دمشق ـ سانا
يوضح الدكتور عفيف بهنسي في مستهل كتابه حكمة العروبة الصادر عن دار الشرق للطباعة والنشر معنى كلمة عرب عبر التفريق بين مصطلحي الأعراب والعرب ويعني المصطلح الأول القوم الذين عاشوا بعيدا عن حياة المدينة بينما يعني المصطلح الثاني سكان المدن الحضر.
ويبين بهنسي أن العرب استوطنوا وشكلوا المدن والحواضر ثم امتدوا لكي يوطدوا حضارتهم في دول أكادية وآشورية وكنعانية وكان الناظم في علاقتهم اللغة التي ظهرت على شكل لهجات هي أصول اللغة العربية التي تجلت بليغة في القران الكريم ومن هنا جاء لفظ العربي الذي نسب إلى العرب المتمدنين.
ويشرح الباحث معنى العروبة على أنها مصدر من فعل عروب أي التكلم بالعربية أو الانتماء الى العرب ولم يكن هذا اللفظ شائعا قبل منتصف القرن الماضي إنما ظهر مع الداعين إلى حماية العروبة من أمثال زكي الأرسوزي وساطع الحصري وعزت دروزة وقسطنطين زريق.
ويرى بهنسي أن ثمة ثقافة مشتركة كانت جامعة بحواضر شكلت أمة واحدة وهي أكاد وبابل وماري وايبلا وحتى الساحل الكنعاني امتد حضورها إلى اسبانيا عبر سواحل البحر المتوسط الجنوبية حيث كان الفينيقيون قد أسسوا مدنا تجارية مسالمة ومتحضرة مازالت آثارها واضحة في أقصى بعدها في حاضرة قرطاجنة جنوب الاندلس إحدى ضواحي مدينة تونس حاليا.
ويستنتج بهنسي أن جميع الشعوب التي شكلت حضارة بلاد الرافدين وسورية هم أسلاف العرب وكانوا شعبا واحدا على أرض واحدة آمنوا بعقائد متقاربة ومتشابهة ابتدأت بالإلهة ايل وانتهت بـ ابراهيم وموسى والمسيح ومحمد وكانت الأرض العربية مهد الديانات التي انتشرت في العالم وبخاصة المسيحية التي امتدت عبر القارات الخمس والإسلام الذي يؤمن به ثلث سكان العالم.
ويتابع الباحث أن العرب كانوا يعيشون حضارة فنية وتقاليد أدبية هي أرقى من الواقع الثقافي في العصر الجاهلي إذ إنهم أقاموا في دمشق والقدس والقيروان وغير ذلك من المدن التي نما فيها المظهر الأول لتكوين الفكر العربي فيما بعد ولمفهوم الثقافة وأهدافها.
ويؤكد بهنسي في كتابه أن مصطلح عربي بات يعبر عن هوية ثقافية وعن صفة ذاتية حضارية حيث لا فرق بين مفهوم القومية ومفهوم الحضارة فالأولى برأيه تعبر عن الذاتية الثقافية والثانية تعبر عن ثقافة محدودة مشخصة بآيات مكتوبة أو منقوشة أو مرسومة كاشفا أن الكيان العربي هو كيان ثقافي موحد تاريخيا وفكريا وصفة العربي هي لتحديد هويته الثقافية.
ويلفت الباحث إلى أن البعد الثقافي لمفهوم القومية هو البعد الذي يميز النظرية القومية العربية عن غيرها من النظريات وهو الأساس لبناء الفكر العربي المعاصر بعيدا عن العنصرية والشوفينية.
وفي الكتاب الذي يقع في 300 صفحة من القطع الكبير مواضيع أخرى تدخل في تفاصيل الثقافة العربية والعروبة والتاريخ وعلم الآثار الذي يلعب دورا هاما في إعادة التاريخ وكتاباته بشكل حقيقي إضافة إلى العروبة عبر الحضارات والرؤى الاستشراقية للعروبة وغموض الفكر العربي ومبادئ الترجمة والاقتباس من العربية إلى اللاتينية والاسبانية حيث لم يغفل الإعمار والعمارة وأثر التراث الإنساني فيها وهوية العمارة العربية وهموم العروبة وعلاجها.
أرسل تعليقك