الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية هايكو
آخر تحديث GMT19:17:04
 عمان اليوم -

الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية "هايكو"

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية "هايكو"

بغداد ـ وكالات

تمتد تجربة الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف الإبداعية إلى أكثر من أربعين عاما أصدر خلالها خمسة دواوين شعرية. في ديوانه الجديد "بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق بلقالق ميتة" الصادر عن سلسلة كتب بصرية بوزارة الثقافة بغداد 2012، اكتشف الشاعر في قصيدة الهايكو فضاء رحبا، يتيح له حرية التأمل والحوار مع الذات في اتصالها بالطبيعة بعيدا عن منغصات المعيش اليومي. قصيدة الهايكو هي قصيدة بثلاثة أبيات فقط تجسد فلسفة البساطة والشاعرية وتصوير اللحظة وتوقف الزمن من أجل التأمل، التي اشتهرت بها فلسفة الزن اليابانية وهي تختلف عن كل أنماط الشعر العربي والغربي ويكمن هذا الإختلاف حسب رأي الشاعر محمد الأسعد أحد مترجميها الأوائل بكونها "تتجنب الأساسيات العزيزة للجمال الشعري المألوف: التشبيه والمجاز وتجريد الملموس وتجسيد المجرد، وتتمسك بتسمية الموضوع "موضوع الخبرة" مباشرة. وهي تتجنب التشخيص أو أنسنة الأشياء. فالإنسان ليس مركزا بل هو خيط في شبكة كلية، وكذلك بقية الموجودات من تراب ونبات وحيوان ونجوم وسديم". ويصف الشاعر حسين عبد اللطيف تجربته هذه التي تغترف من أجواء قصيدة الهايكو بأنها "ومضات" أو توقيعات "على مثال الإمضاءات التي يوقعها المعجب بهم لمعجبيهم في الأتوجرافات "…." ومن هنا قصرها وتشبهها بضربات القلب أو إقترابها من قصيدة "الهايكو اليابانية". إذن هي ومضات أو ضربات قلب بقصرها وكثافة لغتها ووضوح الصورة فيها. ومن مميزات هذه المتوالية أنها تستفيد من منجزات قصيدة الهايكو اليابانية حين ترفض الصيغ البلاغية وتميل إلى "الوضوح في اللغة والموضوع ص7" وتهتم "بالصفاء والتناغم مع الوجود أو التلاشي فيه مفضلة الابتعاد بكلماتها عن الاصطفاف وعن الاستبدال بأخرى بديلا عنها ص7". كما يؤكد في مقدمته لمتواليته. إن ابتعاد الشاعر حسين عبد اللطيف عن الصيغ البلاغية في القصيدة العربية أو المجازات والصور التي أصبحت مكررة في قصيدة النثر العراقية الحديثة، هو نزوع شاعر باتجاه فضاء فسيح يتيح لتجربته وخبرته الطويلة التفتح على لغة قادرة على احتواء هذه التجربة التي تحمل خفايا نفس وأسرارا ومعاني تحتاج إلى قراءة متأنية، كما هي حال قصيدة الهايكو إضافة إلى أن "توقيعات" هذا الشاعر تحاول أن تتخطى لغتها ومجازاتها وصورها باتجاه قصيدة الهايكو ذات الثراء البصري والجو المتناغم لونيا وصوتا، بالاتجاه إلى الطبيعة، باعتبارها مركزا وفضاء غير محدود. وفي ديوانه الجديد تظهر قدرة الشاعر حسين عبد اللطيف في البوح الشعري، وتتجلى فيه ثقافته ويكشف عن تشبعه بأجواء الشعراء الأجانب إضافة إلى شعراء العربية. يشيع العنوان "بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق لقالق ميتة " بنية مغلقة على حياة آفلة، مشبعة بالإحزان تتجسد في هذه الصورة الشعرية التي يدشنها هذا العنوان :متوالية من أسراب لقالق ميتة، يحتشد بها الأفق، تشبه جثامين ملفوفة بقماش أبيض تظهر وتختفي في فضاء هذه القصائد، لكن الشاعر يكسر جهامة هذا الأفق بالانفتاح على عالم الطبيعة الذي تتوارى فيه مظاهر الذات ومنغصاتها، وراء نصاعة ووضوح احتفال الكائنات بحياتها، بذلك التناغم الحي بين مكوناتها: "كل شيء مفعم بالضياء/ شجرة الكرز، الثلج/ أغنية طائر الليل/ و…/ وعاء الحليب". ولا يكتفي الشاعر بالاحتفاء بموجودات الطبيعة وتمجيد تضامن كائناتها، بل إنه يعرض للانتهاكات بين كائناتها بطريقة ساخرة، تجعل من هذه الانتهاكات لعبة من العاب الطبيعة: "صاحت الشجرة بالحطاب/ وهو يخرج من الغابة/ بحزمة من أغصانها،/ -عظامي/ -عظامي". وإذا كانت قصيدة الهايكو ترسم مشاهدها بشكل مباشر يشي بالتأمل والسكون دون حاجة إلى لغة استعارية، فإن الشاعر ينحو إلى كسر رتابة هذه الجملة الشعرية بالمفارقة الساخرة مرة أو بتشكيل علاقة مع الذات مرة أخرى ليبعث الحركة والحياة في هذه الجملة الشعرية التي تعاند للحفاظ على شكلها الساكن، تماهيا مع الشكل المألوف لقصيدة الهايكو: "نعيب الغراب/ قطار يرحل آخر الليل/ مخلفا شريطا من الدخان"، والظاهر أن في تشبيه الشاعر صوت نعيب الغراب بالقطار إشارة منه إلى حركة باتجاهين متعاكسين: الأمام والخلف، وليرسم صورة مبتكرة، يستبدل فيها الغراب بالنعيب وكأن النعيب سرب من الغربان السود. لقد منحت قصيدة الهايكو الشاعر فضاء جديدا استقبل الحياة من خلالها بنافذة تنفتح على جمال الطبيعة بمشاهد تتجلى فيها مظاهر ذلك الجمال بجمل شعرية اكتُنزت بالعديد من الصور المبتكرة التي أسهمت في انفتاح تجربة الشاعر على عالم التأمل والجمال بعيدا عن آلامه وحزنه المستديم بعد أن فقد ابنه البكر وتعرض إلى عملية بتر إحدى أصابع قدمه إضافة إلى الآلام الكثيرة التي يسببها إنصاته وتفاعله مع حياة الناس الشائكة في وطنه، غير أن ذلك لم يكن سببا كافيا كي يتخلص من تلك الآلام والأحزان فجاءت في هذا الديوان مشذبة ومكثفة وبعيدة عن الشكوى والرثاء المر الذي كان واضحا في قصائده التي نشرها خلال العامين الماضيين، وبذلك استطاع أن يعبُر بحر المرارة والألم في ديوانه هذا، من خلال عقد علاقة ألفة وحب مع الكائنات التي تحيط به، مستثنيا الآخر، الإنسان، من هذه الألفة والحب بمجموعة دافئة وحميمية من هذه التوقيعات: "نعاق الإوز البري/ وهو يرحل عائدا/ يترك في نفسي ذكرى أليمة". وعندما يستعيد ذكرى ولده الراحل، "ظلي الذي لم يمتد طويلا ليظللني، "حازم"" تأتي الذكرى على شكل توسل أو نداء إغاثة موجه إلى "أورشنابي" الملاح الذي ساعد كلكامش على عبور نهر الموت في الملحمة الشهيرة مرة، ومرة بـ "ييتسو jizo"مرافق الموتى في الأساطير اليابانية مرة أخرى كي يلتحق ولده برحلة الخلود الأسطورية، بعدما كانت رحلته في الحياة رحلة ألم ومعاناة، فيخاطب ييتسو jizo شبيه "أورشنابي"" في الأساطير اليابانية: "في الدنيا أدمته الأشواك/ احمل عزيزي على كتفك/ بلطف ييتسو jizo".

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية هايكو الشاعر العراقي حسين عبد اللطيف يتعالى على آلامه بمتوالية هايكو



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 18:42 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
 عمان اليوم - أفكار لملابس تناسب شتاء 2025

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 عمان اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 13:39 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 عمان اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab