واشنطن ـ وكالات
كشفت دراسة أكاديمية أن ماليزيا تتصدر دول العالم الإسلامي في الاستثمارات المعرفية، وأن قطاع المعلومات في الولايات المتحدة الأميركية ينتج نحو نصف الدخل القومي، وتظهر اقتصاديات الدول الأوروبية المتقدمة أن نحو 40% من دخلها القومي ينبثق من أنشطة المعلومات.
وقال الدكتور خالد البسام، الأكاديمي في جامعة الملك عبد العزيز في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تكمن المشكلة الرئيسية التي نتطلع إلى علاجها في 6 جوانب أساسية، هي أن تكنولوجيا المعلومات التي لا تصنعها الدول العربية والإسلامية تعد في الوقت الراهن من أبرز عناصر الإنتاج، وأن الدول العربية والإسلامية ليست قادرة في الوقت الراهن على توطين تكنولوجيا المعلومات، وأن نسبة الإنفاق من الناتج القومي على البحث العلمي متدنية جدا في الدول العربية والإسلامية، وهذا صحيح حتى في الدول الغنية منها».
وأضاف البسام، الذي قدم بحثه بعنوان «الاقتصاد المعرفي في الدول الإسلامية» وشاركه فيه 5 من الأساتذة الأكاديميين، أن الإمكانيات المالية للدول الإسلامية الفقيرة ضعيفة جدا، الأمر الذي يعطل دخولها مجال الاقتصاد المعرفي، وأن إهمال الدول الإسلامية للعلماء، وعدم إيلاء الرعاية اللازمة لهم، أدى إلى هجرتهم إلى الدول المتقدمة، ناهيك عن أن إدارات التعليم العالي في الدول الإسلامية ليست في المستوى المطلوب، وبعيدة عن متطلبات اللحاق بركب الاقتصاد الذي يعتمد أساسا على المعرفة بمفهومها الشامل، فضلا عن أن العلاقة بين قضايا التنمية في الدول الإسلامية والتكنولوجيا المتطورة ضعيفة». وسعى فريق العمل لهذا البحث إلى إبراز أهمية اقتصاد المعرفة، والتعريف به، وبدلالته ومؤشراته، وكيفية قياسه، ومن ثم تحديد الفجوة المعرفية لدى الدول الإسلامية.
وقالت الدراسة إن الدول الإسلامية - إلا النزر اليسير منها - تواجه تحديات كبيرة ناتجة عن فجوة تقنية واسعة، تتجسد في تخلف قنواتها الإنتاجية، وتجعل منتجاتها عاجزة عن المنافسة في الأسواق العالمية، وبالتالي تنعكس هذه الفجوة سلبيا على برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها. ومن هنا تكمن أهمية هذا البحث في ضرورة إيلاء الاقتصاد المعرفي الاهتمام الذي من خلاله يؤهل الدول الإسلامية للارتقاء بمكانتها المرموقة بين الدول المتقدمة.
وتأتي أهمية البحث في استشراف أسباب وآثار هذه الفجوة، وأساليب سدها، حتى تستطيع الدول الإسلامية مواكبة التغيرات العالمية في هذا الإطار، والانتقال من مجرد مستهلكين لمنتجات الغير إلى منتجين لهذه السلع، والتطلع إلى المنافسة ضمن التبادل التجاري العالمي، مع تحليل واقع اقتصاديات المعرفة في بعض الدول الإسلامية الرائدة في هذا المجال (ماليزيا، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية).
ومن جهة أخرى، أشارت بعض الدراسات الحديثة للاقتصاديات المتقدمة - بحسب البسام - إلى أن قطاع المعلومات أصبح هو المصدر الرئيسي للدخل القومي للعمالة، حيث قدر في الولايات المتحدة أن قطاع المعلومات ينتج نحو نصف الدخل القومي، وتظهر اقتصاديات الدول الأوروبية المتقدمة أن نحو 40 في المائة من دخلها القومي ينبثق من أنشطة المعلومات. يمكن القول إن اقتصاد المعرفة في الوقت الراهن هو اقتصاد احتكاري، والدليل على ذلك هو أن حجم صناعة المعلومات في العالم الآن يتجاوز 3 تريليونات دولار، وأن هذا الرقم يمثل من50 إلى 60% من الناتج القومي للدول الصناعية. والدليل الآخر هو الفجوة المعرفية (المسافة الشاسعة بين الدول النامية والدول المتقدمة فيما يمتلك كل طرف من المعارف)، والفجوة الرقمية (الفارق بين الجانبين في معدلات استهلاك التقنية الرقمية).
وقال البسام إن الدور الفاعل للبحث العلمي والتطور التكنولوجي في زيادة وتحسين إنتاجية الموارد الطبيعية الموجودة، سواء عن طريق اكتشاف المزيد منها، أو عن طريق اكتشاف استخدامات جديدة لها، أو عن طريق زيادة إنتاجها، وذلك بما يعكس أيضا العلاقة الوطيدة بين التكنولوجيا والموارد الطبيعية باعتبارها أحد عناصر الإنتاج.
وأفاد الأكاديمي بأن الارتباط الوثيق بين التكنولوجيا والاستخدام الأمثل لرأس المال في الحصول على إنتاج مجود ذي قدرة تنافسية، لأن مجرد وجود مخزون طبيعي هائل من الثروات في دولة ما مثل الدول العربية، أو امتلاكها لأرصدة مالية ضخمة، أو كوادر بشرية حاصلة على أعلى الدرجات العلمية أو إقامتها للمئات من المنشآت الاقتصادية، كل ذلك لا يكفي لانطلاقة هذه الدولة نحو النمو والتقدم، إذ لا بد من اقترانه بمسايرة مستمرة في الإلمام بكل المعارف الجديدة والمكتسبة وحسن توظيفها في إحداث التنمية المنشودة.
ودلف بالقول نحو أن ماليزيا تحتل الترتيب رقم 40 بين دول العالم، وهي التي تتصدر الدول الإسلامية واستطاعت أن ترفع من ترتيبها بثلاثة عشر (13) مرتبة من ترتيبها السابق الثالث والخمسين (53) عام 1995م إلى ترتيبها الأربعين (40) عام 2007م، وهذا ما يدل دلالة واضحة على أن ماليزيا قد بذلت جهودا جبارة في هذا المضمار، جعلها تتخطى بعض الدول الأخرى.
وقال إن 5 دول من الدول العربية، هي دول خليجية مصدرة للنفط، ومع ذلك لا تزيد مؤشراتها عن 6.20 من 10، الأمر الذي يترك لدينا انطباعا سريعا عن ضعف مؤشرات الاقتصاد المعرفي لدى الدول العربية، ويؤكد لنا أن الدول العربية بما فيها الغنية والمصدرة للنفط ما زالت بعيدة كل البعد عن تحقيق مستوى متقدم من اقتصاد المعرفة، الأمر الذي يستدعي منها بذل مزيد من الجهود والاهتمام لتحقيق مستوى أعلى في المستقبل.
ولمواجهة هذه التحديات وغيرها، على الدول الإسلامية بحسب البسام أن تكون لها استراتيجيات لحفز الاقتصاد المعرفي، وذلك من خلال وضع سياسات وآليات، مثل الاهتمام بترغيب الأطفال منذ الصغر في التعلم والتربية، وتوفير الوسائل التعليمية والتربوية المناسبة لهم، لكون هذه المرحلة هي الأكثر تأثيرا في تعليم الفرد وإكسابه المعرفة والمهارات، كما أنها الأكثر تأثيرا في ترسيخ أسس المعرفة وإنتاجها وتوظيفها، وإعادة النظر في استراتيجيات التعليم بكل فروعها (سياسة التعليم، وإعداد المعلمين، ومراجعة المناهج التعليمية) على أسس ترغب في اكتساب المعرفة وتوظيفها ونشرها. وأوصت الدراسة بفتح مزيد من المدارس، والكليات المهنية، والجامعات، وتعميم التعليم، ومحو الأمية، وتوفير منح وجوائز تشجيعية للطلبة المتفوقين في كل المستويات، والعمل على تطوير نوعية التعليم في مؤسسات التعليم العالي بما ينسجم والتطور الذي حصل في عالم المعرفة والمعلوماتية، والاهتمام بالمستوى الأكاديمي لأعضاء هيئات التدريس، لا سيما في التخصصات العلمية والمعرفية، وربط مخرجات مؤسسات التعليم والتدريب بمتطلبات التنمية وسوق العمل.
ودعت الدراسة إلى التقييم الدوري لمناهج وبرامج العلم والتكنولوجيا في جميع أنواع ومراحل التعليم والتدريب، وتوجيه اهتمام خاص بالدراسات العليا في المجالات العلمية التطبيقية، ودعم الحكومات لعملية نشر المعرفة بين أفراد المجتمع، وتقليل الضرائب والرسوم على السلع المعرفية، وعدم جمركة أجهزة الاتصالات والحواسيب الشخصية، وإقامة مدن ومناطق تقنية ومعرفية، والقيام بنشر وتعميم الحكومة الإلكترونية على مستوى الأقطار العربية والإسلامية، وتهيئة البيئة الصالحة للتعامل مع الاقتصاد المعرفي من خلال تكوين قطاعات اقتصادية قادرة على التعامل مع هذا الاقتصاد الحديث. واختتمت الدراسة بأهمية تطوير الأنظمة الإدارية والمالية التي تحكم عمل الهيئات العلمية والبحثية، وتوفير البيئات المناسبة لاستقطاب الكفاءات العلمية عالية التأهيل، والعمل على زيادة أعداد العاملين في البحث والتطوير مع مراعاة التوازن بين فئاتهم، والعمل على تكوين وتدعيم القدرات الوطنية في مجالات التصميم والتطوير الهندسي، حفز وتشجيع الطلب الاقتصادي والاجتماعي على أنشطة الهيئات العلمية البحثية وإنشاء وتعزيز وحدات التسويق في مؤسسات البحث وتبني آليات فاعلة لتوثيق العلاقات بين الهيئات العلمية البحثية والقطاعات الإنتاجية والخدمية.
أرسل تعليقك