واشنطن ـ وكالات
واجه المسؤولون في مجموعة العشرين صعوبات في إيجاد صياغات يمكنهم الاتفاق عليها بشأن التلاعب في سوق الصرف قبيل قمة الجمعة المتوقع أن يثار فيها مرة أخرى الخلاف بشأن العمل على تحفيز النمو في مقابل فرض إجراءات تقشفية. وبحثت الدول الغنية والناشئة في مجموعة العشرين مسألة ضعف النهوض الاقتصادي العالمي المتعثر بسبب أزمة منطقة اليورو، على أمل استبعاد المخاوف التي أحيتها اليابان من قيام "حرب عملات".
وانتقد رئيس البنك المركزي الأوروبي الخلافات الدائرة بشأن العملات قبيل اجتماع القادة الماليين في مجموعة العشرين والذي يتوقع أن تنجو فيه اليابان من أي توبيخ على سياساتها الداعمة للنمو. وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، لا تشكل المخاوف من ارتفاع مدمر لسعر صرف اليورو موضوعا رئيسيا في الاجتماع. وأكد مسؤول أوروبي هذا الأسبوع "نتوقع مناقشة حول الوضع الاقتصادي العالمي أكثر غنى من السابق عندما كانت منطقة اليورو وقادتها لا يزالون يواجهون حدة الأزمة". إلا أن الإحصاءات التي نشرت عشية اللقاء أعادت وضع أوروبا تحت المجهر: فالانكماش فاق التوقعات العام الماضي في منطقة اليورو والنمو قد يبقى منعدما أيضا في 2013. ويشكل هذا الأمر أبرز سبب لكبح النهوض الاقتصادي العالمي. وحددت روسيا مسألة البحث عن "مصادر نمو" جديدة، أولوية لفترة رئاستها لمجموعة العشرين التي تبلغ أوجها أثناء قمة في بداية أيلول (سبتمبر) في سان بطرسبرج.
وفي حين بدأت الانتقادات تتناول الإفراط في إجراءات التقشف المالي بسبب تأثيراتها السلبية في النشاط الاقتصادي، سيتعين على كبار المسؤولين عن المالية في مجموعة العشرين أن يجروا في موسكو "مناقشة حول الوتيرة الجيدة لتنقية الماليات العامة" من أجل "تكييفها مع الظروف الاقتصادية"، كما أوضح مسؤول أوروبي آخر.
والمفوضية الأوروبية المتشددة عادة حيال هذا الأمر، وافقت للتو على التفكير في تحديد مهل لخفض العجز في الموازنات، لكن ألمانيا الأكثر تشددا منها، قد تعترض على أي ليونة في إجراءات التقشف.
من جهتها، تبدي بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمها فرنسا، قلقها من قوة سعر صرف اليورو الذي يعوق صادراتها. وبشكل أوسع، فإن منطقة اليورو تندد بالسياسات النقدية في الولايات المتحدة واليابان اللتين تفرطان في إصدار الأوراق المالية لدعم اقتصاديهما ما يؤدي إلى خفض قيمة عملتيهما.
وحذر وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله الأربعاء بالقول "لن يكون في وسعنا تفادي أزمة شبيهة بأزمة 2008 إذا تم ضخ كمية متزايدة من الأموال في الاقتصاد".
وقد أنعش التحول الأخير في نهج اليابان المخاوف من نشوب "حرب عملات" نتيجة توالي التخفيضات التنافسية لقيمة العملات من جانب دول تسعى وراء النمو. وقد انصاع البنك المركزي الياباني لضغوط الحكومة التي قررت ضخ كميات من العملة لدعم الاقتصاد، وهي سياسة شائعة في الولايات المتحدة لكن البنك المركزي الأوروبي يحظرها.
واعتبر الخبير الاقتصادي يان راندولف من مؤسسة "آي إتش إس جلوبال إنسايت" أن "حرب العملات" ستكون مرة أخرى على رأس جدول الأعمال في مجموعة العشرين لأن الدول الناشئة الرئيسية (البرازيل والهند وتركيا وروسيا) ستتهم الغرب مجددا بإضعاف سعر عملاته عمدا أو بحكم الأمر الواقع، الأمر الذي يعزز عملات الاقتصادات الناشئة".
وقال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف "ما من شك أن هذا الموضوع سيبرز" وأنه سيتعين على اليابان أن توضح موقفها. وأضاف حسبما نقلت وكالات الأنباء الروسية "سيدعو وزراء المالية في البيان الختامي لكي تبقى السوق هي التي تحدد معدلات الصرف".
إلا أن صندوق النقد الدولي حاول نزع فتيل الجدل عندما اعتبر الخميس أن المخاوف "مبالغ فيها"، داعيا في الوقت نفسه إلى متابعة هذه المسألة. وندد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي من جهته، بحسب وكالة داو جونز نيوز وايرز المالية، بـ "الكلام الفارغ" بشأن "حرب العملات" والذي "يعتبر إما غير ملائم، وإما من دون أهمية، وفي كل الحالات فإنه يعطي نتائج عكسية".
من جهته، أكد فلاديمير بوتين للدول الأعضاء في مجموعة العشرين أمس أنه من المهم القضاء على الاختلالات الاقتصادية وأن تكون هناك استراتيجية واضحة للاقتراض لوضع الاقتصاد العالمي على مسار النمو المستدام.
وقال بوتين لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من مجموعة العشرين في الكرملين "الأيام التي كانت فيها الأزمات الاقتصادية لها آثار منعزلة قد ولت.. المشكلات في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو تؤثر في اقتصادات جميع الدول".
وقال الزعيم الروسي الذي سيستضيف قمة مجموعة العشرين في أيلول (سبتمبر) إن المهمة الأولى هي القضاء على الاختلالات الاقتصادية وتحفيز النمو العالمي. ودعا إلى "إدارة شفافة" لعجز الميزانيات وللديون لكسب ثقة المستثمرين. وقال بوتين إنه "يتعين تنفيذ" الالتزامات السابقة التي تعهدت بها مجموعة العشرين بشأن إعادة توزيع حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي. ويتواجه مسؤولو مجموعة العشرين في محادثات صعبة لإيجاد لغة مشتركة لبيان ختامي بشأن العملات والاقتراض.
وقال ماريو دراغي رئيس المركزي الأوروبي في موسكو إن الخلاف في الفترة الأخيرة بشأن العملات "غير لائق وغير مجد ويهزم به المتصارعون أنفسهم" وحذرت ليل برينارد المسؤولة في الخزانة الأميركية من "الكلام الفضفاض".
وقال دراغي كذلك إن سعر صرف اليورو يتماشى مع المتوسطات في الأجل الطويل مشيرا إلى أنه لم تظهر بعد دواع تذكر للقلق من أن يؤدي ارتفاعه في الفترة الأخيرة إلى خنق آفاق الانتعاش الاقتصادي.
وشهدت أسواق الصرف اضطرابات هذا الأسبوع بعد أن أصدرت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى - الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا - بيانا مشتركا يفيد بأن السياسات الاقتصادية المحلية يجب ألا تستخدم في استهداف عملات.
وقالت طوكيو إن ذلك يعكس الاتفاق على أن سياساتها النقدية والمالية الجريئة ملائمة لكن هذا التعبير عن التضامن تضرر بانتقادات لليابان في الأحاديث الخاصة.
ويبدو من المرجح أن يتركز الاجتماع المنعقد في موسكو للمسؤولين الماليين من دول مجموعة العشرين - التي تمثل نحو 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونحو ثلثي سكان العالم - على سياسات اليابان المحفزة للنمو والتي دفعت الين للانخفاض.
ولكن لا يبدو أن هناك إجماعا على المطالبة بأي إجراء وذلك لعدة أسباب من أهمها أن دولا أخرى مثل الولايات المتحدة لجأت للتوسع بدرجة كبيرة في طبع النقود.
وقال نائب وزير المالية الروسي سيرجي ستورشاك إن مناقشة صياغة البيان تنطوي على صعوبة لكن البيان النهائي لن ينتقد اليابان بالتحديد.
وقال للصحافيين "لا يوجد خفض للعملة لأغراض تنافسية .. لا توجد حرب عملات ... ما يحدث هو رد فعل من السوق على عملية صنع قرار داخلية".
ويعتمل خلاف كذلك بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن تمديد العمل بوعد بخفض عجز الميزانيات لما بعد 2016. وسينتهي العمل باتفاق أبرم في تورونتو عام 2010 في العام الحالي إذا ما فشل الزعماء في مده خلال قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في سان بطرسبرج في أيلول (سبتمبر) المقبل.
ووضعت مجموعة العشرين إجراءات صارمة لوقف انهيار الأسواق في عام 2009 لكنها لم تنجح في تنفيذها منذ ذلك الحين. وفي اجتماعات عديدة ضغطت ألمانيا على الولايات المتحدة ودول أخرى لبذل المزيد لمعالجة عجز ميزانياتها. وحثت واشنطن بدورها برلين على بذل المزيد لزيادة الطلب.
أرسل تعليقك