بيروت ـ وكالات
كتب الباحث اللبناني نادر سراج عن حقبة قرن من تاريخ بيروت من خلال شخصية بيروتية بارزة وسلالة تلك الشخصية وملحقاتها وكل ذلك للحديث عن حي بيروت وما تعاقبت عليه من احداث.
وقد جاء ذلك في مجلد صقيل موسوعي القطع وبصور فوتوغرافية لناس ومبان ومناظر مختلفة تحمل الى ذهن القارئ ذلك العالم البيروتي القديم الدافئ.
حمل كتاب الدكتور نادر سراج اسما مركبا هو "افندي الغلغول 1854 - 1940 - شاهد على تحولات بيروت خلال قرن". وحمل الغلاف رسما لذلك الافندي الشهير هاشم علي الجمال الذي جُعل نموذجا لذلك الزمن وذلك النمط من الحياة.
ولعل ما ورد تحت عنوان (محتويات) يلقي بالفعل ضوءا على ما جاء بين دفتي ذلك الكتاب الفني الجميل:
الفصل الاول حمل عنوان (السيرة بالكلمات. بيروت العثمانية. سيرة الأمكنة والعائلات والحل والترحال. هاشم علي الجمال.العين البيروتي نموذجا).
الفصل الثاني احتوى على ما يلي: (اخبار الابناء والانسباء ووقائع ايامهم. وثائقنا تحكي احوالنا: احسان عبر شهاداته ووثائقه. "الدوقتور" بشير الجمال: صفحات من حياة حافلة. محي الدين الجمال ضابطا عثمانيا فقاضيا فرعيا فمحاميا لامعا. هاشم في ايامه الاخيرة يحل ضيفا على ابنه عارف في النبك. محمد افندي الجمال: "الاجزائي" والمهندس الزراعي والموسيقي).
وجاء الفصل الثالث على الشكل التالي: (الابناء والانسباء في زمانهم: الوضعات الاخوانية عند التصوير والمكاتبات والتحارير لقضاء الحاجات. دخول عنصر الزمن وشيوع ثقافة القراءة. آخر الكلام).
وتحت عنوان عن سبب كتابة سيرة ذلك العين من حي الغلغول البيروتي، هو (لماذا نكتب سيرة افندي الغلغول؟)، قال نادر سراج "من هنا فهذه النصوص المؤتلفة في تجربة سردية متكاملة سعت قدر الإمكان للتفلت من الموروث التقليدي الحكائي وهي تشهد النور في كتاب موثق ينطلق في اسلوبه وفي مقاربته المادة التاريخية والاجتماعية، من مواصفات السيرة والذاتية لا بل المدينية الجماعية ليلامس فن السرد الروائي".
ويضيف نادر "وهي لا تقتصر على جمع الجزئيات المتناثرة لتشكيل "لوحة الحياة" العائدة لوجيه بيروتي عثماني عاش تحولات بيروت منذ منتصف القرن الثامن عشر وعلى مدى ثمانية عقود، ولا تحمل بالضرورة بصمات الفرد الذي تنعقد حوله الأحداث بغض النظر عن حيثيته الاجتماعية ورتبته وتتماسك مفاصلها وتأتلف مضامينها وهي نصوص تستند الى وقائع وأحداث وتعود الى تواريخ وتستحضر احصاءات وتروي حكايات الايام الغابرة بحلوها ومرها وتكشف عن المسكوت عنه وتستنطق تفاصيل متوارية مملة ومبتذلة في نظر بعضنا ومشوقة وذات دلالة في نظر آخرين، ولكنها تبقى في نهاية المطاف نصا سرديا مؤتلف البنى التركيبية يستظل بروح الجماعة وينضح بروحية كل من بطله وكاتبه، بالرغم من انشغاله برسم صورة عن تبدلات الاحوال اللاحقة بفرد متميز من عائلة بيروتية معروفة".
وفي المجلد الضخم وبين المعلومات الكثيرة التي حملها، فصل مثير للاهتمام عن الألقاب في الزمن العثماني اذ كان بطل الكتاب يحمل لقب (افندي). وعنوان هذا الفصل (الالقاب والكنايات.. والجندرية منها).
قال الكاتب "تحفل المذكرات ووثائق الاحوال الشخصية والوثائق الشرعية والمراسلات المثبتة في هذا الكتاب بنماذج حية عن الألقاب والكنايات التي كانت سائدة عصر ذاك.. وللتذكير، فالألقاب العثمانية انواعها وترتيبتها، من بك وتكتب ايضا بيك او بيه، الى باشا الى افندي او الى خواجة (وكانت تطلق تحديدا على معلم المدرسة او الطبيب او كل من كان معتمرا عمامة (...) كانت تسبغ على الافراد المنتسبين الى اعراق معينة او الى ابناء الباشوات او الى كبار الضباط العسكريين او الى كبار موظفي السلطنة او الى اعضاء البعثات الأوروبية".
ويضيف "واذا كان بعض الناس يعتبر ان حملة الألقاب شديدو الحفاظ عليها لأنها عندهم عنوان مجدهم الموروث، ومبعث ما لهم من حياتهم من رفعة شأن، فإن الحاج هاشم وشقيقيه وأبناءه بالطبع، التزم حمل الألقاب التي كان يكتسبها او تسبغ عليه وفق طبيعة مهامه الوظيفية.. ومن المعلوم ان لقب "افندي" هو في الاساس كلمة عامية يونانية الأصل معناها "المولى والسيد"، اخذها الترك عن اليونان ووصلت الينا عن طريق هؤلاء.. وثمة من يعتبر الأصل هو كلمة لاتينية، ولانها جاءتنا عن طريق الأتراك ظن انها تركية او فارسية معناها: الذي يقوم بالعمل بنفسه.. المستقل بذاته.. استعملها العثمانيون للرجل يقرأ ويكتب، ولقبا لبعض كبار الموظفين.. اطلقت على الامراء الاتراك للدلالة على الاحترام.. استخدمتها الفارسية عن التركية وما لبثت بعض الأقطارالعربية ان استخدمتها لقبا كالسيد او المولى ونطقوها "افندم" جوابا محترما للنداء.. وكان هذا اللقب عندنا تارة لقبا فخريا يعطى بمرسوم، وطورا اسم علم يطلقه الاولاد على ابنائهم "افندي" و"فندي".
ويستطرد قائلا "انه يروى ان المتصرف داود باشا وهو الحاكم العثماني لجبل لبنان، هو الوحيد بين المتصرفين الذي كان يمنح لقب افندي بمرسوم.. اما كلمة "افندم" فكانوا في العهد العثماني يصدرون بها العرائض، فيكتبون الى المتصرف "دولتلو افندم حضرتليري" وإلى القائمقام سعادتلو.. وإلى المدير رفعتلو.. وهذان الاخيران حملهما الحاج هاشم لدى تقلده مسؤوليتي القائمقامية والادارة المالية، اما عزتلو التي وردت مرافقة لاسم صديقه وقريبه عمر افندي الغزاوي فتعني (صاحب العزة).. ومن باب العلم بالشيء فالخواجة لفظة فارسية من معانيها: العظيم.. السيد.. التاجر.. الخصي.. ثم تطور معناها الى المعلم والمربي وكان المعلم "الخواجة" قديما مخصيا لأنه يربي اولاد الامراء".
أرسل تعليقك