لا ضيقـًـا بالنازحين بل خوفًا من التقسيم
آخر تحديث GMT19:17:04
 عمان اليوم -

لا ضيقـًـا بالنازحين بل خوفًا من التقسيم

 عمان اليوم -

 عمان اليوم - لا ضيقـًـا بالنازحين بل خوفًا من التقسيم

بقلم : سجعان القزي

تتفقُ المرجِعياتُ الدوليةُ معنا على الخطر الذي يُشكّـله على لبنان وجودُ أكثرَ من مليونٍ ونصفِ مليونِ نازحٍ سوري، لا بل تُــزايِـــد علينا بتوصيفِ معاناةِ اللبنانيين وخسائرِهم جـــرّاءَ النازحين، وتَستفيض إشادةً بالضيافةِ اللبنانية، وآخِــرُ نَموذجٍ: كلامُ المفوّضِ السامي لشؤون النازحين "فيليــبّو غراندي" الذي استهْولَ وجودَ نازحٍ سوريٍّ مقابلَ كلِّ أربعةِ لبنانيين /03 شباط، لكن الاختلافَ يبدأ حين نطالب هذه المرجِعيات ـــ احترامًا لــهَــوْلِـــها على الأقل ـــ بوضعِ مشروعٍ زمنيٍّ لإعادةِ النازحين، فترفض وتَــرُدّ بمشروعٍ لتثبيتِ بقائِهم في لبنان وتعليمِهم وتوظيفِهم ودمجِهم في المجتمع اللبناني، وهو توطينٌ من دونِ كلمةِ توطين، هذا لا يعني بالضرورةِ أن المسؤولين الدوليين المعتــمَــدين في لبنان، يتآمرون على لبنان. إنهم يُــحـــبّـــونه، لكــــنَّ ما يَظــنّــون أنه صحٌّ إنسانيًا هو خطأٌ وطنيًا، وفي جميعِ الأحوال لبنانُ هو الضحية.

إن مقاربةَ موضوعِ النازحين السوريين في لبنان من زاويةٍ إنسانيةٍ هو خطأٌ استراتيجيّ وتكرارٌ، دونَ تصحيحٍ وتنقيحٍ، للخطأِ الذي سَــبقَ وارتكـــبَــه المجتمعُ الدولي ذاتُـــه بــمَـــلفِّ اللاجئين الفلسطينيين، إن النزوحَ السوريَّ في لبنان هو أزمةٌ سياسية ووطنية قبلَ أن يكونَ أزمةً إنسانية، إذ هو نشأ عن حربٍ لا عن كارثةٍ طبيعية، وبالتالي يَــتحـــتَّم أن تكونَ مقاربتُـــه سياسيةً لا إنسانيةً فقط، خصوصًا وأنه مرتبطٌ بثلاثةِ معطياتٍ، واحدُها أخطرُ من الآخر: النظرةُ السوريةُ التاريخيةُ إلى لبنان، مخطّــطاتُ التهجيرِ التي تَـــعُــــمُّ الشرقَ الأوسط، والفرزُ المذهبيُّ المتَــــعـــمَّــد في حربِ سورية.

صحيحٌ أن النازحين السوريين يفضّــلون مبدئياً العودةَ إلى بلادهم، لكنهم لا يَــعتبرون وجودَهم في لبنان حالةً اغترابية، فجُــزءٌ من لبنانَ، في نظرِهم، امتدادٌ لسورية، لم نَــنس النزاعَ بين الدولتين حولَ الأقضيةِ الأربعة "بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا"، ولا نَسينا كذلك عبارةَ حافظِ الأسد وولده: "اللبنانيون والسوريون شعبٌ واحدٌ في دولتين"، وبالتالي، سِـــيّـــانِ للسوريين النازحين بقاؤهم في لبنان أو عودتُــهم إلى سورية: أتَـــوْا من محافَــظةٍ إلى "محافظة أخرى" وليس من بلدٍ إلى بلد آخر.

ويَــزيد من قلــقِـــنا أنَّ النزوحَ السوريَّ يتحــوّل تدريجًا هِـجرةً سوريةً نحو "المجتمعِ اللبناني" بحثًا عن مستقبلٍ جديد ونمطِ حياةٍ آخر، وهذا التحـــوّلُ لا يَـــندرج في سياقِ الحربِ السورية فقط، بل في حركةِ هجرةِ شعوبِ دولِ الشرق الأوسط بين إيران والعراق والأردن وفلسطين وسورية ولبنان في إطارِ التقسيماتِ الناشئةِ داخلَ كلِّ دولةٍ أو عبر حدودِها، فالنزوحُ ما عاد أمنيَّ الخلفيةِ بقدْرِ ما أصبح تبادلَ سكانٍ على أساسٍ طائفيٍّ ومذهبيٍّ، مجردُ مراجعةِ بياناتِ حركة نزوحِ مُــكـــوِّناتِ هذه الدولِ الستِّ تكشف أن هذا النزوحَ، الناتجَ عن تهجيرٍ مُــبرمَجٍ وَفــقَ مقتضياتِ الوَحَدات الكيانيةِ الجديدة، تُـــطــبَّـــقُ عليه صفةُ نقلٍ سكانيٍّ جَماعيٍّ "transfert et déportation" على غرارِ ما حصلَ بين شعوبِ روسيا والقوقاز والشيشان "منتصفَ الأربعينات" وبين اليهودِ والفِلسطينيين "أواخرَ الأربعينات" وبين شعوبِ البلقان في التسعينات، إنَّ مواطني دولِ المِنطقة أصبحوا مواطنين برسمِ النزوحِ نحو إقليمٍ آخَر أو مجتمعٍ آخر أو دولةٍ أخرى أو حتى نحو هـــوّيةٍ أخرى، أصبحت العودةُ إلى البداوةِ طموحَ الشعوبِ العربية فـــ "ما الحبُّ إلا للحبيب الأول".

ويَـــكبر قلـــقُــنا حين نرى أن نوعيةَ المعاركِ التي حَصلت ولا تزال تحصُل في سورية ذاتُ هدفيةٍ مذهبية، فخِلافاً للثوراتِ في مِصرَ وتونس وليبيا، استهدفت "الثورةُ" السورية عَـــلَـــــويَّـــــةَ النظامِ لا استبداديَّــــتَـــه فقط، وأمسَت حربًا سُـــنّــيةً متطرفةً وإرهابية ضِدَّ الأقلــــيّــاتِ والمعتدلين كافة، أما المعارضةُ السوريةُ العَلمانيةُ والتقدميةُ التي كانت واجِهةً تمويهيةً مرحليةً trompe-l’oeil فسُرعان ما كَــفَــرت أمام التكفيريّين، لذلك لن يُسـهِّـــلَ النظامُ ذو الطابَــعِ الـــعَـــلَـــويّ عودةً جَماعيةً للنازحين السُــنّــةِ إلى سورية الجديدة الـــمُفـــرَزةِ مذهبياً والسائرةِ نحو شكلٍ فدراليٍّ ما، فالنظامُ الحالي يَعتبر جُزءًا من شعبه عدوًّا والعكسُ صحيح، وكلاهما لا يأمَـنان العيشَ معًا. وبالمناسَبة: ألم يَـــتوقّــف المسؤولون الدوليون عند رفضِ النظام السوري حتى الآن مشروعَ المناطقِ الآمنة؟ ألم يتساءلوا أيضًا، وهم الذين يَــدعون إلى أن يُـــقـــرّر النازحون بأنفسِهم زمنَ عودتِهم، عن سببِ عدمِ رجوعِ أيِّ نازحٍ سوريٍّ إلى بلادِه رغم هزائمِ داعش والنصرة وانسحابِهما من مناطقَ ومدنٍ سُــنــيّــةٍ عدة وسيطرةِ النظامِ عليها؟

تجاه هذه المعطياتِ اللبنانيةِ والسوريّــــةِ والشرقِ أوسطية، يستحيل على المسؤولين الدولــيّين معالجةُ موضوعِ النزوحِ السوري كحالةٍ إنسانيةٍ، خصوصًا وأن هذه المعالجة أثبتت عُـــقمَها منذ ستِّ سنواتٍ إلى اليوم، فلم تُــخفِّـــف عن السوريّين ثقلَ النزوحِ ولا عن لبنان عِبءَ النازحين. اللبنانيون ناقمون والسوريون ساخطون، إنَّ الهيئاتِ الدوليةَ تُـــدير مَـــلفَّ النازحين وكأنهم حالـــةٌ قائمةٌ بذاتِــها بمُــوازاةِ الوضعين اللبناني والسوري، في حين أن مستقبلَ هذين البلدين متوقِّـــفٌ على إدارةِ مَـــلفِ النازحين.

من هنا، يستحيل على المسؤولين الدولــيّين أيضًا أن يرفضوا سلفًا مشروعَ المناطقِ الآمِنةِ قبل معرفةِ نتائجِ الاتصالاتِ العربيةِ والدولية الجاريةِ بشأنه، إلا إذا كانوا يقومون، بعضُهم عن سذاجةٍ وبعضُهم الآخرُ عن تواطؤٍ، بتحضيرِ البيئةِ الجغرافيةِ للكِيانات الجديدة تحت سِتارٍ إنساني.

تجاه هذه المواقفِ الدولية، واجبُ الحكومةِ الحالية أن تُـــعطيَ الأولويةَ لـــمَــلف النازحين قبلَ ضَياعِ ما بقي من لبنان وعوضَ أن تتلــهّى بوضعِ خُــطّـــةٍ جديدةٍ للاستجابةِ لوجودِهم في لبنان ـــ وهي موجودةٌ منذ 2014 ـــ حَريٌّ بها أن تضعَ خُـــطّـــةً لإعادتِـهم إلى سورية من خلالِ تَبـــنّي مشروعِ المناطقِ الآمنة لئلّا يَـــتمَّ تنفيذُه لمصلحةِ الاردن وتركيا دونَ لبنان.

في أولِ تشرينَ الأولِ 2014 - وفي برنامج "بموضوعية" من محطة "إم تي في" - طرحتُ فكرةَ المناطقِ الآمنةِ وكــــرّرتُها في مجالسِ الوزراء ثم فَـــصَّـــلتها في مؤتمرٍ صحافي 17 أيلول 2016 وها الفكرةُ تَـــــشُـــقُّ طريقَــها عربيًا ودوليًا بموازاةِ المفاوضاتِ السياسيةِ في جنيف وأستانا، إنها مسألةُ زمانٍ وليست مسألةَ مكان، ونجاحُـــها مؤشِّـــرٌ لأيِّ سورية ستولد ولأيِّ لبنانَ سيبقى.

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا ضيقـًـا بالنازحين بل خوفًا من التقسيم لا ضيقـًـا بالنازحين بل خوفًا من التقسيم



GMT 11:23 2018 الإثنين ,30 تموز / يوليو

عودةُ النازحين إلى... النظام

GMT 13:27 2017 الإثنين ,27 شباط / فبراير

أزمةُ وجودٍ مسيحي لا أزمةُ قانونِ انتخابات

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 18:42 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
 عمان اليوم - أفكار لملابس تناسب شتاء 2025

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 عمان اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 13:39 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 عمان اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab