تعد قرحة المعدة عادة علامة على الصدمات الجسدية التي تسبب الكثير من الألم عند تناول الطعام أو التحدث، وعادة ما تزول من تلقاء نفسها في غضون أيام، ولكن واحدًا من كل خمسة أشخاص يعاني من نوبات متكررة من تقرحات الفم التي غالبًا ما تكون غير واضحة السبب.
وأوضح طبيب الفم في معهد كلية لندن لطب الأسنان ستيفن بورتر، أن القرحة يمكن أن تشير إلى أن شيئًا ما في الجسم لا يعمل بالشكل الذي ينبغي عليه أن يكون، كحالات فقر الدم بسبب نقص الحديد ونقص فيتامين "B12"، الذي يؤدي إلى التقرحات التي لا تندمل بسهولة.
وأفاد بورتر: "المفتاح ليس قرحة المعدة أو كم من الوقت تستغرق للشفاء، فأي شيء يستمر لأكثر من ثلاثة أسابيع بحاجة إلى مزيد من التحقيقات، فقد تكون هناك مشكلة طبية أخرى".
ويسمى شكل القرحة الأكثر شيوعًا بالقرحة القلاعية وهي تبدو وكأنها قرحة نموذجية مستديرة أو بيضاوية، ويكون قطر كل تقرح حوالي 10 ملم، وتستغرق من أسبوعين إلى ثلاثة كي تزول دون علاج، وتكون صحة الشخص المصاب جيدة بشكل عام، وعادة لا يوجد سبب واضح أو نظرية واحدة لها، ولكنها ترتبط بالتوتر والإجهاد.
ويفيد بعض الناس بأن تقرحات الفم القلاعية تظهر لديهم عندما يكونون تحت الضغط، وتعاني بعض النساء من هذه القرحة أثناء فترة الدورة الشهرية، ولكن لم تثبت العلاقة بين التوتر والقرحة القلاعية بعد.
وأضاف بورتر: "يمكن أن يعاني هؤلاء الناس من فرط الحساسية للألم عندما تتعرض أجسادهم للضغط، وبالتالي يلاحظون قرحة الفم التي ربما تكون موجودة في وقت سابق لم يلاحظوها، وفي نظرية أخرى تنص على أن التوتر يقمع نظام المناعة الذي بدوره يغير بطانة الفم، وتسبب قروح الفم الألم بسبب قربها من الأعصاب الأساسية".
ويمكن أن يؤدي تناول التوت والفراولة والعليق والشكولاتة إلى قرحة الفم لدى بعض الناس، والسبب هو وجود حساسية لمادة الثيوبرومين وهي مركب شبه قلوي موجود في الشكولاتة، أو حمص الصفصاف الموجود في العنب البري والعليق والفراولة، وتم العثور على هذه المواد أيضًا في القهوة واللوز والجبن والطماطم.
وذكر المستشار الاكلينيلكي في الجمعية الخيرية البريطانية للحساسية مورين جنكنز: "القليل من الناس يعانون من قرحة الفم بعد تناول هذه الأطعمة، ولكنها من الناحية التقنية ليست حساسية ضد غذاء معين تظهر فيها أعراض الحساسية المعتادة، مثل تلك التي تسببها لسعات النحل، وتختفي هذه القرحة عادة في غضون أسابيع".
وينصح الناس الذين يعانون عادة من القرحة والشعور بالتعب طوال الوقت، بمراجعة نظامهم الغذائي، فنقص فيتامين "B12" والحديد يؤدي إلى تقرحات الفم، وذلك لأن خلايا بطانة الفم تحتاج إلى هذه المواد الغذائية لتجديد كفاءتها.
وشرح البروفيسور بورتر: "تشابه هذه التقرحات القرحة القلاعية، ولكنها تكون مصحوبة بأعراض مثل الشعور بالتعب وضيق النفس والإعياء".
وتعتبر أنيميا نقص الحديد إحدى حالات نقص الحديد التي تؤدي إلى انخفاض عدد خلايا الدم الحمراء، وهي حالة شائعة بين النساء في سن الإنجاب إذا كانت دورتهم الشهرية كثيفة وفي فترات الحمل، والحالة الأكثر شيوعًا لنقص فيتامين "B12" هي الأنيميا الخبيثة، وهي تؤدي بالجسم إلى مهاجمة الخلايا في المعدة التي تنتج بروتين يسمى عامل "أنسترينسيك"، والذي يساعد على امتصاص فيتامين "B12"، وعادة ما يكون الكبار في السن عرضة لهذا المرض أكثر.
ويغيب عادة بعض المواد الغنية بهذا الفيتامين في النظم الغذائية لدى بعض الناس، حيث أن فيتامين "B12" موجود في اللحوم والحليب والبيض، ويوجد الحديد في اللحوم الحمراء والخضار الورقية مثل اللفت وكذلك في الأرز البني. وبيّن بورتر: "عندما يكون سبب القرحة نقص الحديد أو فيتامين B12، يجب تحديد السبب ومعالجتها، وربما يحتاج المرضى إلى مكملات الحديد أو حقن من B12، وبمجرد أن تعود مستويات الحديد والفيتامين إلى وضعها الطبيعي، تختفي تقرحات الفم فورًا".
ويمكن أن تسبب أطقم الأسنان، والتقويم، وتركيب الأسنان، والحواف الحادة للأسنان قرحة عند تسببها في قطع بطانة الفم، وتنصح طبيبة أسنان من عيادة لندن سمايلنغ اوشينا أوكي بمراجعة طبيب الأسنان وطلب التعديلات اللازمة إدخالها على طقم الأسنان، أو لبرد الأسنان الحادة لتجنب قرحة الفم، ويمكن أي يؤدي استخدام فرشاة أسنان ثابتة إلى تلف بطانة الفم، الذي يؤدي إلى القرحة، وتحث مرضاها على استخدام فرشاة أسنان ناعمة.
ويتوقع بأن تكون قرحة الفم المتكررة التي يرافقها التعب وفقدان الوزن علامة على مرض الاضطرابات الهضمية، وتسبب هذه الحالة رد فعل سلبي على "الغلوتين" وهو بروتين يوجد في القمح والشعير، وقال رئيس مجلس إدارة القناة الهضمية الخيرية وطبيب أمراض الجهاز الهضمي البروفيسور كريس هاوكي: "تستجيب الأجسام المضادة الصادرة عن الجهاز المناعي للغلوتين مسببة تلف في بطانة القناة الهضمية، مؤدية إلى عدم امتصاص الحديد وحمض الفوليك، فتزداد الحاجة إلى إصلاح هذه الخلايا، بما فيها خلايا الفم".
ويستخدم اختبار للدم أو خزعة من القناة الهضمية لتشخيص مرض الاضطرابات الهضمية، ويمكن أن تشير قرحة مع ظهور "حصاة كبيرة" علامة على مرض "كرون" الناجم عن التهابات بطانة القناة الهضمية من الفم حتى فتحة الشرج، وتكمن أعراض المرض في الإسهال والأم في البطن وفقدان في الوزن، أو يمكن أن تؤدي إلى قرحة أكبر، وتكون عادة القرحة الناجمة عن مرض "كرون" على شكل تورم في الفم.
ويجلب الإقلاع عن التدخين للعديد من الفوائد الصحية الكبيرة، ولكن تظهر القرحة عند بعض الناس بعد أيام أو أسابيع من الإقلاع عن التدخين، وقال البروفيسور بورتر: "يؤدي التدخين إلى تصلب بطانة الفم، مما يزيد مقاومتها للأضرار، وعندما يقلع الإنسان عن التدخين، تنخفض هذه المقاومة، لذلك يصبح الشخص أكثر عرضة لقرحة الفم القلاعية، والتي يكون التدخين غطاها في وقت سابق".
ويمكن أن تزيد الأدوية اليومية غير الستيرويدية والمضادة للالتهابات مثل أيبوبروفين أو حاصرات بيتا مثل بروبرانولول الذي يستخدم كعلاج لمرض القلب وارتفاع ضغط الدم، إلى حدوث قرحة الفم، ويمكن أن تسبب عقاقير كبت المناعة مثل الميثوتريكسيت الذي يستخدم لالتهاب المفاصل الروماتويدي جفاف الفم، وتؤدي مضادات الاكتئاب، ودواء الذبحة الصدرية إلى زيادة الخطر أيضًا.
وأردف الدكتور هاوكي: "تكون قرحة الفم التي تسببها أدوية الذبحة الصدرية كبيرة جدًا وأكثر دراماتيكية، ويمكن أن تحدث هذه التقرحات في أي مكان من الفم إلى فتحة الشرج، فهذه الأدوية تتداخل مع آليات الدفاع المناعية للجسم، والهجوم على بطانة الفم".
وتابع: "يمكن أن يسبب العلاج الكيميائي والإشعاعي تقرحات الفم المؤقتة، لأنها تبطئ انقسام الخلايا في كل الجسم، وبالتالي لا تتمكن خلايا بطانة الفم من إصلاح نفسها بالسرعة الكافية".
وفي بعض الحالات النادرة، تكون قرحة الفم علامة على سرطان الفم، الذي يؤثر على ستة آلاف شخص في بريطانيا سنويًا، وذكر البروفيسور بورتر: "هذه هي القرحة الوحيدة التي ليست لها أسباب مادية واضحة تمامًا مثل الصدمات النفسية، وعادة لا تشفي باستخدام غسول الفم، أو بالمراهم، وعادة لا تكون مؤلمة، ولكن الأهم من ذلك أنها لا تشفى في غضون ثلاثة أسابيع، وللأسف تشخص معظم حالات سرطان الفم متأخرة لأن المرضى يعتقدون أنها مجرد قرحة فم غير مؤذية".
وتشمل أعراض سرطان الفم بقع بيضاء أو حمراء داخل الفم، وصعوبة في البلع، ومشاكل في الكلام، ووجود تورم في الرقبة، وخسارة في الوزن.
ويستطيع الإنسان تفادي قرحة الفم من خلال مجموعة من الإجراءات كتجنب الأطعمة الحمضية، مثل الحمضيات والخل، وتناول الطعام الصلب مثل البطاطا والخبز المحمص، ويقلل عقار "بونجيلا" الذي يحتوي على ساليسيلات الكولين وهو نوع من غير السترويديات المضادة للالتهابات الحد من الألم، وينصح طبيب الأسنان ايفون لي بوضع هذا المرهم كل ساعة ونصف وقبل الأكل أو قبل النوم للحصول على نتيجة، واستخدام غسول الفم، أو البخاخ المسكن للآلام، أو استخدام أقراص "الهيدروكورتيزون" التي تذوب في الفم لتقلل من مدة وشدة تقرحات الفم، ولكنها لا تمنع قرحة جديدة من التكون.
أرسل تعليقك