فعلته مطبعة غوتنبرغ بالكتب والقراءة والمعرفة في عالم الغرب بعد 1447.

فمن انطلاق متجر «أمازون» الإلكتروني في 1995 الذي أعاد تشكيل مشهد تجارة بيع الكتب بالتجزئة على نحو حاسم، إلى ظهور الكتب الإلكترونية، المقروءة منها والمسموعة، والتي هددت بشكل وجودي الجيوب التقليديّة لصناعة النشر برمتها، من لحظة الكتابة إلى طريقة وصول النصّ إلى يد القارئ -أو أذنيه- مروراً بإنتاج المادة موضوع التبادل؛ لا سيما مع توسّع إمكانات النشر الذاتي من قبل المؤلفين أنفسهم. وفي كل نقلة نوعيّة من هذه التطورات، اضطرت الصناعة إلى التكيّف، أو مواجهة اندثار محتّم.
واليوم، ثمة شبح اضطراب جديد يرجّح أن تكون انعكاساته على الكتاب أكثر اتساعاً وعمقاً في الوقت ذاته: إنّه صعود الذكاء الاصطناعي.
كانت لهذه التكنولوجيا الأحدث اختراقات مبكرة في بعض جوانب صناعة النشر، مثل التسويق والإعلان وإنتاج الكتب الإلكترونية والمسموعة، واستعان بها بعض المؤلفين لتوسيع مروحة إنتاجهم وإثراء مصادرهم؛ لكنها -وعلى نحو متسارع- تخلّق إمكانات قادرة على تغيير العمليّة برمتها، بما فيها فعل الكتابة نفسه، لدرجة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه عمليّاً تأليف النصوص، وإعدادها للنشر، وطباعتها، أو إنتاجها إلكترونياً، والترويج لها، لا بل ورصد ردود أفعال النقاد والقراء عليها في الصحف والمواقع وعلى منصات التواصل الاجتماعيّ. ويمكن أن يقتصر دور البشر في هذه الوظائف كلّها على وضع المواصفات العامة المطلوبة للنص: طبيعته، ومحتواه، ومنهجيته، وأشكال إنتاجه وصيغها، والقنوات التوزيعية التي يراد عرض المنتج عليها. وحتى هذا الدّور يمكن –على الأقل على الصعيد النظري– أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة المبادرة بها كانعكاس لأمر آخر، مثل توفير أدوات لتغيير الرأي العام حول مسألة معينة، فيقرر الذكاء الاصطناعي تالياً أن كتاباً قد يكون من تلك الأدوات، فينتجه في برهة من الوقت قد لا تتجاوز ثواني قليلة.
ويمكن للجيل الحالي من أجهزة الذكاء الاصطناعي توليد أعمال فنيّة، وتصميمات ونصوص ومقاطع بصريّة مثيرة للدهشة في قدرتها على محاكاة أساليب فنانين ومصممين وكتاب مشهورين، حتى مجالات كنا إلى وقت قريب نظنّ أنها رهينة إلهام شيطان الإبداع، مثل كتابة الروايات الأدبيّة مثلاً. وتتوفر حالياً برامج للعموم، بعضها مجاني أو قليل التكلفة لتصميم أغلفة الكتب دون مصممين، ومعالجات تكتب قصصاً للأطفال، وأخرى لتدريب المؤلفين المبتدئين على التوسع في تطوير شخصيات رواياتهم، إضافة إلى برامج تدّعي أنها تحاكي نثر كتاب كلاسيكيين، مثل جين أوستن وإدغار آلان بو. ولا شكّ في أن الجيل التالي الذي لن يطيل المكوث في المستقبل سيمتلك قدرات أعظم بما لا يقاس.
في الغرب، تسببت هذه التطورات فيما يشبه موجة من الهلع، وانضم الناشرون والكتاب إلى الفنانين والمبرمجين ومنشئي المحتوى في الجأر بالشكوى ومقاضاة شركات الذكاء الاصطناعيّ، متهمين إيّاها بالاستخدام المجاني لأعمالهم وإبداعاتهم في تأهيل هذا الشبح، وتدريبه على إنتاج أعمال يمكن تدريجياً أن تستغني عن وجودهم كليّاً.
ويُضرب الآن كتاب السيناريو والممثلون ومختلف فئات العاملين بصناعة الأفلام في هوليوود، عاصمة صناعة السينما الأميركيّة، مطالبين بحمايتهم من تغوّل محتمل على مواهبهم من قبل الذكاء الاصطناعيّ. كما نظمت نقابة المؤلفين مؤخراً عريضة وقعها آلاف الكتاب، تطالب مجموعات التكنولوجيا بالحصول على موافقتهم قبل استخدام إبداعاتهم لتدريب برامج الذكاء الاصطناعي.
واعتبرت «بنجوين راندوم هاوس» أكبر دار للنشر في العالم، أن «ابتلاع» المواد المنشورة من قبل كومبيوترات فائقة التطور دون إذن مسبق، اعتداء صريح على حقوق الملكيّة الفكريّة. وسارعت عدة وكالات تمثل الرسامين بمراجعة قانونية شاملة لنماذج عقودها، لتتضمن منعاً صريحاً لاستخدام عملهم لتغذية خبرات برامج الذكاء الاصطناعي.
في بريطانيا التي يضيف ناشرو الكتب والمجلات فيها أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً للاقتصاد القومي، التجأ كبار رجالات الصناعة إلى رئيس الوزراء، ريشي سوناك، كي يقود عمليّة حماية حقوق الملكيّة الفكريّة للمنتجات الإبداعيّة من شبح الذكاء الاصطناعيّ، وذلك على هامش قمّة عالميّة تعتزم المملكة المتحدة تنظيمها قريباً (نوفمبر «تشرين الثاني» المقبل) للبحث في توافق دولي حول تنظيم هذا الذكاء «من أجل استعمالات آمنة ومسؤولة» حسب تعبير أدبيات القمّة. وتحاول بريطانيا من خلال هذه القمّة فرض نفسها لاعباً رئيسياً على جهود يقوم بها الأميركيّون فعلاً بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لهذه الغاية. وحثت جمعيّة الناشرين -في رسالة مكتوبة وجهت لسوناك- على فرض احترام حقوق الملكية الفكريّة عند استعمال المحتوى لتغذية أنظمة الذكاء الاصطناعيّ، وفرض ديناميّة للحصول على ترخيص مسبّق مقابل بدل مادي عادل.
وليس سرّاً أن مجموعات التكنولوجيا توظّف بالفعل المحتوى «الإبداعي»، مثل التصميمات والنصوص والصور والأصوات والألحان، من الصحف والكتب والفن والموسيقى، لتدريب نسخهم من أنظمة الذكاء الاصطناعي على إنتاج مواد على النسق ذاته، بتكلفة زهيدة للغاية، وبوقت قياسي. ويقول الناشرون إن هذا يعد بمثابة استخدام غير عادل لأصولهم من حيث المبدأ، ناهيك بالطبع عن إمكان الاستغناء عنهم مستقبلاً، وإنتاج مواد مثل سلاسل الروايات والمقالات الصحافية والأفلام والصور التي تستلهم روح الأعمال الأصلية دون المرور بهم. وحذر الناشرون من أن التخلي عن أساس الصناعة المتمثل في الحماية الفكريّة، من شأنه إلحاق الضرر بالإبداع الإنساني، فضلاً عن القضاء على سبل عيش أعداد هائلة من الفنانين، والباحثين، والمؤلفين، والناشرين.
وتشير تجربة استقصائية أجرتها شركة ألمانيّة معنية بصناعة النشر الإلكتروني، إلى أن 8 في المائة فقط من عينة واسعة من الأشخاص تمكنوا من اختيار صورة وجه بشري حقيقي، عندما وضعت إلى جوار 3 صور أخرى تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. وقس بالطبع على ذلك في مقاطع أفلام الفيديو، والرسوم، والتصاميم، وربما النصوص أيضاً.

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

 

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذكاء الاصطناعي يُهدّد صناعة النشر وانعكاساته على الكتاب ستكون أكثر عمقًا الذكاء الاصطناعي يُهدّد صناعة النشر وانعكاساته على الكتاب ستكون أكثر عمقًا



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:13 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025
 عمان اليوم - أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025

GMT 20:21 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
 عمان اليوم - غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 20:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لتزيين الجدران الفارغة في المنزل المودرن
 عمان اليوم - أفكار مبتكرة لتزيين الجدران الفارغة في المنزل المودرن

GMT 20:19 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل
 عمان اليوم - نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل

GMT 23:49 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab