توقع صندوق النقد الدولي استمرار تأثيرات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مؤكدًا أنَّ هذه الجائحة باتت تمثل أزمة اقتصادية متصاعدة، رغم التزام البلدان جانب الحذر خلال شروعها في إعادة فتح اقتصاداتها.ووفقاً لتقرير"آفاق الاقتصاد الإقليمي للشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، الصادر عن الصندوق أمس، فإن إجراءات التصدي للجائحة التي لزم اتخاذها على مستوى الصحة العامة أدت إلى الحد بدرجة كبيرة من حرية الحركة، وترتبت عليها تكلفة اقتصادية باهظة، ونتيجة لذلك، يُتوقع انخفاض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المنطقة بنسبة 4.1% عام 2020. وأوضح الصندوق أن هذا الانكماش أكبر بمقدار 1.3 نقطة مئوية مما كان متوقعاً في إبريل 2020، مشيرا إلى أنَّه في ظل تباطؤ وتيرة التعافي العالمي، تستمر مخاطر التطورات المعاكسة في الهيمنة على الآفاق مع استمرار الجائحة في الضغط على قدرات البلدان.
وأكد التقرير أن ضمان كفاية الموارد المتاحة للنظم الصحية وتوجيه برامج الدعم بدقة نحو الفئات المستحقة لا يزالان من الأولويات العاجلة، وأنه على المدى القريب، يتعين على الحكومات وصناع السياسات مواصلة العمل بحسم لتأمين الوظائف وتوفير السيولة للشركات والأسر وحماية الفقراء ووضع خارطة طريق اقتصادية مصممة بدقة لتحقيق التعافي، كما سيكون من الضروري اتخاذ المزيد من الإجراءات لمعالجة مواطن الضعف الملحة في البلدان التي تعاني من ضيق الحيز المالي لضمان سلاسة التعافي والحفاظ في الوقت نفسه على استدامة الأوضاع الاقتصادية الكلية.
وأشار التقرير إلى أنه من المحتمل أن تخلف جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) أثرا اقتصاديا أعمق وأطول أمدا مقارنة بفترات الركود السابقة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى؛ نظراً لأن الخصائص المتفردة لصدمة الجائحة العالمية ارتطمت بمواطن الضعف طويلة الأمد في المنطقة. وبصفة خاصة، سيكون ما تعرضت له المنطقة من مخاطر كبيرة في قطاع الخدمات الذي تضرر بشدة (بما في ذلك السياحة)، وضغوط على الميزانيات العمومية للشركات، وضعف إمكانات العمل من المنازل، والاعتماد على تحويلات العاملين في الخارج، ذا أثر سلبي كبير على آفاق التعافي. وقد يظل إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المنطقة على مدار عقد من الزمن أقل من الاتجاهات العامة التي كانت سائدة قبل الأزمة.
ومع استمرار الجائحة، شدد التقرير على أهمية توخى صناع السياسات الحرص في الموازنة بين الحفاظ على الأرزاق، والحد من الآثار الغائرة، وتشجيع التعافي، دون عرقلة الخطوات اللازمة لإعادة التوزيع في سوق العمل. وعلى المدى المتوسط، سيتطلب الأمر إعادة بناء الهوامش الوقائية للاحتماء من الصدمات المستقبلية.
تحديات المالية العامة
وحول التحدي المالي الذي تواجهه دول عدة في المنطقة، قال التقرير إن جائحة كورونا دفعت جميع البلدان إلى الاستجابة بقوة على مستوى المالية العامة، وهو ما ترتب عليه أكبر تيسير مالي متزامن في البلدان المستوردة للنفط وتيسير هائل في البلدان المصدرة للنفط. ورغم ذلك قال التقرير إن حجم هذه الإجراءات على مستوى المالية العامة "أقل قليلا" من تلك التي اتخذتها اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الأخرى. ورغم الأهمية البالغة للإجراءات الطارئة، إلى جانب التراجع الكبير في الإيرادات، أكد التقرير أن من شأنها أن تفضي إلى زيادة احتياجات المنطقة من التمويل؛ موضحا أن ارتفاع مستويات الدين ومعدلات العجز سيفضي إلى تآكل الحيز المالي، مما يُعَرِّض المنطقة لمخاطر انتشار الفيروس من جديد، ويسفر، في بعض البلدان، عن عدم الاستمرارية في ديناميكية الدين.
وذكر التقرير أن الديناميكية المتوقعة يتوقع أن تؤدي إلى زيادة الدين الحكومي وبلوغه مستويات مرتفعة على المدى المتوسط في بعض البلدان، وتصاعد المخاوف بشأن استمرارية القدرة على تحمل الدين في البلدان التي كانت أرصدة ديونها المبدئية كبيرة ومنها حسب ما جاء في التقرير سلطنة عُمان. وقال إنه إلى جانب تحول مستويات الدين في 2020، فإن الدين لا يستقر في ظل توقعات السيناريو الأساسي في كل من عُمان والجزائر والبحرين والكويت، مشيرا إلى إسهام كل من الهوامش الوقائية الكبيرة في المالية العامة في الكويت، وحيازة البنك المركزي في الجزائر لجزء كبير من الدين الحكومي في تخفيف شواغل البلدين بشأن استمرارية القدرة على تحمل الدين، وهو ما لم يذكره التقرير بالنسبة للسلطنة.
وتشير توقعات صندوق النقد فيما يخص منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان إلى ارتفاع وسيط الدين الحكومي وتجاوزه 70% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط، انعكاسا للسرعة المتوقعة لتراكم الدين في البلدان المصدرة للنفط، ومن بينها عُمان. وذكر التقرير أنه رغم أن فروق أسعار الفائدة على السندات السيادية لا تزال مرتفعة في بعض البلدان، ومنها عُمان، إلا أنه يُتوقع تراجع تكاليف الاقتراض الكلية على المدى المتوسط، قياسا بأسعار الفائدة الفعلية، مقارنة بمستوياتها في فترة ما قبل كوفيد-19 في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان والبلدان المستوردة للنفط في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، مرجعا هذا التطور في الأساس إلى التيسير النقدي الكبير في الاقتصادات المتقدمة وتوفير مزيد من التمويل الرسمي لكثير من بلدان المنطقةوأشار تقرير صندوق النقد إلى السلطنة، عندما تحدث عن البلدان التي دخلت أزمة الجائحة بدون تقييم للحيز المالي في الأساس، مشيرا إلى أن كلا من عُمان وإيران كانتا من بين الدول المصدرة للنفط التي انطبق عليها هذا الوضع.
صدمة لا مثيل لها
وتناول التقرير وضع البنوك في المنطقة وانعكاسه على الاقتصاد تحت عنوان "صدمة لا مثيل لها" وقال إن البنوك بدأت عام 2020 وهي تمتلك ميزانيات عمومية قوية بوجه عام، ولكن الجائحة وما نتج عنها من اضطرابات حادة في النشاط الاقتصادي المحلي والإقليمي تشكل معا صدمات هائلة تؤثر مباشرة على المقترضين الذين يتمتعون بوضع مالي سليم في المعتاد، ويُحتمل أن يقع تأثيرها الأكبر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويؤكد أن البيانات الأولية للربع الأول من عام 2020، لا تشير إلى تدهور مؤشرات السلامة المالية، عدا خمسة دول تضم كل من سلطنة عُمان، ولبنان، والبحرين وجورجيا، والإمارات العربية المتحدة، حيث تراجعت مستويات الربحية.
وتناول التقرير استجابات سياسات السلطنة لما فيه صالح المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث ذكر أنها كانت من الدول التي استجابت ببرامج معينة لمساعدة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التصدي للجائحة والدخول تحت مظلة الشمول المالي. وتضمنت هذه التدابير إرجاء سداد مدفوعات الديون، وتمديد ضمانات القروض. وأكد التقرير إنه وبوجه عام، فإن معظم هذه التدابير تسير في الاتجاه الصحيح، كما أنها تتسق مع تجربة بلدان أخرى عديدة. وقال إن هذه السياسات جميعها تتطلب تحمل مصروفات جديدة، أو قد تنشأ عنها التزامات مشروطة، ويجب بالتالي أن تكون مؤقتة وموجهة وأن تتسم بالشفافية، مع ضرورة مراعاة الحيز المالي المتاح.
وأكد التقرير في الوقت ذاته أنه لدعم التعافي الاقتصادي، ينبغي أن تواصل بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تنفيذ الإصلاحات الهادفة إلى توسيع نطاق الشمول المالي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.واستنادا إلى التقدم المحرز حتى الآن، قال التقرير إنه ينبغي أن تواصل الحكومات العمل على إنشاء عدد كافٍ من المؤسسات وتحسين بيئة الأعمال من أجل تعزيز الشمول المالي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وقد تكون استمرارية الشمول المالي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة هي المصدر الأساسي للنمو الشامل والمستدام على المدى المتوسط -حسب ما ذكر التقرير.
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك